عائده الى سجنك...فرانسيزرودينخ كامله

بنوته مصريه

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#1
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www.7bal3rab.com/vb/backgrounds/21.gif');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
غريبان في مكتب
كان الازدحام شديدا بشكل غير عادي حينما اقتربت اليان من الطريق العام بسيارتها الهوندا ،استطاعت من هذه المسافة رؤية البنايات المدثرة بغيوم بيضاء كما استطاعت تامل اشعة الشمس الخفيفة منعكسة فوق سطح نهر التايمز الذي يجري منسابا باتجاه مدينة لندن اقتضى منها ايقاف السيارة وقتا طويلا وفيما هي تشق طريقها وسط المارة الذين يسيرون على الارصفة قاصدين اعمالهم شكرت ربها لأنها ليست من زائري المدينة الدائمين.
كانت قد تلقت في وقت متأخر من بعد ظهر يوم البارحة اتصالا من محاميها الذي طلب منها المجيء على وجه السرعة لمقابلته فحيرها اتصاله او هذا اقل ما يقال فيما هي تتوجه الى المبنى العصري المرصوف بالرخام الاسود والزجاج علت وجهها تقطيبة خفيفة ،ما ان بلغت البهو حتى خطت اليان بسرعة نحو مجموعة من الناس المنتظرين وصول أي مصعد من المصاعد الثلاثة لنقلهم الى الطوابق التي يقصدونها واسترعى انتباهها رجل طويل ذو بزة سوداء يقف بعيدا قليلا عن الباقين فتعلقت عيناها به بفضول سريع وجه عريض بارز القسمات وكأن نحاتا نحته بإزميله وانحدار مستدق رائع لأنفه الروماني ولفكه الجميل وشعر اسود كثيف ممشط بشكل رائع في اواسط الـثلاثين من عمره هذا ما حكمت عليه وهي مدركة ان هناك في وقفته ما ينم عن نوع السلطةهذا عدا جاذبيته التي لا تقاوم وكانما احس بمراقبتها له فالتفت قليلا فإذا بعينيه تصدمانهافما هما بزرقاوتين ولا برماديتين بل مزيج غريب من اللونين معا وفجأةوعت مظهرها وادركت ان البذلة السوداء المشغولة بعناية حسب اخر صيحات الازياء التي ترتديها مع قميص حريري محتشم تحيط جسمها الصغير بجو عملي وان شعرها الاشقر الاصهب الذي يبلغ حد كتفيها المنسجم مع قسمات وجهها الناعم الرقيق يعكس الاتزان والحشمة ،احتاجت الى كل ما لديها من سيطرة على الذات لئلا يرف جفنهااو تخفض عيناها الى ادنى من مستوى نظرته الممعنة ولسبب لم تستطع تفسيره احست بأعصابها جميعا تتوترفيما راح شعور بدائي غريب وغير ملموس يتحرك في نفسها بدت عيناها في لحظات غير معدودة مسمرتين في عينيه وخفقات قلبها تدوي عالياهل هي ردة فعل لجاذبيته المميزة فقط؟ ما من رجل يستحق ان تكون له هذه القوة ومع ذلك فهناك سخرية مستقرة واحتراس خفيف ظاهر تحت مظهره المتحذلق
وكانه يتوقع منها فتح حديث يتضمن دعوة صريحة الى ما يعلمه الله وحده؟
اشتركت كبرياؤها مع دفاعها لتضيء عينيها بشعلة نارية دفعتها الى رفع ذقنها لتنظر الى عقارب الساعه المثبته على الجدار الرخامي فوق المصعد.
وصل مصعدان الى الطابق الارضي في الوقت ذاته فتراجعت تطلب الاقرب اليها ولكنها وجدت وان متاخرة ان الرجل قرر اللحاق بها ،امتلأ المصعد بسرعه فصبت اهتمامها عامدة على لوحة المصعد ولكنها كانت تشعر بالرجل على مسافة قريبة منها وعلى الرغم من ارتفاع كعبي حذائها كان رأسه وكتفاه اعلى منها وقد استطاعت لقربه منها ان تشم عطره
وعندما توقف المصعد في الطابق الذي تطلبه تنفست الصعداء
ولكن شعورها بالراحة لتخلصها من وجوده لم يدم طويلافقد اكتشفت انه خرج من المصعد ايضاوانه يتوجه الى الجناح الذي تقصده ،تحركت نحو مكتب الاستعلامات فذكرت اسمهاواسم المحامي الذي هي على موعد معه ثم اختارت كرسيا قريبا لتجلس عليه ومدت يدها لتاخذ مجلةوهي تشعر بشكل متزايد بوجود الرجل الواقف بكل راحة امام ناظريها شيء ما فيه ازعجها نوع من الألفة لم تستطع تثبيتها.
-آنسة اليستون؟اتبعيني لو سمحت فالسيد ماكدونالد بانتظارك.
ولحقت اليان السكرتيرة الانيقة عبر ممر عريض يفضي الى مكتب عصري يطل على منظر رائع للمدينةردت التحية على المحامي
ثم اختارت مقعدا من المقاعد الثلاثة قبالة الطاولة وقالت:
-هناك دون ريب حاجة ملحة دفعتك الى طلب رؤيتي؟
-بالطبع انه شعور غير متوقع.
ومد هوارد ما كونالد يده ليتناول ملفا يقلب فيه اوراقه ثم اردف:
-اوصل هذه الاوراق مراسل خاص بعد ظهر الامس وقد اعقب وصولها مكالمة هاتفية من رجل اكد اهميتها.
علت جبينها تقطيبة خفيفة وقالت:
-اعتقد ان مسألة انيتا قد حلت.
-اجل ولكن الوصاية على ابنها لم تحل بعد.
احست بما يعتصر قلبها:
-ماذا تعني؟
احنى رأسه فأنزلقت النظارة فوق انفه مما سمح له بالنظر الى اليان من فوق اطارها:
-لدي نسخات عن وثائق قانونية من ممثل عائلة كوريزيو تطالب بجوزف
وتوقف ليمعن النظر في الاسم المدون امامه:
-الطفل جوزف ابن جوزيو رافاييل كوريزيو ابن انيتا غراسيلا اليستون المولود في مستشفى خاص بمدينة هاستنغز منذ شهرين تقريبا.
شحب وجه اليان من الصدمة واتسعت عيناها وكأنهما بحيرتان كبيرتان تعكسان الرعب وعدم التصديق:
-لا يمكنهم فعل ذلك!
-لقد ماتت انيتا فور ولادته دون ترك وصية شرعية تذكر فيها من يتحمل مسؤولية ولدها وبما انك قريبتها الوحيدة فقد قمت بدور الحاضنة والأم البديلة.
توقف قليلا ليجيل حنجرته:
-الولد تقنيا يتيم والقرار في الظروف العادية تتخذه دائرة الخدمات العائلية التي تحدد كيفية تربية الطفل والعناية به هذا بعد الاخذ بعين الاعتبار الظروف المحدقة بالولدوما احب ان ألفت انتباهك اليه انه يحق لأي فريق التقدم بطلب التبني.
-أتقصد ان لعائلة زوج شقيقتي حق تبني الولد كحقي فيه؟
-اجل بل اكثر.
-ولكن هذا مستحيل!
ثم انهمرت دموعها على غير ارادة فقد تذكرت شقيقتها التي تصغرها بـست سنوات لقد كانت صغيرة جدا خالية النفس من الهم في التاسعة عشر من العمر و مع ذلك فقد اكتشفت بعد اسابيع من عودتها من رحلة مثالية الى باريس ان ارتباطها الطائش قد تسبب بحملها فأرسلت رسالة سريعة الى العنوان الذي اعطاه اياها الشاب الذي تزوجته دون تفكير في باريس ولكنها لم تتلق رداوعندما حاولت الاتصال هاتفيا بروما على العنوان الذي معها لم تجد مرامها لأن الرقم لم يكن مباشرا فتعسر عليها الوصول اليه، اما الطفل جوزف الصغير فقد عاش فقط لأن امه رفضت فكرة الاجهاض على امل ان يعود اليها ابوه يوما ما فكان ان خرج الى الدنيا بعد كفاح مرير اضطر فيه الاطباء الى اجراء عملية قيصرية لإخراجه ثم لم يلبث ان ضرب القدر ضربته فحدث لأنيتا مضاعفات بعد الولادة كانت نتيجتها وفاتها المأساوية بعد ايام ، عانت إليان ما يفوق التصور لتجري الترتيبات الازمة فوظفت موظفة في مكتب هندسة الديكور الذي تملكه واستخدمت مربية للعناية بالطفل فاستطاعت بذلك قضاء اطول وقت ممكن مع الطفل الصغير
قطع المحامي عليها حبل افكارها:
-افهم قلقك اليان!السيد كوريزيو عرض علي ان يشرح لك شخصيا الاسباب التي تدعم طلبه وعليك على ما ارى الاستماع الى ما يقوله.
وضغط المحامي على زر الهاتف الداخلي واملي على سكرتيرته التعليمات اللازمة، وما هي الا ثوان حتى انفتح الباب فأطل منه ذاك الرجل الطويل الجذاب المظهرالذي نجح في تشتيت افكارها قبل نصف ساعة، تقلصت معدتها وتلوت بطريقة غير مفهومةمن هو؟لقد شاهدت عدة صور التقطتها انيتا في عطلتها وهي متاكده ان صورة هذا الرجل لا تشبه احدا منها قام المحامي بمهمة التعريف بادب:
-اليان اليستون... اوماندو كوريزيو.
وجاءها القبول بالتعارف:
-تشرفنا آنسة اليستون.
كان الصوت عميقا ذا لكنة خفيفةفاجتاحت قشعريرة باردة جسمها خاصة وقد راحت عيناه تجولان على قسماتها حتى اشتبكتا بنظراتها الدهشة ثانية قصيرة قبل توجيه انتباهه الى الرجل الجالس قبالتها:
-اعتقد انك اطلعت الانسة اليستون على التفاصيل؟
ردت عليه اليان بحذر وهو يمدد طوله على كرسي ملائم:
-ربما يتفضل السيد كوريزيو فيكشف علاقته بوالد طفل شقيقتي بالضبط؟
ولم يعد هناك شك في انها اعلنت الحرب ولكن ما اثار اعصابها انه بدا من خلال الادب الشفاف الذي يتظاهر به مسرورارفع رأسه ساخرا:
-اعذريني آنسة اليستون انا شقيق جوزيبو الاكبر شقيقه من ابيه على وجه التحديد.
-ومن يطالب بجوزف ارسلك وكيلا عنه؟
قست عيناه الشاحبتان حتى اصبحتا كالخزف الرمادي:
-لقد مات جوزيبو ,وقعت له حادثه سيارة فظيعة في السنة الماضية فتركته مقعدا حتى اجهز عليه بعض الاعتلالات الصحية نهائيا قبل شهر.
راح تفكير اليان يدور حول عقد صفقةبينما تابع ارماندو كلامه بصوت يخلو من اية عاطفة:
-لم تكن عائلتي على معرفة بوجود شقيقتك فما بالك بورطتها حتى اكتشفنا بعد اسبوع من وفاته عدة رسائل مخبأة بحذروقد لزمنا وقتا حتى اكتشفنا بعض الحقائق التي اتخذنا على اثرها اجراءاتنا.
-اية اجراءات ؟
-على الطفل ان ينشأ بالتأكيد بين اهله فهو احد افراد عائلة كوريزيو.
اتقدت عينا اليان نارا:
-لن يحدث هذا بالتأكيد!
-وهل تعارضين حقي؟
-حقك؟
-بالطبع كيف تسألين عن حقه في الميراث وهو اول وليد للعائلة.
-الطفل في وثيقة الميلاد مسجل تحت اسم جوزف اليستون سيد كوريزيو و بما انني اقرب اقرباء انيتا فقد تحملت وحدي مسؤولية ولدها كاملة.
عندما لم يتأثر ارتفع رأسها بتحد قال بسخرية تبعث الرعدة:
-فحص الدم قرر بما لا مجال فيه للشك ان اخي هو والد ابن شقيقتك.
اجتاحت اليان موجة غضب كيف يجرؤ حتى على قول العكس ولكنها رغم ذلك سيطرت على غضبها:
-ما هو برأيك غرض انيتا من ارسال تلك الرسائل التي تطلب فيها العون سيد كوريزيو؟ابتزازكم؟
-لقد تبادرت الى اذهاننا هذه الفكرة بالفعل.
-ايها المتعجرف المهين!
وسارع الى تحديها ببرود ما ان توقفت عن الكلام
-ارجوك تابعي كلامك.
-انت وغد!
ثم راحت تبحث في عمق عينيه:
-لم تكن انيتا بحاجة لمال اخيك او لمال عائلته وهذا ما سيؤكده لك السيد ماكدونالد لقد ورثت انا وشقيقتي عن والدنا منذ سنوات مالا يكفينا لتأمين حياة لا ئقة دون الحاجة الى أي شيء اخروقد حدث عندما تركت انيتا المدرسة ان انضمت الي في عملي شقيقك سيد كوريزيو تزوجها في رحلتهما المشتركة الى باريس ووعدها بان يرسل في طلبها بعد اسبوع من عودته الى روما لتتعرف الى عائلته.
فقال لها ارماندو ببرود:
-لقد وقعت تلك الحادثة بعد يوم من عودته وبقي طريح الفراش في غيبوبة اسابيع وعندما علم بخطورة اصابته رأى ان لا مستقبل له كزوج .
صاحت باتهام متسرع:
-كان بإمكانه مراسلتها!لقد عذب صمته انيتا اشهرا طوالا وها انت تقلل من قدر شقيقتي فهي ما كانت ترفض العيش مع جوريبو بسبب اصابته لانها احبته.
-والحب حسب رايك يتغلب على كل شيء؟
-كانت انيتا تستحق فرصة لتبرهن له ذلك.
بعثت نظرته الممعنه الخوف الى قلبها ولكنها رفضت ان تشيح نظراتها عنه ثم سألها برقة متعمدة:
-وانت آنسة اليستون؟هل كنت ستمنحين رجلا هذا الولاء والاخلاص؟
لم تتنازل اليان للرد فران صمت ثقيل في الغرفة حتى كادوا يسمعون انفاسهم سمعت اليان صوت الوسيط فالتفتت ببطء الى الرجل الجالس وراء طاولته وهو يقول:
-لابد من ايجاد حل لهذا الوضع وانا كوني محامي اليستون اتحدث بأسمها واقول انها ستقدم طلبا رسميا لتبني الطفل.
-تفتقر الآنسة اليستون قانونيا كأمرأة غير متزوجة الى الموقف القانوني لمعارضة حقي في حضانة ابن اخي!
ردت عليه باصرار:
-هذا اذا كنت متزوجا فهل انت متزوج سيد كوريزيو؟
فأجابها بصوت ناعم:
-لا, وهذا ما سأعوض عنه دون تأخير.
-حقا؟وهل انت خاطب كي تتزوج؟
لا تذكر انها كانت وقحة قط لهذه الدرجة!واجابها ببرود:
-لا يهم ان كنت افكر بالزواج ام لاخاصة وان لا شأن لك في طرح سؤال كهذا.
اصرت على القول:
-اوه ولكنه شأني سيد كوريزيو فإذا كان الزواج طلب ضروري في معركتي لتبني جوزف فسأحاربك بالسلاح ذاته بالسعي الى ايجاد زوج بأسرع وقت ممكن.
ثم التفتت الى المحامي تسأل:
-هل سيدعم الزواج قضيتي ؟
لم يشعر هوارد ماكدونالد بالراحة :
-يجب ان احذرك من مخاطر الزواج العاجل الذي يهدف فقط الى تأمين اب بالتبني لأبن شقيقتك وما من شك ان السيد كوريزيو سوف يعلن ارتيابه بدوافعك.
اجابته بغضب واصرار:
-وانا ايضا سأشك في دوافعه اذا كان سيتزوج حالا.
قال السيد ماكدونالد ببطء وحذر:
-لماذا لا تتزوجان بعضكما بعضا لتؤمنا لهذا الطفل علاقة مستديمة بدل العراك الطويل مع مكتب خدمات الحكومة العائلي حتى يقرر المكتب من عليه يتبنى الطفل قانونيا ؟
نظرت اليان اليه وكأنه فقد عقله فجأة:
-لست جادا بالتأكيد؟
وهز المحامي كتفيه:
-ليس زواج المصلحة بغريب حدوثة!
فردت عليه بخشونه:
-ولكنني اشك في ان يكون السيد كوريزيو مستعدا للتنازل بمثل هذه الطريقة!
-من اين لك بهذه الثقة آنسة اليستون؟
ازعج سؤاله المتشدق اعصابها الثائرة التي قطع فيها غميقا كمشرط فولاذي فأجابت حتى تقطع الطريق على هذا التساءل:
-اوه حقا!ان حلا كهذا لهو منتهى الغباء!
-حقا؟
جعلتها ابتسامته تشعر وكأنها حمامة توشك ان تنقض عليها مخالب صقر جارح
-ان الفكرة يا آنسة على درجة من الجدارة.
-ولكنني لا ارى ان هناك اسوأ من السجن في زواج مع رجل مثلك.
لو كان قادرا على هزها ليزهق روحها للفعل كان هذا ظاهرا في عينيه وفي قسمات وجهه الجامده فقاومت ارتعاشة خوف و اختارت بدلا من ذلك ضم يديها لحماية نفسها و لكن صوتا رفيعا في باطنها سألها:مم تحمين نفسك؟فهو لن يشكل تهديدا لك بالله عليك!
-ليس هناك ما قد نجنيه من استمرار هذا النقاش.
هبت بسرعه على قدميها وتابعت بكل أدب:
-نهارا سعيدا سيد ماكدونالد.
ثم نظرت الى الرجل الآخر بغضب اسود:
-وداعا سيد كوريزيو.
ولم تعبأ بمحاولة المحامي تلطيف الجووسارت نحو الباب وفتحته ثم اغلقته بهدوء خلفها قبل ان تشق طريقها الى الخارج
لم تكد تصل سيارتها حتى بدأت تغلي غضبا اللعنة,,,اللعنة على ارماندو كوريزيو!
تمسكت يداها بالمقود وقد اجتاحها الغضب الصامت حتى وصلت الى مكتبها دون ان تصطدم بأحد و ذلك كان معجزة!


2-زائر الليل
أمضت ما تبقى من الصباح في نقاش مع الموظفة في مكتبها ميراي ستانلي فتأكدت من أن الوضع على ما يرام
وكان النهار قد انتصف قبل أن تتمكن من المغادرةعندما وصلت إلى حمى منزلها المريح شعرت بالراحة فأسرعت لتحل محل المربية التي رحلت حالما وصلت وضعت بعض الغسيل في الغسالة ثم قامت ببعض الترتيبات المنزلية قبل أن يستيقظ جوزف
بعد أن غيرت له أعطته زجاجة الحليب ثم حضرت كل شيء للقيام بالمشوار المعتاد بعد الظهر ،ابتسم لها حينما وضعته في العربة وربطت الحزام إذ يبدو أنه يحب النزهات ،كان الهواء نقياً وبارداًوشمس الشتاء تطل من بين أغصان الأشجار مشعة على أطراف الشارع العريض.
سارت إليان برشاقةوعيناها تبرقان حباً كلما رأت إيماءة أو تعبيراً على وجه ابن أختها الصغير ،كان نشيطاً جداًمفعماً بالحياةيزداد نمواً بشكل ظاهر كل يوم فجأة تغضن وجهها لأنها تذكرت المشاورات الصباحية في مكتب المحامي ،فهل من الممكن أن تخسر دعوى الحضانة؟ وهل ينجح ذلك الكريه أرماندو كوريزيو في طلبة؟ ففكرت في ضرورة الإتصال بالمحامي في أسرع وقت ممكن
ما إن عادت إلى المنزل حتى أسرعت إلى وضعه في المغطس للإستحمام وهو يلعب بالمياه، وعندما أتمت غسلة وتجفيفه وتدليكه بالبودرةألبسته الثياب النظيفة ووضعته في مهده ثم ناولته زجاجة الحليب والآن إلى الإتصال بالمحامي ،راحت تتساءل بلهفة وهي تتابع حديثها معه:
-هل يمكن أن أخسر جوزيف؟
ردّ المحامي بعناية:
-ستحتاجين في سبيل حل دائم إلى وقت طويل فدائرة الخدمات العائلية تحقق في ما يأتيها من قضايا حضانة ولكنها تتخذ القرار في النهاية.
-ولمن الأفضلية بحسب رأيك؟
-من المستحيل تجاهل الوقائع يا إليان لقد درست الوثائق المتعلقة بوضع أرماندو كوريزيو المالي وهو وضع إيجابي يدعمه بقوة.
أحست بإصبع بارد تمر بفقرات عمودهافكبحت قشعريرة:
-إيجابي؟أتقصد أن وضعه المالي أفضل من وضعي بعض الشيء؟
-يا عزيزتي أنت محظوظة بما لديك من وضع مادي تحسدك عليه النسوةولكنك قطة في بحر ثرائه.
-اللعنة عليه!
وخرجت اللعنة من فمها بصوت أجش فذكرها المحامي بهدوء:
-مصلحة الطفل تأتي أولاسأحضر الطلب لتوقيعه غداً.
بعد المكالمة راحت تكمل الأعمال المنزلية المتبقيةثم لم تلبث أن وضعت اللمسات الأخيرة على رسومات مشروع الديكور الذي يخص أحد الزبائن وعندما أنتهت تنفست الصعداء ثم مطت ذراعيها إلى الأعلى وحركت كتفيهالتريح عضلاتها ،دوت صرخة جوزف في هدوء المنزل فأسرعت إليه تطعمه قبل أن يعود إلى النوم ،بعد دقائق غرقت في كرسي في غرفة الجلوس تنتظر غليان إبريق القهوةوهي تتوق لا للمرة الأولى إلى شخص ما تسر إليه أسرارها ولكن رنين الجرس كسر هدوء الغرفة فأسرعت لترد قلقة فمن يكون الزائر في مثل هذا الوقت من المساء؟
تفقدت سلسلة الأمان في موضعها وسألت مترقبة:
-من الطارق؟
فجاءها الرد
-أرماندو كوريزيو.
-كيف عرفت عنواني؟
-من دليل الهاتف.
وكان في صوته بعض السخرية.
-وكيف تجرأت على المجيء إلى منزلي في هذا الوقت؟
-لا تعتبر الثامنة والنصف وقتاً متأخراً.
سحبت نفساً عميقاًثم زفرت ببطء:
-ليس لدي ما أقوله لك.
-هل أذكرك بأن لدي الحق بزيارة أبن أخي؟
أرسلت نبرته الساخرة رعدة باردة إلى أوصالها اللعنة عليه!من يحسب نفسه؟
-جوزف نائم سيد كوريزيو.
ثم ساد الصمت برهةتمنت خلاله لو يمضي في حال سبيله ولكنه قال:
-لا فرق لدي إن كان نائماً أم مستيقظاً آنسة أليستون.
أغمضت إليان عينيهاوأطلقت تنهيده طويلة فلأرماندو كوريزيو دون شك إرداة فولاذية وتصميماً وإذا رفضت طلبه الليلةفسوف يصر على طلب رؤية جوزف في وقت آخر وهذا يعني أنه في كلتا الحالتين سيصل إلى غايته، فتحت الباب قليلاً دون أن تبعد سلسلة الأمان فلاحظت أنه قد بدل بذلته الرسمية بسروال رمادي وكنزة صوفيه باهظة الثمن ،كان يشكل حتى وهو داخل منزلها عاملاً مقلقاً جعلها تعجز عن النظر إليه إلا باضطراب سألته:
-هل تعدني بعدم محاولة خطف جوزف؟
برقت عيناه وقستا ثم تراقصت عضلات وجهه فوق عظام فكيه حتى غدت قناعاً من الغضب:
-ولماذا ألجا إلى الخطف؟ربما علي أن أذكرك بأن عدم تعاونك معي سيؤخذ بعين الإعتبار ويسجل ضدك.
أغراها قوله في أن تسأله عما قد يفعله محاموه لكسب الدعوى ولكن تفكيرها السوي أعاد رجاحة عقلها في الوقت المناسب
سحبت إليان سلسلة الأمان من مكانها ثم تراجعت لتسمح له بالدخول.
-شكراً لك.
-غرفة جوزف في مؤخرة المنزل.
ثم سارت أمامه حتى دون أن تنظر إليه فقد كانت تعلم أنه سيلحقها عن كثب وقد شاءت أن تسير بتؤدةولكن خطواتها على غير إرداة منها تسارعت حتى وصلت إلى آخر الممر مقطوعة الأنفاس لهثه ،فتحت الباب على مهل ليدخل النور منه مضيئاً الغرفة الكبيرة الواسعة التي أعدت للطفل قبل أن يولد بعدة شهور ،طلاؤها الأبيض جديدعلى كل جدار منها لوحات مائية ورفوف مختلفة الأحجام لكافة أنواع الألعاب المتحركة المعلقة في السقف، نظرت نظرة عدوانية إلى الرجل الواقف أمامها تترقب منه حركة قد تزعجها ولكنها لم تلاحظ تغييراً على تعابير وجهه ،فماذا توقعت؟هل توقعت ليناً في هذا المظهر الخارجي القاسي؟
وكأنما أحس جوزف بأنه هدف معركة صامتةفتحرك ملوحاً بذراعيه ثم استلقى على ظهره وساقاه الصغيرتان ترفسان الغطاء حتى عاد للإستقرار في النهاية بعد تنهيده صغيرة
أرادت إليان أن تصرخ قائلة إن جوزف لهاوإن لا أحد قد يأخذه منها ،وكـأنه غير مستعجل على الذهاب لأنه ترك غرفة الولد ودخل غرفة الجلوس دون أن يدعى إليها فوقف فيها ويده في جيب سرواله ثم قال مقترحاً بعد أن عرضها إلى نظرة تحليلية أشعلت غضبها بطريقة ما:
-ربما تستطيع التحدث الآن؟
-ألم تقل ما كان يمكن أن يقال هذا الصباح؟ من المؤسف أن جوزيبو لم يدرك أن لابنه هذه الأهمية الكبرى!
-لقد كانت هناك ظروفاً مانعه.
-لو أحب شقيقتي حقاً لأصر على أن يقوم أحد ما حتى أنت بالإجابة عن رسالة من رسائلها لقد كان عليه تبعات تجاهلها.
لم يرف له جفن وهو يقول:
-لقد كان يتعذب من فكرة أن تنجب له أنيتا ولداً لا يستطيع رؤيته
-كانت الجائزة الوحيدة التي خرجت من هذه الكارثة جوزف.
ونظر إليها بقسوة قبل أن يتكلم في النهاية:
-يجب عليك أن تفهمي أن الولد لن ينشأ إلا بين أفراد عائلته عائلة كوريزيو.
شاهدت إليان الحل المتجهم واضحاًفاجتاحها ذعر كبير دفعها إلى أن تسأل بكآبة:
-ولماذا؟إن قدرة رجل أعزب على تقديم خدمات مربية لا تقارن بحبي واهتمامي.
رفع كتفيه ، وكأنه يسوي حملاً ثقيلاً قابعاً عليهماوأظهرت قسماته عزماً لم يعد لها أمل في أن تثنيه عنه وقال:
-أنت أيضاً توظفين مربية بعض الوقت أليس كذلك؟ومع ذلك اعترفت بأنك تقومين بعمل ناجح وبعد مرور الأشهر ستصبح حركة ابن أخي أقوى وأنشط فينام عندئذ فترة أقل ويتطلب اهتماماً أكثر وساعتئذ ستصبحين غير قادرة على توفير الوقت اللازم لجوزف لذا من الإجحاف أن تعتبري عنايتك به قد تفوق عنايتي به.
سألته إليان بغضب:
-أو بعد افتراضك هذا تتصور أنني قد أعلن هزيمتي؟
-أنا على استعداد لإيداع مبلغ ضخم بأسمك في المصرف
هزت رأسها غير قادرة على استيعاب ما تسمع :
-أهذه رشوة سيد كوريزيو؟ما من مال بلغ قد يقنعني بالإفتراق عن أبن أنيتا.
نظرت إليه نظرة ازدراء وكراهيةثم أردفت :
-والآن هلا غادرت منزلي.
-لم أنته بعد مما أتيت أقوله.
إن جلده دون شك أسمك من جلد وحيد القرن، أحست إليان بالغضب يتصاعد من مسام جسدها حتى أصبح ينضح به:
-إن لم تخرج حالاً أستدع الشرطة!
وأشار ببرود إلى الهاتف:
-هيا...تقدمي.
فصاحت به:
-هذا منزلي اللعنة عليك!
دكنت عيناه واشتدت خطورتهما:
-لقد تخليت عن الإستشارة القانونية هذا الصباح وأنت الآن ترفضين مناقشة مصلحة جوزف لذا أرى أن الشرطة ستعاطفون معي.
-وسيرمونك إلى الخارج أيضاُ!
قال لها مصحّحاً:
-بل سيقترحون علي الرحيل للتباحث معك بواسطة قانونيين.
ثم لم يلبث أن توقف عن الكلام بعد ما قست عيناه الخطرتان اللتان عكستا قوة وإرادة ورجولة غير مرنة إطلاقاً ثم أضاف:
-لابن شقيقي الراحل الحق في حصته من إرث كوريزيووهذا ماكان سيريده جوزيبووما سيريده والدي أيضاً ولو أن أنيتا ما تزال على قيد الحياة لرغبت في أن تعترف عائلة كوريزيوبابنها ليتلقى الفوائد الماليةوالإرث الذي هو حقه القانوني.
احتدت عينا إليان وازداد عمقهما غوراً:
-سأطلب التحقيق عنك وعن عائلتك كلها.
ولكن تهديدها فشل في تحقيق مرامها لأنه قابل ما قالته بإبتسامة ساخرة:
-اسمحي لي أن أقدم لك المعلومات المناسبة قبل أن تطلبي تأكيداً رسمياً.
كان تحت واجهة السخرية درجة من الغضب المعادي الذي بعث الرجفة إلى أوصالها:
-يعيش والدي وزوجته في روما..أما أنا فقد تركت إيطاليا في العشرين من عمري لأستقر في إنكلترا وتحديداً في لندن وقد عملت عامل بناء سبعة أيام في الأسبوع حسب ظروف العمل والطقس ثم بعد ثلاث سنوات سافرت إلى نيوفوندلاند حيث اشتريت أرضاً بنيت فوقها معملاُ لقطع الرخام وذلك قبل أن أغامر في المجال العالمي حتى غدت شركتي بعد ثلاث سنوات أكبر شركة لتوريد الرخام في العالم وهذا يعني أنني أملك من المال الخاص بي ما يخولني الحصولي على موافقة دائرة الخدمات العائلية أما أفراد عائلتي فلا أسرار مستترة لديهم.
فقالت له ساخرة :
-ليس قولك هذا بخلاصة كاملة سيد كوريزيو.
-وإلى أي مدى تريدين نبش الماضي؟هل تلطخ والدتي الخلاسية الأصل أسمي تدينني؟ أم تدينني وفاتها في طفولتي؟أهذا يكفيك آنسة أليستون؟
وارتفع حاجباه فوق عينيه وكأن الذكريات قد أثرت فيه:
-ربما تحبين أن تعرفي أيضاً أن امرأة إنكليزية حلوة قد خففت آلام والدي وتزوجته ثم أنجبت منه ذكراً آخر لم يزعج وجوده مركز الأبن الأكبر في العائلة ولم يخفف أو يغيربزوجة أبي التي عاملتني كأبنها ونحن باقيان على أتصال دائم إذ نتبادل الزيارات على الأقل مره كل سنة.
-والآن بعد وفاة جوزيبو يريدان أن يلعبا دوراً مكملاً في حياة جوزف.
أخرجت هذه الكلمات بصوت لا معنى له فصفعها غضبه كالسوط
-هل أنت أنانية إلى درجة أن تفشلي في فهم ما يعني جوزف لهما؟
-أنا أفهم ما يعنيه لي...ليت أنيتا لم تراسل جوزيبو بأبنها.
-لا تلومي الوقائع بأماني لا أساس لها فالرسائل إثبات دامغ...حذار أن تشكي في هذا لحظة واحدة.
صاحت به:
-وماذا لو أصررت على لعب دور الأم!
-هل أنت على استعداد لتسوية الوضع؟
-تسوية؟وهل أنت مستعد للتسوية؟لماذا علي أنا التخلي عن السعادة في زواج أختاره بنفسي؟
ضاقت عيناه وهو يسألها:
-هل هناك شيء ما في زوايا الإنتظار آنسة أليستون؟هل هناك شخص يملك من الغباء ما يجعله يظن أن بإستطاعته غزو روحك المتمردة؟والفوز بها؟
-ومالذي يجعلك تظن ان باستطاعتك الفوز؟
لمعت عيناه بالمزاح ثم راحت عيناه تحدجان مفاتنها حتى تضرجت وجنتاها خجلاًَ.
-لي من الخبرة مع النساء ما يجعلني أعرف أنك تقاومين أية سيطرة قد يفرضها عليك رجل وترفضين في الوقت ذاته الإعتراف بمتطالباتك العاطفية.
عادت عيناه تطوفان على وجهها حتى استقرتا أخيراً على عينيها فأحست بشعور يتعدى الإثاره يغزو أغوار نفسها ويسري في جسمها كله سريان النار في الهشيم ومع ذلك صاحت:
-لن تكون أنت بالطبع ذاك الرجل الذي قد يقتحم حياتي سيد كوريزيو!
-أكد لي أحد أكبر الأدمغة القانونية في البلد أن طلب التبني الذي سأطلبه ناجح وما سعيت إلى المشاورات التي جرت في مكتب محاميك إلا لأنني شعرت بأنني مرتبط أخلاقياً بتقديمي شخصياً وقائع حادث شقيقي ومونه أما الطريقة الوحيدة لمستقبل جوزف...فمشاركتي المستقبل بالزواج بي.
-أنت تهددني وهذا نوع من الإبتزاز العاطفي لقد حاولت شرائي ها أنت الآن تحاول عرض زواج يناسبك فقط؟أذهب إلى الجحيم سيد كوريزيو!
شحن جو الغرفة شحنات قوية حتى توقعت إليان أن ينفجر مشعلاً لهيباً قال لها ببرود:
-فكري ملياً قبل أن تحرقي الجسور القائمة بيننا.
-أخرج من منزلي فوراً!
وتحركت بسرعة من الغرفة و في البهو مدت يدها لتفتح الباب ولكنها شهقت بصوت مرتفع حينما أمسك أرماندو كتفيهاوأدارها إليه بكل سهولة قائلا:
-تغريني نفسي بتلقينك درساً تستحقينه!
وكان غضبه ظاهراًلا أمل لها برده وضعت إليان يديها على صدره تحاول دفعه عنها و لكنه ضمها إليه بقوة حتى عجزت عن الدفاع خاصة وأن مشاعرها اندفعت عنيفة في روحها وكما أمسك بها فجأة تركها فارتدت إلى الخلف لتلتصق بالجدار مرهقة
وعيناها تقدحان كرهاً صامتاً في تلك اللحظة بالذات انطلقت صرخة مدوية من غرفة النوم فاندفعت إليان معمية القلب إلى غرفة الطفل، انحنت فوق المهد فحملت الجسد الصغير بين ذراعيها تشم رائحته المنعشة وتشعر بنعومة بشرته الحريريه على خدها
فجأة تحولت صرخاته إلى فوق فطفرت دموع حمقاء من عينيهاورفرت بعينيها بسرعة لتمنع تدفقها ولكن جهودها ذهبت سدى إذ انسابت الدموع شاقة طريقها على وجنتيها
كانت الحياة هذا الصباح بسيطة فإذا بأرماندو كوريزيو خلال اثنتي عشر ساعة يقلبها رأساً على عقب التفتت بعدما شعرت بمن تفكر فيه في غرفة الطفل همست له بألم:
-ايها النذل!اليس لديك أي تردد؟
-ليس لدي أي منها فيما يتعلق بجوزف.
-إن ما تقترحه لإبتزاز عاطفي اللعنة عليك!
وظهر صوتها يخنقه الغضب ولكن صراخ جوزف جعلها تهدأ إذ راحت تهدهد جسده الصغيرقال أرماندو كوريزيو بقسوة:
-ما أقترحه أبوان ومنزل واستقرار لجوزف.
-وأين الإستقرار مع شخصين ليس بينهما إعجاب حتى؟
أفّ له! من يظن نفسه بحق الله؟هزت رعدة باردة جسدها النحيل لأنه يعرف تماماً قدر نفسه وقدرته تابع وكأنها لم تقل شيئاً:
-البدائل محددة..والخيار لك وحدك أمامك مهلة حتى مساء الغد لأحصل على ردك.
أحست به يتجاوز ليفتح الباب ثم سمعت تكتكة قفل الباب النهائية وداهمها شعور بالخوف لإدراكها مدى سيطرته عليها

-في قلب الهاوية
وقفت اليان حيث هي فترة بدت لها دهرا قبل ان تضع جوزف في مهده ثم تحركت ببطء الى مقدمة المنزل لتوصد الباب بإحكام بعد ذلك توجهت الى غرفتها حيث خلعت ملابسها واندست في الفراش قلقة، اللعنة اللعنة عليه اخذت تشتم وكأنها تنتقم فلا يحق لأرماندو ان يضعها في وضع محرج كهذاكانت تشعر للمرة الاولى بأن الشك يلتهمهاوانها قلقة الى حد عجزت معه عن الاسترخاء، طغت التصورات على مخيلتها حيث كان كل تصور اكثر ايلاما من السابق فأغمضت عينيها بقوة لئلا ترى الحقيقة المرة
فإن نجح ارماندو في دعواه ابعد جوزف الاف الكيلومترات وسيكون عليها حتى ان ترى جوزف الاعتماد على كرم ارماندو كوريزيو ،وسيكون تدبير امر رحلة لرؤية جوزف مرتين او اكثر في السنة صعبا عليهامعارضا مصلحة اعمالها
بعثت هذه الفكرة الدموع الى عينيها يستطيع الابوان المطلقان المنفصلان المشاركة في حضانة اطفالهما
ولكن حتى تكون مطلقة لابد من الزواج اولا ربمالاهذا امر مستحيل!ام هو عكس ذلك؟وحتام سيستمر هذا الزواج؟سنة؟
بالتأكيد لن يستمر مدة طويلة تسارعت الافكار في رأسها
بعد اجراء عملية حسابية صغيرة اغشت عيناها والتوى ثغرها الممتليء حين يتصل ارماندو بها غداستصيبه الدهشة لأنه سيكتشف انها قررت الاذعان له فخسارة سنه او سنتين من عمرها لن تكون ثمنا غاليا تدفعه للاحتفاظ بجوزف
نامت للمرة الاولى منذ جنازة انيتا ملء اجفانهالا يؤرقها هم
في الصباح استيقظت نشيطة تتوق البدء بيوم جديد في هذا اليوم كان او ما فعلته هو الاتصال بالمحامي لتسأل عما اذا كان هذا الزواج يقرر مصير التبني رسميا ام لا فعبر المحامي عن فرحته كانت ميراي الموظفة في المكتب اكثر من مسرورة للترقية التي نالتهافقد ابلغتها اليان ان مكتب الديكور الهندسي هو الان تحت مسؤوليتها المباشرة و ما ان حل بعد الظهر حتى احست اليان بالراحةوقد تأكدت ان كل شيء يسير على ما يرام في المساء رن جرس الهاتف مرتين ولكن لم يكن المتحدث ارماندو
فغشيت عينيها سحابة من الريبةفماذا ان امتنع عن الاتصال؟ولكنها انتفضت عندما رن جرس الهاتف بالحاح فأسرعت تلتقطه
-اليان؟
لا تخطئ ابدا هذه النبرة الخفيفةولكن استخدامه لاسمها بحرية وبلا تكلف ادخل الى قلبها بعض الهواجس ثم تابع كلامه:
-هل توصلت الى قرار؟
انه دون ريب ممن لا يؤمن بأن من المجدي تضييع الكلمات سدىشعرت بالغضب يعكر مزاجهاوصاح بها صوت داخلي صغير(احذري!فليس من مصلحتك كشف اوراقك كلها)اجابته:
-نعم.
اعقب اجابتها القصيرة صمت مطبق وكانه ينتظر منها ان تكمل كلامهاوعندما لم تفعل سألها بسخرية:
-هل يجب ان انتزع الرد منك كمن ينتزع الدم من الحجر؟
لولا مصلحة جوزف لأغلقت السماعة في وجهه دون اسف ولكنها قالت بخشونة:
-لقد درست طلبك وقررت القبول.
قال لها دون مقدمات:
-سيصل والداي من روما في بداية الاسبوع المقبل وهما دون شك في شوق لرؤية جوزف وحتى يتم لهما ذلك عليك التوجه الى نيوفوندلاند يوم الجمعة.
-لن اكون مستعده في مثل هذا الوقت القصير.
-هناك عمال متخصصون في توضيب الاثاث سيقومون بكل ما يتطلبه منزلك بشكل مرضي فيما يتم شحن ما تحتاجين اليه الى نيوفوندلاند و ما تبقى يوضع في المستودع اما هذا المنزل فيودع في عهدة وكيل وكذلك الحال بالنسبة لمكتبك واقترح عليك ان تبلغي المحامي ان يحضر تفويضا رسميا لتوقعي عليه ليتولى الامور القانونية في غيابك ليس عليك لإتمام هذا الا بضع مخابرات وترضي دائرة الخدمات العائليةعلينا اجراء مراسيم زواج مدني هنا يوم الخميس اذا امكن اما الوثائق المتعلقة بتبني جوزف فيمكننا توقيعها حتى تصبح قانونيةوهذا سيحررنا من أي تعقيدات عند نقله خارج بريطانيا.
سحبت اليان نفسا بصعوبة:
-يا الله!انت لا تؤمن ابدا بتضييع الوقت!
-سأدون لك رقم هاتف تتصلين بي اعتمادا عليه هل من اسئلة؟"
فردت عليه بسخرية:
-عشر اسئلة على الاقل.
-يمكنك الانتظار حتى موعد العشاء مساء الغد.
-امام ما علي فعله لن اجد وقتا للعشاء حتى؟
-سأصطحبك في الساعه الـسادسة
سمعت صوت اقفال سماعة الهاتف فأحست برغبة في صراخ عنيف ولكن ماذا توقعت؟حديثا قصيرا؟
في المساء التالي قبل السادسة بـخمس دقائق تاكدت من بعض التفاصيل النهائية مع المربيةثم طبعت قبلة سريعة على جبين جوزف وتوجهت نحو غرفة الجلوس وهي تشعر بتصاعد التوتر في معدتها ،الآن وقد اصبح لزاما عليها ان تراه ثانية بدأت تتساءل عما اذا كانت مجنونة لأنها تريد التلاعب مع رجل بقياس ارماندو كوريزيو انه بلا شك ياكل الفتيات الصغيرات وقت الفطور و لكنها ليست فتاة صغيرة ساذجه في التاسعة عشر من عمرها الا ان خبرتها مع الرجال محدودة لا تتعدى الصداقات الافلاطونية ومع ذلك يجب عليها ان تمثل دور الخبيرة على الاقل حتى تضع خاتمه في اصبعها وبعد ذلك سوف تضع القواعد التي سيقوم عليها الزواج ،عندما سمعت صرير باب السيارة احست بتوتر مفاجئ جعلها بحاجة الى شجاعة عظيمة ذكرتها نظرة واحدة الى وجهه الجذاب بما تحس به من انجذاب تجاه هذا الرجل تراجعت قليلا لتسمح له بالدخول وهي تقول بادب:
-اهلا سيد كوريزيو.
قال لها بسخرية مستترة:
-تستطيعين بالتأكيد اجبار نفسك على مناداتي بأرماندو؟
وهزت رأسها برفض سريع...اثبتي...الغضب لن يوصلك الى شيء فكان ان اختارت معارضة اخف درجة:
-اذا كنت تصر على هذا فلا بأس رجاء ادخل اترغب في شراب ما
-اذا كنت لا تريدين شيئا اقترح الذهاب فورا لقد حجزت طاولة للساعه السادسة و النصف.
تقدمته دون ان تتفوه بكلمة الى السيارة ثم تركته يسبقها ليفتح لها الباب عندما احتل مقعد القيادة احست بقربه منها
-اين سنتناول العشاء؟
لم يكن السؤال مبتكرا او جديداانما قول أي شيء خير من الصمت
-في الفندق الذي انزل فيه.
التفتت اليه بدهشة:
-كان يمكنني ملاقاتك فيه.
اجابها ساخرا:
-لتحافظي على استقلالية الاناث؟
-ساعود الى المنزل بالتاكسي اذاً.
-هذا مستحيل!
واحست برغبة الى صفعة على عناده ولكنها قالت له بنعومة:
-هل يطعن هذا غرورك الرجولي المتعصب.
سمعت ضحكته الخافته قبل ان يقول:
-لاابداولكنني لن اسمح لخطيبتي ولزوجة المستقبل بذلك.
اغمضت عينيها بقوةثم فتحت ببطء بعد عدة ثوان اذ كان هذا هو الدفاع الوحيد الذي لديها لإخفاء الغضب الذي احست به عليه.
وجدت اليان الفندق مألوفا وكذلك الحال بالنسبة للمطعم عندما جلسا في الداخل تركت له حرية الخيار ليطلب ما يشاء من وبعدما سألها عن طلباتها تحاور مع الساقي قبل ان يثبت الطلبات ثم استوى في كرسيه الى الخلف وراح يحدجها بنظراته بامعان.
-الا يثيرك الفضول لمعرفة ما هي الترتيبات التي اتخذتها؟
-ليس لدي ادنى شك في الكشف عنها قريبا.
-لدينا موعد مع مكتب التسجيل يوم الخميس في الساعه الـحادية عشر تعقبه استشارة تقومين بها مع محاميك في الـثانية وفي الـثالثة علينا تقديم انفسنا الى دائرة الخدمات العائلية ويوم الجمعة سنستقل الطائرة الاخيرة الى نيوفونلاند ،فداحة ما كانت على وشك الاقدام عليه ظهرت لها جلية وجسيمة قال ارماندو بصوت ناعم منخفض وخطير:
-هذا ليس وقت اعادة التفكير فسبب زواجنا واضح ومقبول.
-وهل من المفترض ان اجثو على ركبتي واقبل قدميك عرفانا بالجميل؟
كان صوتها كالجليد وكان في عينيه قسوة تبعث القشعريرة حذرها بطريقة خطرة
-احذري اصر على ان نحافظ على الادب في وجود الآخرين اما عندما نكون على انفراد فلك ان تقاتليني ما وسعك ذلك.
اجابته بغضب:
-على انفراد قد اصيبك ربما باضرار جسدية!
-لا تتوقعي مني عندئذ الا ارد عليك.
-ان اقدمت على عمل قبيح ارفع عليك دعوى اتهمك فيها بالاهانه والاعتداء.
تحول لون عينيه الى لون بحر تعصف به الرياح:
-لم المح الى الاعتداء الجسدي.
عندما سمعت قوله اتسعت عيناها كبحيرة ماء فقاومت بعنف لئلا ينفجر غضبها:
-كلمة اعتداء كلمة بشعه امعنوية كانت ام جسدية.
-ربما اذا علي ان انصحك ان تلجمي اعصابك دائما
ردت عليه بمرارةوهي متاكدة من كونها على وشك ان تصبح ضحية جنون مؤقت:
- كنت مجنونة عندما وافقت على أي اتحاد معك!
قال ارماندو ساخرا:
-جوزف هو صلة الوصل بيننا
صاحت وهي تسمع صوت التنصل من المسؤولية:
-ليس امامي خيار اللعنة عليك!
-لقد عرضت عليك فرصة تخولك القيام بدور الام له
-المشكلة الوحيدة امامي انك تشكل جزءا من هذا الآمر!
-اوه...قد لا يكون الامر بهذا السوءفأنا اعيش في منزل جميل هو وسيلتي لاظهار خبرتي في عالم البناءواتمتع بصحبةالاصدقاء واسلي نفسي دوماان جزيرة نيوقونلاند التي اقطن فيها بعيدة عن الملل لذا سجدين فيها التسلية التي تطلبها نفسك
سألته:
-متى ستخبر ذويك بزواجنا؟
-لقد اخبرتهما وقد سرهما اتخاذنا هذا الحل المنطقي
-وهل ستطول زيارتهما؟
-وهل هذا استجواب عن الوقت اليان؟ام فضول؟
-انه سؤال تقليدي ربما علي ان اخلد الى الصمت
لو كانا وحدهما لرمت محتويات كوبها في وجهه سألها بسخرية:
-أهو اذعان ظاهري؟اتعلمين انا لا اتصورك تذعنين بسهولة
اجابته ببرود واختصار عندما كان الساقي يحمل الطلبات:
-لا!
وبعد ابتعاد الساقي قال لها مقترحا:
-هلا اجبرت نفسك لتخبرني كم من التقدم احرزت في تحضير نفسك؟
قابلت اليان نظراته بكراهية لم تخفها:
-لقد تم تدبير امر كل شيءمكتب الديكور وايجار المنزل ولم يتبق امامي الا حزم امتعتي.
-وشراء ثوب الزفاف.
-ابيض تقليدي؟
-هل لديك مانع؟
احست برغبة جامحة الى الصراخ نعم لدي الف اعتراض ولكنها اجابت ببرود:
-لن يتطلب احتفال مدني مبالغة كهذه.
-هذا يسليني.
-لن افعل!سأكتفي ببذلة كلاسيكية سوداء أو حمراء او أي شيء يفي بالغرض.
اجابها برقة خادعة:
-وهل هذا احتجاج؟انت تختارين بذلك تسجيل ما قد يثير تساءلات ولدنا بعد عشر او خمسة عشر عاما!"
انفجرت شفتاها لتقول انها بعد عشر سنوات لن تكون زوجته بل في الواقع ستكون السنتان فترة طويلة تقضيها معه!الا ان صوتا لم يصدر عنها بل لاذت الى الصمت ثم قالت بعد تفكير:
-سأوافق على ارتداء بذلة حريرية عاجية اللون معها بعض الاكسسوارات.
-عظيم ولكن ليس هذا ما في ذهني تماما.
-حسناوهل قررت ان ترتب المهزلة بأذيال طويلة وربطة عنق حريرية انيقة؟
-اتميلين عادة الى المشاكسةام تقصدين بعملك هذا تكديري؟
-اوه كلاهما فلست حمامة وديعة
اتسعت ابتسامته المتراخية:
-ان اكثر الطيور توحشا تدرب ليتمتع بأسرها.
تصاعد الغضب الى السطح جالبا معه لونه الاحمر الى وجنتيها مما اظهر الحدة على قسماتها:
-هذه بالضبط الملاحظات المثيرة التي اتوقعها منك!اذا كنت قد انهيت قهوتك افضل العودة.
-باكرا هكذا اليان؟أليس لديك رغبة في السهر في ناد ليلي؟
-وما الفائدة ما دمنا على طرفي نقيض؟
توجت ملاحظاتها بابتسامة زائفةخدعت الساقي ولكنها لم تخدع ارماندوفقال لها:
-ولكن لو عدنا باكرا لبددنا أي وهم رومانسي تولد في خاطر المربية؟
-بما ان لا رومانسية في تحالفنا فلا يهمني الامر
ثم نهضت لتسبقه في الخروج من المطعم ،في السيارة جلست صامته وهي تسمع صوت حفيف الاطارات فوق الاسفلت قال لها ارماندو حينما اوقف السيارة قرب باب منزلها:
-سأقدم على تأمين سيارة مع سائقها ليقلك في العاشرة و النصف صباح الخميس ومعك رقم هاتف فندقي اذا احتجت الي
مؤدب باردعملي شعرت وكأنه يتعمد لعب لعبة خبيثة.
بمناورات منفردة مخطط لها بعنايةاجابته اليان ببرود:
-اشك في ان احتاج اليك.
ومدت يدها الى مقبض الباب ثم التقطت انفاسها وهي تراه يغادر مقعده ويدور حول السيارة ليفتح بابهاخرجت بسرعه الى خارج السيارة
وقفت جامده وهي تشكك في نواياه ثم اعدت نفسها لقرار سريع بإتجاه المنزل هذا اذا تجرأ على لمسها او عناقها مودعا,,بل ستضربه!
سحب انفاسا عميقة ثم قالت:
-تصبح على خير.
ودون ان تنظر الى الخلف توجهت الى باب المنزل حيث وضعت المفتاح في القفل ودخلت ثم اغلقت الباب خلفها بحذر في المنزل كان الدفء والنور والوداعة المعتادة حيث لا ظلال او تعرض للاخطار ،رسمت ابتسامة على وجهها وهي تقصد غرفة الجلوس وهناك حيت المربية ثم تأملت جوزف النائم وبعد ذلك اقفلت باب المنزل وتهيأت للنوم.



4- زوجة بلا مستقبل
كانت مراسم الزواج المدني مختصرة موجزةولم يكن في الحفل من مدعوين إلا المحامي الذي أضفى وجوده على إليان بعض الواقعية
التقط مصور محترف عدة صور قبل أن يعقب المراسم حفل غداء في غرفة طعام أنيقة في أحد فنادق المدينة الفخمة
كان الحديث بينهما قد اقتصر على الأشياء التافهة تنهدت إليان عندما أشار أرماندو إلى وجوب مغادرة المكان والتوجه إلى مكتب المحامي هوارد ماكدونالد
ومن ثم إلى دائرة الخدمات الإجتماعيةوما أن خرجا إلى الرصيف حتى قال:
"سنستقل سيارة أجرة
ما هي إلا دقائق حتى استدعى سيارة جلست فيها إليان صامتة ونظرها منصب على الخاتمين اللامعتين الرائعتين في يدها اليسرى
"هل أعجباك؟
التفت إلى صاحب الصوت لتنظر إليه بكل سهولة:
"إن خاتماً ذهبياً بسيطاً كان سيناسبني أكثر منهما"
"لا هذا غير صحيح"
في كلامه بعض السخرية فرسمت ابتسامة حلوة
توقف التاكسي أمام المبنى الذي يقع فيه مكتب المحامي
ثم بعد خمس عشرة دقيقة أخرى استقلا سيارة أخرى طلباً من سائقها نقلهما إلى دائرة الخدمات العائلية
وعندما عادا للظهور في شمس الشتاء الباردة كان الوقت قد تأخر
"هل نشرب شيئاً للإحتفال؟
أحست بالرضى لأن الخطوات الأولية التي تحيط بتبني جوزف قد بانت الآن في مكانها القانوني
وجدت إليان نفسها ترفع رأسها فإذا بنظرات أرماندوولكن الغريب أنها شعرت وكأن أنفاسها تكاد تنقطع أو كأنها بأمس الحاجة إلى بضع ساعات تقضيها بعيداً عن وجوده المزعج
"مازال أمامي بضعة أشياء أقوم بها فهل يمكن أن نحتفل عشاءاً؟
"سأرتب أمر نقل حقائبك وحقائب جوزف إلى الفندق وأنا واثق أن المربية لن تمانع في تغيير المكان"
"وهل هذا ضروري حقاً؟
"لغرض الإقناع فقط سنبدأ زواجنا بأن تكون تحت سقف واحد سواء في الفندق أم في منزلك فإيهما تختارين؟"
"أختر ما تريد طالما لن يشمل ذلك مشاركتك الفراش"
"وهل قلت هذا؟"
أغمضت عينيها ، ثم فتحتهما ببطء وهي تسمع الصوت الصغير نفسه
يهمس محذراً"إحذري" قالت:
"لو أجرينا مقارنة لوجدنا أن حقائبك أقل إرباكاً من حقائبي وحقائب جوزف"
صمتت تراقبة وهو يستدعي سيارة أجرة تقلهما إلى الفندق
صعدا رأساً إلى جناحه وقال لها على الفور:
"اخدمي نفسك بنفسك واختاري شراباًالبراد مليء بالمرطبات وهذا عدا الشاي والقهوة"
ودون أن ينتظر ردها التقط الهاتف ليعلن عن رغبته في ترك الفندق قالت له:
"أفضل تناول القهوة فهل ترغب فيها؟
راحت ترتشف القهوة فيما هو راح يفرغ محتويات الجوارير والخزانة ليضعها في حقيبته ثم قال:
"هل لنا أن ننصرف؟"
كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة حينما وصلا إلى الضاحية التي تسكنها
وعندما راحت ترشد أرماندو إلى إحدى غرف النوم الإضافيه شعرت بالراحة لوجود المربية
وقالت له:
"اترك حقيبتك هنا سأوضب لك السرير فيما بعد"
وارتفع رأسه قليلاً فالتقت بنظراته الساخرة اللعنةعليك!إنني أكرهك!
"سأتفقد جوزف"
ودون أن تهمس كلمة أخرى أسرعت تغادر الغرفة وهي تقول لنفسها إنها لن تعبأ به وإن لحق بها
وعلى الرغم من أنها رغبت في تغسيل وإطعام جوزف بنفسها قبل أن تضعه في مهده لينام
وهذه عادة تحبها كثيراً ولهذه الليلة معاني خاصةإذ لا يفصل بينها وبين أن يصبح جوزف لها إلا توقيعات قانونية بسيطة
اقتضى الحمام والطعام بعض الوقت ولكنها بعد نصف ساعة شعرت بأرماندو يدخل عليها مراقباً حتى قال أخيراً
"أتسمحين لي؟"
وضعت إليان بعناية فائقة جوزف بين ذراعي أرماندو
مراقبة كل حركة بعيني صقر يحضن فراخه فأطلق أرماندو سخرية لاذعة بقوله:
"لن أوقعه"
"لم أتصور أنك توقعه
تمنت إليان أن يبكي جوزف معرباً بذلك عن عدم رضاه في أن يوضع بين ذراعي غريب
ولكنه لم يفعل بل استلقى جامداً وعيناه البارقتان واسعتان سوداوان حتى يكاد يظن المرء أنه سعيد
ودهش وربما كان كذلك فعلاً فلا بد أنه أحس بالتغيير بين جسدها الغض الطري وبين جسد عمه القوي العضلات ثم قالت ببرود:
"إنه طفل جميل"
"إنه أبن أخي***إنه إبننا"
أحست برعدة باردة تشق طريقها إلى جسمها فكأن كلماته ثابتة قاطعةأو كأنه بها يصدر تحذيراًَ صامتاً
ولكن هل دار في خلده أنها قد تطلب الطلاق ومن ثم حضانة جوزف من جديد!
توقفي عن هذا التفكير!أنت خصبة الخيال فقط؟
قالت وهي تنقل نظرها إلى الطفل:
"عليه أن يأوي إلى فراشة"
فقال أرماندو مقترحاً:
"لماذا لا تغيرين ملابسك أولاً ؟فلتضعه المربية في الفراش ثم تأتين بعد ذلك لتفقده
قطبت جبينها فسارع للإيضاح"إلى العشاء"
"لست جائعة وعلي أن أوضب ملابسي"
"لن نتأخر"
" في هذه الحالة سأذهب لأحضر نفسي"
"وهل هذا إذعان مطلق يا إليان"
"بل إنه مشروط"
لمست جبين جوزف بشفتيها وقالت له:
"تصبح على خير يا حبيبي نم نوماً هنيئاً"
وما أن عادت إلى الخروج من غرفتها حتى كادت تصطدم بأرماندو
الذي سارع يقول بهدوء وهو يسير إلى جانبها نحو غرفة الجلوس"لقد نام جوزف بسرعة"
حينما وصلت إلى الغرفة طالعتها المربية بالقول:
- لقد دون أرماندو أسم وعنوان ورقم هاتف المطعم إن حدث طارئ ما أرجو أن تتمتعا بسهرتكما تأخر الوقت الذي تريدانه لأن لا مانع عندي"
كان المطعم الذي اختاره أرماندو للعشاء مكاناً حميماً فيه مطبخ ممتاز في بداية السهرة شرب نخب مستقبلهما فانزعجت إليان من هذا العمل
ومع ذلك ارتشفت قليلاً من الشراب وملأت فمها ببعض الطعام بطريقة آلية أحست بالراحة عند تقديم القهوة أخيراً ثم تنفست الصعداء عندما طلب أرماندو الفاتورة
في المنزل قالت له وذلك بعد دقيقة من خروج المربية:
"سأحضر لك الفراش ثم أنهي ترتيب ثيابي"
"لو أعطيتني الشراشف لفعلت ذلك بنفسي"
قالت له بسخرية:
"زوج مدجن ما ألطف ما أرى!هل بإمكانك الطبخ أيضا؟"
"بكل براعة كما أنني أكوي الثياب أيضاً"
"إن هذا كثير"
"ما الكثير ؟ قدراتي؟"
"بما أنني لم أختبر قدراتك لا أستطيع التعليق"
"وهل هذه دعوة لي؟"
"أنت تعلم جيداً أن هذا غير صحيح!"
وتجاوزته بسرعة متوجهة إلى الردهة:
"كان يجب أن تبقى في الفندق"
"وحدي؟"
أغمضت عينيها ثم فتحتهما في إيماءة تشير بها إلى نفاذ صبرها:منتديات xxxxx
"إذا رغبت في الإستحمام احمل معك منشفة نظيفة تصبح على خير"
ثم أسرعت تقصد غرفتها التي ما إن دخلت إليها حتى أوصدت بابها كانت تعبة حتى كادت تغفو في دقائق ولكن الأفكار راحت تجول في ذهنها وتعذبها وتؤرقها خاصة وأنها ترى أرماندو قوة مظلمة مهددة
لقد تزوجت على عجل بدافع حبها لأبن أختها
فهل ستندم في النهايةبعد الإنتقال آلاف الكيلومترات إلى الجانب المقابل من العالم حيث لأرماندو الأمر والنهي في الصباح التالي فيما هي تصعد إلى طائرة اليوينغ أحست بالقلق فالأميال التي سيقطعونها شيئاً فشيئاً من وجهتها
توقفت الطائرة بعض الوقت في محطة قبل ركوب طائرة أخرى للتوجه إلى ليوفوندلاند
في المطار لحقت بأرماندو الذي كان يحمل جوزف وكأنه أب رائع ولكن الصغير راح يبكي ويصرخ
"لقد طلبت أن ترسل لي سيارتي إلى المطارانتظريني هنا ريثما أحضرها من موقف السيارات"
وهزت رأسها بصمت وانتباهها موجه إلى الطفل الباكي الذي بدأت ساقاه الصغيرتان بالرفس بإحتجاج صاخب طلباً للطعام
حالما وصلت السيارة تحولت تستجيب له أما أرماندو فذهب ليسوي مسألة نقل الحقائب التي ما إن انتهى منها حتى استوى إلى مقعد سيارة المرسيدس الفخمة انطلاقاً للإبتعاد عن المطارقال أرماندو:
"إنه طفل مفعم قوة "
"يبدو مزاجياً متطلباً كأجداده"
"الذين لا تعرفين عنهم إلا القليل"
"أوه لا يمكن أن تقول هذا فأنا أعرف عنهم المزيد كل يوم
ثم ركزت اهتمامها على إرضاع جوزف الذي إن انتهى من وجبته حتى ربتت على ظهره ليتجشأ
ثم مددته في مهده المحمول واعتنت به حتى غرق في سبات عميق بعد ذلك راحت تبدي اهتماماً بالمناظر في الخارج
فسألها أرماندو:
"أهي زيارتك الأولى للجزيرة؟"
الفتت إليه:
"لقد رافقنا والدي يوماً عندما كنا في عطلة قبل عشر سنوات تقريباً
"إذاًستلاحظين تغييرات عديدة"
"إلى الأفضل كما آمل؟"
"هذا يتوقف على ما إذا كنت تفضلين الراحة وجو العطلة العادي أم الزيارات السياحية في المواسم"
"أظن أن على المرء أن يعترف بتقدم البلاد
وأخذ أرماندو يسرد عليها بعض الوقائع:
"لقد تلقت البلاد حفنات ضخمة من الأموال من الخارج
فنادق منتجعات ملاعب للغولف وقد نتج عن هذا التدفق ازدهار قطاع البناء من منازل ومراكز تجارية ومكاتب
"وأنت كونك صاحب شركة توريد الرخام مسرور من ازدهار الأعمال"
نظر إليها بسرعة بإمعان:
"لشركتي تاريخ طويل في دورة البناء والإعمار والغبي وحده من يفشل في مواكبة الواقع أو في التخطيط"
فيما كانت المرسيدس تتجه إلى خط الطريق الخارجي متجاوزة السيارات الباقية
ظهرت ملامح تلال بعيدة فتابع أرماندو قوله:
"في جزيرة نيوفولاند جسور تربط الجزر المتطورة السكنية ببعضها بعضاً"
"وهل فيها أماكن محروسة يستطيع فيها الأثرياء والمشاهير الهبوط بطائراتهم؟"
"نعم هناك أماكن كهذه"
وساد الصمت من جديدفراحت تفكر في بلادها ومنزلها اللذين يبعدان آلاف الكيلومترات عنها لقد تم زواجها لغايات مشتركة ولقناعات متبادلة فلماذا تشعر إذن وكأنها ( رفاض) مشدود؟قال أرماندو أخيراً:
"لقد اقتربنا"
بعد دقائق تبعته إليان إلى باحة مدخل ضخمة تبرز أمام سقف زجاجي مقوس تتدلى منه ثريا ضخمة ترسل أضواء ساطعة صافيه تنعكس على جدران ببضاءوسجاد عاجية وفي الوسط درجان عريضان يقضيان إلى طابق علوي
وعلى الجانبين لوحات زيتية رائعه معلقة بعناية وفي غرفة الجلوس أثاث أثري رائع قال لها أرماندو وهو يدخل الحقائب:
"أقترح عليك أن تضعي جوزف في جناحه"
أتخذ ممراً على يسارها فتعقبته إليان ثم قال:
"للجناح الرئيسي غرفة جلوس خاصة تطل على القناة
ولوح بيده مشيراً إلى باب يقع في المقابل تماما:
"وفيه حمام وإلى اليسار غرفة ملابس فيها خزانتين كبيرتين مثبتتين في الحائطوهناك مفروشات إضافيه وسرير لك أن تستخدميه حتى...."
قدحت عيناها بشرر أزرق:
" حتى**ماذا؟"
"حتى تصبحي على أهبة الإستعداد لتشاركيني غرفتي"
أحست بغضب كادت معه ترتجف حتماً:
"وهذا ما لن يكون أبداً!
ارتفع حاجباه فوق عينين كانتا تحتجزان عينيها بنظرة تقويمية ساخرةوقال لها ببرود تبعث القشعريرة:
"عزيزتي إليان عليك في سبيل زواج متكامل مشاركتي غرفة نومي"
"في مثل هذا المنزل الضخم هناك غرف نوم أخرى سأختار منها واحدة"
"هناك العديدولكنك لن تقيمي إلا في غرفتي"
ارتفع ذقنها كبرياء وتحدياً:
"أقسم أني لن أقيم فيها"
"ستقعين في النهاية نائمةوعندما يحدث أن تقعي أنقلك بكل بساطة إليها
صاحت به :
"إيها الشيطان الأخرس لن يكون لك ذلك"
"وكيف ستمنعينني؟"
وخفق قلب إليان بألم ثم أحست بتوقف قلبهافلم يكن هناك إلا فتحه واسعة تفصل غرفة الجلوس عن غرفة النوم التي ليس بين الغرفتين باب يؤمن الخلوة
اندفعت تقول:
"أنت خالِ من الشعور والإحساس
لم تستطع من شدة الغضب إتمام كلامها فقد فقدت النطق ولم تقدر إلا على قول كلمة واحدة"متوحش"
لمع بريق في إعماق عينيه عاد فأخفاه بنجاح:
"أقترح عليك حمل جوزف إلى مهده قبل أن يتشوش تفكيره ويرتبك من شدة الغضب البادي عليك سأتوجه إلى المطبخ لأعد بعض القهوة
تملكتها رغبة شديدة في قذفه على ظهره ولكنها عجزت عن ذلك بسبب الطفل الذي بين ذراعيها
وضعت الطفل في المهد ثم غطته بلطف ولكنها تريثت بعض الوقت حتى غفا
وبعد ذلك عادت إلى غرفة النوم ومنها إلى الحمام الفاخر
كان عليها أن تعقم زجاجات الحليب وتهيئها توقعاً لإستيقاظ الرضيع في الليل
كما كان عليها تحضير حقائبها الضرورية فكان أن خرجت بحثاً عن المطبخ
كان المطبخ واسعاً فخماًمجهزاً بأحدث المعدات الإلكترونية التي لو رأتها في ظروف طبيعية لعبرت عن سعادتها
قال لها أرماندو وهو يضيف السكر إلى القهوة التي أعدها:
"ستجدين ما تحتاجينه في الخزانة
"شكراً لك
فقال لها وكأنه يقر أمراً واقعاً:
"ثمة زوجان يقومان يومياً بالمحافظة على نظافة المنزل وما يحيط به وقد اعتدت الإستعانة بموسسة تزودني بالطعام اللازم عندما أقيم الحفلات"
"إن من يملك هذا النظام الرائع في حياته لن يحتاج إلى زوجة أبداً "
قال لها بخشونة:
"لا تعبسي هكذا يا إليان"
"أنا لست عابسة!أنا بكل بساطة غاضبة جدا ولا أرغب في محادثتك"
وضعت بحركات متوترة وجبة الرضاعة التي حضرتها في البراد
فقال لها أرماندو بصلابة لا تلين:
"ستبقى ترتيبات غرفة نومك على حالها"
"لن أرضى أبداً مشاركتك الغرفة التي تأوي إليها"
لاحت إبتسامة طفيفة على طرفي فمه وعلت وجهه نظرة ساخرة:
"لماذا لا تتناولين بعض القهوة؟"
"أفضل شرب الماء"
فهز كتفيه غير مكترث ثم احتسى ما في كوبه وقال:
"سأكون في الخارج غداً لأن علي تفقد مسار العمل في مواقع عديدة لقد دونت أسم ورقم هاتف مربية أطفال مشهورة اتصلي بها إن أردت الخروج سأترك لك مفاتيح المنزل والسيارة إضافة إلى بعض المال "
"لدي مالي الخاص"
"إعتبري المبلغ يلفة على حساب مصروف المنزل لا تجادلي!
ودون أن ترد استدارت لتملأ كوب ماء بارداوبعد ذلك خرجت من المطبخ شامخة الرأس تعبة إلى حد لا يصدق
"سآوي إلى فراشي"
"سأريك قبل أن تذهبي الطريقة التي يعمل بها نظام الأمان في المنزل "
بعد خمس دقائق توجهت إلى الجناح الرئيسي وجسمها يرتجف غضباً
ما إن وصلت إلى غرفة الجلوس واندست في السرير حتى أغمضت عينيها وهي تصم أذنيها عن صوت المياه الجارية في الحمام المجاور وما زادها انزعاجاً أنها عجزت عن النوم حتى بعد أن أطفأ أرماندو أضواء غرفته
غرقت دون ريب في النوم لأنها استيقظت بحدة تشعر بالغربة والضياع فرقدت جامدة تفكر في ما أيقظها
"ربما هو جوزف؟ربما تشعر بالإنزعاج بعد هذا السفر الطويل خرجت من سريرها قلقة وسارت بصمت إلى مهده
حينما حدقت عيناه الواسعتان إليها دون أن ترمشا هزت إليان رأسها مبتسمة
ثم غيرت له ودثرته جيداً ولكنه راح يبكي ويبكي حتى غدا بكاؤه عويلاً
حملته متمته له بنعومة
"مشاكل؟"
التفتت دهشة إلى مصدر الصور فإذا أرماندو على مقربة منها:
"أنه قلق لأنه خسر وجبة طعامة الأخيرة ويبدو أن السفر أزعجه
"أعطني إياه ريثما تسخنين له المرضعة"
"أستطيع حمله بسهولة إلى المطبخ فلا تزعج نفسك"
"إذهبي وسخني المرضعة يا إليان"
ثم حمل جوزف بهدوءفلما حاولت مناقشته عاد الطفل للبكاء بحدة فتركته وتوجهت إلى المطبخ تتعثر في سيرهاأخرجت أنبوب الماء مياهاً حارة تغلي فسحبت يدها من تحت المياة
الساخنة وعضت على شفتها متجاهلة الألم ثم راحت تسخن المرضعة
التي حضرتها سابقاً وبعد ذلك قفلت راجعة إلى غرفة النوم
كان أرماندو يجلس على حافة السرير يهز الطفل فشعرت بغيرة لأن الطفل كان مستلماً له
أرادت أن تنتزع جوزف منه وأن تخرج من الغرفة التي تضم السرير الضخم والرجل الديناميكي الذي بدأ مسيطراً على كل شيء دون جهد
قالت بثبات:
"سآخذه الآن "
لمست يداها يديه فأرسلت اللمسة شحنة كهربائية في أوصالها فكرت في أن السبب هو الكراهية دون شك
ثم راحت تهتم بحاجات جوزف حتى أوشك على الإغفاء
فاطمأن قلبها خاصة وأنها غداً ستكون وحيدة مع الطفل دون أرماندو
الذي يبعث وجوده إليها الإزعاج وستسعى عندئذ إلى استكشاف المنزل والسياحة ولكن ستبقى هناك مشكلة لن تحل بسهولة ألا وهي التكيف مع زوج لا تحتـــاج إليـــه أو تـريده

5-نار وجليد
لم تشعر اليان بوخز ضمير عندما كانت تتابع العناية بجوزف واذا كان ارماندو يصر على ان تشغل والطفل الجناح الرئيسي فلتلق القلق وعدم الراحة في ساعات متقدمة من الليل حينما يستيقظ الصغير طالبا طعامه
عندما خرجت من الحمام باكرا كان ارماندوو على وسك الخروج من سريره فأشاحت وجهها عنه
- صباح الخير
وضعها الصباحي في حال تأهب فوري فاشتعلت عيناها قبل ان تتجه الى غرفة الجلوس رافضة الرد
افٌّ له!راحت ترتب السرير وهي تشتمه وتلعنه
عندما دخلت الى المطبخ بعد 5 دقائق كان ارماندو قد سبقها اليه فحملت كوبا سكبت فيه القهوة الطازجة متجاهلة ان ارماندو على وشك ان يكسر بيضة في المقلاة قال لها:
- اترغبين في الفطور؟
قابلت نظرته القاتمة برباطة جأش واجابت:
- لم تكد تبلغ الساعه الـ 6 سأتناول شيئا فيما بعد
كان على الطاولة جريدة صباحية حملتها وراحت تقرأ عناوينها فقال لها ارماندو:
- هناك جهاز الكتروني موصول بنظام انتركوم داخلي شغليه للتأكد من سماعك صوت جوزف في أي غرفة كنت فيها
ولم تستطع الا ان تقول بمرارة:
- لقد كنت واثقا من نجاحك اذ احضرت المفروشات الولادية والالعاب قبل ذهابك الى لندن
نقل ببراعة محتويات المقلاة الى الصحن ثم حمل قطعة خبز الى الطاولة صامتا صمتا اثار غضبها وجعلها ترغب في اشعال حريق كلامي فقالت:
- ألن تعلق؟
رفع نظره اليها فكادت نظرته القاسية تميتها:
- ولماذا الخوض في خيالات لا طعم لها؟
- اتمنى انها خيالات زائفة؟
- اتميلين عادة الى الجدال في الصباح الباكر؟ام انها طريقة لاختبار طباعي؟
لم يكن هناك من شك ان له طباعا سيئة فلعنت نفسها على غبائها وتجرئها على اثارة غضبه ولكن ذلك لم يمنعها من الاستمرار في اثارته:
- الست معتادا على النساء اللاتي يتجرأن على مناقشتك ونقدك؟اعتقد انك معتاد على الفئة التي لاتعرف الاعتراض بل الموافقة والاذعان حتى درجة الملل
- هذا تعميم شامل علما انك تجهلين هوية صديقاتي
- اوه** انا واثقة ان هناك عددا كبيرا من الجميلات اللاتي هن على اهبة الاستعداد للتخلي عن الغالي والرخيص في سبيل ايماءة اهتمام منك اتسائل كيف تلقين خبر زواجك المفاجئ الذي صحبه تبني طفل؟
- لا افسر عادة تصرفاتي او قرارتي مفاتيح سيارة المرسيدس على الطاولة الصغيرة قرب سريري تمتعي بيومك
ثم هب واقفا باختيال فقالت له ساخرة:
- شكرا لك
سمعت صوت الباب يقفل ثم صوت دوران محرك فتحرك السيارة التي ابتعدت تاركة خلفها الصمت
فجأة اصبح النهار كله امامها او على الاقل 3 ساعات قبل ان يستيقظ جوزف
فأنهت قهوتها بسرعه واتجهت الى البهو الخارجي للاستكشاف ومنه الى درج يؤدي الى غرف النوم الـ4 والحمامات والى جناح الضيوف
وهي جميعها مفروشة بأثاث جميل ذي ذوق رائع
ثم عادت الى المطبخ فأكتشفت درجا آخر يقود الى غرفة غير رسمية والى غرفة بلياردو وغرفة ألعاب رياضية وغرفة بخار
ثم ما لبثت ان انتقلت الى باحة خارجية فيها مسبح
بعد هذه الجولة بقي امامها الوقت الكافي لتنظف الصحون قبل استيقاظ جوزف ثم بعد انتهائها من التنظيف توجهت وكلها عزم الى غرفة الجلوس في الجناح الرئيسي
فاخرجت منها حقائبها بهدوء فستكون ملعونه لو قبلت بهدوء ان تشارك ارماندو الجناح نفسه!
امضت بعض الوقت تنقل اغراضها واغراض الطفل الى جناح اخر ثم بدات بتحضير وجبة العشاء كانت الساعة تقارب الـ6 عندما سمعت صوت ارماندو يعود
بدأت معدتها تتقلص حالما دخل الى المطبخ وهو يقول:
- لم اتوقع مثل هذه الرعاية الزوجية المفرطة!
- وهل هناك ما يمنع من تحضير وجبة طعام؟
- بالطبع لا
- توقف اذا عن معاملتي وكانني فتاة ساذجة
- وكيف تريدين ان اعاملك؟
- مع قليل من الاحترام لمشاعري
من غير المجدي تجاهل ما فعلته فسيكتشف في غضون دقائق غياب جوزف من غرفته اخذت نفسا عميقا ثم زفرت ببطء وقالت:
- لقد نقلت اغراضي الى غرفة في الطابق العلوي
فقال بنعومة خطيرة:
- اقترح عليك اعادة ما نقلته الى حيث كان البارحة
- لا,,لن اسمح لك بلعب دور القط والفأر معي وارفض ان تملي علي شروط مبيتي
- وهل هذا ما افعله؟
- اجل!اسمع لن تكرهني على القيام بشيء لتثبت سيطرتك الرجولية
- وكانك خائفة يا عزيزتي اليان هل انت خائفة؟
اشتعل الغضب فيها:
- وهل تظهر علي سيماء الخوف؟
- ربما عليك ان تخافي لأنني لا اطيق الاغبياء
- ماذا تعني بكلامك هذا؟
دوى في هذه اللحظة بالذات صراخ مرتفع من الهاتف الداخلي فصرخت اليان:
- لقد حان وقت ارضاعه
- سأحضره الى هنا ريثما تحضرين المرضعه
عندما تناول ارماندو منها المرضعه بعد دقائق معدودة بدا طبيعيا وهو يطعم جوزف احتجت اليان:
- يجب ان اغير له اولا
نظر اليها ساخرا:
- لقد غيرت له
ولم يعد امامها ماتفعله الا صب انتباهها الى اوعية مختلفة موضوعة فوق النار
بعد فترة اعادت جوزف الى سريره فيما قصد ارماندو الحمام ليستحم ولم ينته الا والساعه تقارب الـ8 قال معلقا وهما يجلسان الى مائدة الطعام:
- انه ممتاز
هزت اليان رأسها بشكر صامت وقالت:
- وماذا كنت ستفعل لولا تحضيري العشاء؟
حدق اليها مباشرة:
- ادبر مربيةثم نتوجه الى المطعم المعتاد
- لعلي لاارغب في الذهاب
- هذه مشاكسة اليان؟
لا تذكر انها تجادلت مع احد من قبل حتى مع انيتا في اصعب اوقاتها ولكن شيئا ما يدفعها الى المواجهة مع ارماندو وهو دافع شيطاني ظل يرقص طربا لما قد تسببه هذه المواجهة
- ألن تعلقي؟
قابلت نظراته باتزان:
- شعوري ينبئني بأن كل ما سأقول قد يستخدم ضدي
- فلتعلن الهدنة إذن!
- وهل ستدوم؟
- ربما لا ولكن لابد من ان نخطط لنوع من العرض المتمدن امام والدي
- ولماذا؟انهما يعرفان الغاية الحقيقية من هذا الزواج فإن كنت تنتظر مني مشاركتك في عرض عواطف فإنس الموضوع
تناول آخر ملعقة من صحنه ثم تريث حتى تنهي ما في طبقها ليسكب لها من جديد
- افضل ان اخدم نفسي
- ثمة عدد وافر من الاصدقاء والشركاء يتوقون الى مقابلتك لذا سأقيم حفلة السبت القادم تكون فرصة ممتازة يتعرفون فيها اليك اما امر الطعام فسأنظمه
هبت على قدميها وشرعت بتجميع الصحون فلما تقدم لمساعدتها قالت بخشونة:
- استطيع تدبير الامر بنفسي
اجابها وهو يتوجه معها الى المطبخ:
- ساغسل الصحون
- لديك الآن زوجة تهتم بهذا لماذا لا تستريح في غرفة الجلوس او تقصد مكتبتك؟
- لماذا ؟ألتوهمي نفسك بأن لاوجود لي؟
اوه انه في غاية الحداقة!اف له
- اجل!
لمعت عيناه بالسخرية:
- ما من احد يستطيع ان يعلم ان وراء هذه الواجهة الهادئة شعلة من النار
- لم يكن لدي طبع سيء حتى اقحمت نفسك في حياتي!
- اقحمت نفسي يا اليان ؟ انا لم اجبر امرأة قط على أي شيء
كانت مضامين كلامه واضحة ومقصودة فأحست اليان فجأة انها قد اكتفت من هذا كله وضعت الصحن الذي كان في يدها بكل حذر فوق المغسلةثم تجاوزته قائلة:
- مادمت تؤمن بالمساومة فأغسل الصحون سأتمشى في الخارج
- في الظلام وحدك؟
_احتاج الى بعض الهواء النقي ولكن اهم ما احتاج اليه هو التخلص منك مؤقتا
فقال بصوت حاد كسكين قادره على قطع الحرير:
- لا يا اليان!
لم تشعر الا ويدها ترتفع في الهواء تهوي بها على جانب فكه
ظنت في لحظات ذعر مجنونة انه سيرد لها الصفعة فصرخت مذعورة حينما امسك يدها وجذبها اليه كانت ستبوأ اية مقاومة تصدر عنها بالفشل الذريع
بعد عدة دقائق من المحاولات الفارغة وقفت بصمت المهزوم ثم همست:
- انت تؤلمني!
- اذا واظبت على هذه التصرفات الحمقاء فلن تنالي غير أذية نفسك
لم يكن تهديده غير ذي قيمة ومع ذلك فقد وقفت امامه ترد على نظراته متحدية
- هذا هو بالتحديد ما توقعت سماعه منك
ترك عن قصد معصميها رافعا ذراعيه الى كتفيها ليجذبها اليه اكثر فأكثر حتى عانقها بقوة شدت اليان على اسنانها وتصاعدت منها صرخة مكتومه لم تلبث ان ماتت في حنجرتها تحت ضغط ذراعيه
وبدات تقاومه وتضربه بقبضاتها حيثما استطاعت يدها اليه من سبيلا الى ذراعيه الى اضلعه
عندما تركها كادت تقع ارضا رفع رأسها بأصابعه فانخفض جفناها كنوع من الدفاع الذاتي ضد الألم والاذلال الذي كان باديا في اعماق عينيها
- اتركني ... ارجوك!"همست له"
كان عليها ان تبتعد عنه قبل ان يبرز الألم من خلف عينيها دموعا فتركها دون ان يتفوه بكلمة ثم راح يراقبها وهي تغادر المطبخ لا تلوي على شيء
عندما وصلت الى جناحها دخلت الى غرفة جوزف وبدأت تخلع ثيابها بصمت
فيما هي غارقة في التحسر على ذاتها سمعت صرير باب غرفة النوم فاشتعل الغضب محل الرعب واسرعت الى فراشها تجذب الاغطية لتستر نفسها ثم راحت تنظر الى ارماندو الطويل الواقف خلف الحاجز الزجاجي
- ماذا تحسب نفسك فاعلا؟
- ان ما سأفعله واضح
ودنا من المهد ليحمله الى خارج الغرفة ثم بعد دقائق عاد ليحمل الطفل بين ذراعيه والتفت اليها عند الباب:
- هل بإمكانك السير ام احملك الخيار لك
وخرج تاركا اياها في غضب راحت تتلظى بناره ماهو الخيار؟فلتكن ملعونه ان لحقت به الى الطابق الارضي لتنام هناك مهزومة!
صاح بها صوت صغير حمقاء حمقاء ألم يكفك ما عانيته حتى تعرضي نفسك الى المزيد؟
وفيما هي تفكر في الاذعان عاد ارماندو الذي رد على نظراتها بنظرة متحدية قبل ان يدنو من السرير لينزع عنها الغطاءثم دون ان يتفوه بكلمة انحنى فوقها وحملها
فحاولت المقاومة وقد كرهت السهولة التي حملها بها!
- انزلني***ايها الشرير!
- ترى متى تتعلمين ان لاطائل من مقاومتي
- اذا كنت تسعى الى استلام خنوع فقد اخطأت!
ياإلهي!ما اقواه!فإنه يُفشل كل محاولة تقوم بها
- انك ساذجة بل في غاية السذاجة لأنك لم تدركي حتى الان ان هناك خطرا كبيرا في الاستمرار في المقاومة
- وهل تطلب مني حقوقك الزوجية لا لشيء الا للمتعه ؟ترى كم ليلة ستخصص لي ارماندو,ليلتين,ثلاثة؟
احست بجسده يغلي غضبا فلمعت عيناها من الخوف ولكنها قالت له مرتجفة:
- حسنا خذ مبتغاك اللعنة عليك!مع انني اشك في ان تكون راضيا مع كتلة جليد لا ترغب فيك!
انزلها ببطء وكانها في شريط مصور يدور بسرعة وئيدة فوقفت امامه مسمرة عرضة لتقويم بسيط منه كانت غلالة نومها من الساتان السميك الذي يسترها تماما ولكنها تحت وطاة نظراته شعرت بها شفافةفتصاعد الدم الى وجنتيها
احست على الرغم منها بدفء غريب بدأ في مكان ما داخل كيانها وسرى ببطء حتى غمر جسدها كله مضى وقت وكانه دهر وقف فيه يتفرس بها
اما هي فظلت مسمرة في مكانها غير قادرة على ان تفهم شيئا من تعبيرات وجهه الذي راح يخفضه باتجاه وجههافشهقت!
يا الهي! ماذا فعلت؟اية دعوة قدمتها له؟بقاؤها ساكنه امامه على هذا النحو لضرب من الجنون ولكن الانسلال من بين ذراعيه برهان على خوفها من الوقوع بين براثنه
في اللحظة التي اعتقدت انها لن تقوى على تحمل أي شيء اخر شدها اليه بقوة فتوتر جسدها وانحنى الى الوراء مشدودا وكانه قوس رائع بين يدي استاذ ماهر في الرماية
خرجت آهة يائسة من حلقها ثم لم تجد الا ان كل شيء قد انتهى فوقفت وقد ابعدها على مدى ذراعيه تنظر اليه بذهول وعجز قال بنعومة وشفتاه منحنيتان بسخرية:
- كتلة جليد,,يا اليان؟
شعرت وكان صوته وعاء من الماء البارد انسكب عليها
اتسعت عيناها فعكستا الحياء والاذلال فيما راحت ذراعاها تطوفان صدرها خجلة من نفسها كارهة الحرارة التي اشعلت وجنتيها انحنى دون ان يتفوه بكلمة ثم وضع ذراعه ثانية تحت ركبتيهاوحملهاارادت ان تحتج الا ان هناك ما حال بينها وبين الكلام ثم تلاشت فيها ارادة المقاومة مع كل خطوة يخطوها فوق الدرج ليقربها من مماذا؟من امتلاكها؟
حينما اصبح في وسط الغرفة انزلهافوقفت متردده تهيئ نفسها للفرار مذعورة قال لها امرا:
- اذهبي الى الفراش
ارجعت اليان رأسها وقد شحب وجهها فقال هازئا:
- الى فراشك قبل ان اغير رأيي فأحملك الى فراشي
اطبقت ثغرها فما من قول تقوله قد يؤثر في هذا الوضع فسارت مبتعده عنه باتزان وكرامة بقدر ما اوتيت منهما
ولكن بعد فترة وجدت ان النوم هو سارب محض فقد ظلت يقظة تتساءل عما اذا كان ما فعله بدافع القسوة ام بدافع اللطف ولكنها لا تتصور ابدا ان دافعه اللطف



6-تخاف من نفسها
عندما توجه أرماندو إلى مطار غندر لأستقبال والديه
فضلت البقاء في المنزل مع جوزف مدعيه أنها بذلك ستمنحه الوقت
اللازم ليتحدثوا على سجيتهم وتمنح نفسها وقتاً لإعداد عشاء ملائم
كان رافاييل كوريزيو نسخة كبيرة السن طبق الأصل عن ولده أما زوجته فبدت جليلة ومحترمة فتساءلت إليان عما إذا كانت ستعجبهما
وليتهما يعجبان بها لأنها بأمس الحاجة إلى حليف لا إلى عدو
استنشقت نفساً عميقاً ثم زفرته ببطء قبل أن تتقدم من الباحة إلى حيث
وقفت المرأة مرتبكة مثلها افتر ثغر المرأة العجوز عن إبتسامة دافئة
- أنت إليان ما أسعدني بلقائك!
- أهلاً بك سيدة كوريزيو
- نادني روندا رجاء!
ثم اقتربت منها لتمسك بيدي إليان وأضافت:
- وهذا كوريزيو
تراجعت قليلاً لتمنح زوجها فرصة التقدم عندئذ وجدت إليان أن كل شيء سيكون على ما يرام صافحت رافاييل كوريزيو ذا اليد القوية وقد ظهرت عليها سيماء الراحة
لأن أرماندو أرسل إليها إبتسامة مطمئنة فيها دفء غير متوقع وقال لأبويه:
- سأحمل حقائبكما إلى جناح الضيوف قبل أن نشرب شيئاً
قال والده:
- سأساعدك
التفتت إليان إلى روندا
- تفضلي لنجلس فسيستيقظ جوزف قريباً
دمعت عينا العجوز:
- يا إلهي ليتك تعرفين مدى شوقي إلى رؤيته
- إنه جميل جدا
- أنت تحبينه كثيرا
كان هذا تقرير للواقع فنظرة واحدة إلى إليان تكفي
ثم أردفت العجوز بهدوء:
- وقد تخليت في سيبله عن كل شيء
وكان هذا إشارة إلى تعاطفها معها
- أرماندو هو أبن أبيه تحت مظهره تختفي ثروة من العناية أعلم أنه سيكون أباً حنوناُ و زوجاً عطوفاً يحميك
وصل الأبن وأبيه فقال أرماندو:
- لقد حان وقت الشراب رافاييل,روندا,ماذا تفضلان؟
تصورت إليان أن الأمور ستكون رسمية ولكن مناداة أرماندو والديه بإسميهما الأولين أدهشها
أجابه رافاييل وهو يجلس قرب زوجته:
- أريد شرابكم المفضل في نيوفوندلاند إنه منعش وخفيف
قالت روندا وهي تبتسم:
- أنا أنا فسأستعيض عنه بالمياه المعدنية لأنني لا أقوى على إحتساء شيء آخر
- وأنت يا إليان؟
- مياه معدنية أيضاً
- هل تفضلين الشاي أو القهوة؟
- يا عزيزتي لا شكراً لك
استيقظ جوزف بعد دقائق يتعالى بكاؤه عالياً عبر جهاز الإنتركوم فوضعت إليان الكأس من يدها ووقفت:
- سأغير له ثم أحمله إليكم إلا إذا رغبت في مرافقتي يا روندا
أجابت العجوز على الفور"سأحب هذا كثيراً"
ثم لم تلبث المرأتان أن خرجتا من غرفة الجلوس إلى الردهة وما إن وصلتا إلى غرفة جوزف حتى كان وجهه محمراً وغاضباً
تمتمت روندا بصوت خفيض بعد ما تحول صراخة إلى إبتسامة مبللة بالدموع"أوه أيها الحبيب الصغير"
- إنه محتال صغير هيا يا حبيبي إلى الطعام
رفس بقدمية بشكر صامت فضحكت روندا
- كان جوزيبو يفعل ذلك إيضاً
أحست إليان بالأسى على المرأة العجوز
- هل تريدين حمله؟ربما تحبين إطعامة بنفسك في غرفة الجلوس
أغرورقت عينا العجوز بالدموع شكراً لك"
أدمى منظر الجدين قلب إليان فحبست دمعها لئلا ينهمر من بين جفونها
كان الطفل بين أذرعها صامتاً يتأمل هذين الغريبين
بعد ساعة أعيد الطفل إلى مهده ورجعت روندا إلى غرفتها لتنعش نفسها ريثما تضع إليان اللمسات الأخيرة على وجبة العشاء
كانت قد اختارت تقديم مرق الدجاج يعقبه الدجاج المشوي مع تشكيلة من الخضار والفواكة الطازجة وبما أن ذوقها لا يستسيغ هذا الطعام أضافت الجبن والزيتون والعنب
كانت الوجبة ناجحة استطاعت من خلالها الإحساس بالراحة خاصة وأن توترها قد زال قال إرماندو لوالديه وهم يحتسون القهوة في غرفة النوم
- بعد ظهر غد سأقلكما إلى المدينة لأوصلكما إلى الشقة على أن نتعشى في المساء معاً
انتفضت إليان وأحست بعينيها تتسعان دهشة فأسرعت روندا توضح لها:
- لأرماندو شقة في قلب مدينة غندر سنسكن فيها أنا ورافاييل حتى سفرنا إلى لوس أنجلوس لنزور شقيقتي
حاولت إليان الإحتجاج ولكن روندا سارعت إلى القول:
- أجل يا عزيزتي نحن نحب أن نكون مستقلين وكما نحترم استقلاليتكما فالظروف التي أحدقت بزواجكما غير عادية تحتاجين وأرماندو إلى قضاء بعض الوقت على إنفراد
ووقفت روندا:
- والآن هل تسمحان لنا بالتوجه إلى غرفتنا طلباً للراحة
ارتجفت ابتسامتها قليلاً وهي تنقلها من زوجها إلى ابنه وتابعت:
- لقد كانت رحلة طويلة أتعبتني حقاً
ووقفت إليان وقد رق قلبها لقلق العجوز الظاهر:
- بالطبع إن كل ما قد تحتاجين إليه موجود في الجناح
- شكراً لك يا عزيزتي
بينما كان والدا أرماندو يتوجهان إلى جناحهما سارت إليان بأدب إلى جانب أرماندو الذي إلتفت إليها قائلاً:
- سأعد المزيد من القهوة أمامي ساعات من العمل في المكتبة
- بقيت كمية كبيرة منها في الغلاية سأسخنها في لحظات ثم أجلبها لك إذا أحببت
أحنى رأسه موافقاً ثم توجه إلى مكتبته وماهي إلا دقائق حتى حملت إليه فنجان يتصاعد منه البخار والرائحة
اللذيذة فنظر إليها قائلاً:
- ما رأيك بوالدي؟
- لم أكد أتعرف إليهما
- لقد أعجبتك روندافماذا عن والدي؟
- يبدو لطيفاً
- ألطف من أبنه؟
تغيرت ملامحها المؤدبة:
- أجل أشعر بك مسروراً بنفسك لأنك طاغية غير متمدن!
- وماذا تقولين تالياً؟
- أوه سأفكر في شيء آخر!
- لا شك في هذا أبداً
ارتدت على عقبيها لتخرج من الباب ،فقال :
- تصبحين على خير إليان
كاد النهار في اليوم التالي ينتصف عندما نزل رافاييل وروندا إلى الطابق الأرضي
وقد تزامن نزولهما مع عودة أرماندو إلى المنزل وبعد وجبة مريحة تولت روندا العناية بحفيدها فأطعمته ثم وضعته في المهد ليأخذ قيلولته
أثناء احتساء القهوة استطاعت إليان التعرف إلى حماتها أكثر وقد انتفتح قلبها لها فراحت تقص عليها تفاصيل حياة أنيتا
وبعد حديث مطول عرضت خلاله عليهم بعض صور أنيتا قالت بصوت هادئ:
- سأحضر لكم الشاي
وعندما أنهت التحضير وضعت كل شيء على طاولة متحركة وجرتها أمامها إلى غرفة الجلوس
وهي تفكر في براعتها في الخداع فلو كانت ممثلة لأحرزت بتمثيلها هذا التصفيق والإستحسان من النظارة
تشعب الحديث إلى مواضيع عدة وما كادت الساعة تشرف على الرابعة حتى وقف أرماندو تعبيراً عن نيته في إيصال
روندا ورافاييل إلى الشقة في المدينة
بعد مغادرتهم أعادت بسرعة ترتيب غرفة الجلوس فوضعت الفناجين في الغسالة
ثم توجهت إلى غرفة النوم لتستحم قبل أن يستيقظ جوزف
جذب صرير الباب الأمامي انتباهها فالتفتت فإذا بأرماندو يدخل إلى الغرفة
- ستصل المربية في السادسة
هزت رأسها فنظر إليها بإستغراب:
- هل هناك مشكلة في هذا؟
- لا أبداً
- إذا لماذا العبوس؟
- لا أعبس إنما أرفض أن تشرحني قطعة قطعة أمام والديك لمجرد التسلية!
ارتفع حاجباه واستعاد فمه التواء السخرية المعتاد
- إلى ماذا تشيرين بالضبط؟
- أنا لم أكن أتفرج عندما خرجت أنيتا تطلب المرح
- ولكنك حملت المسؤولية عنها وما ذلك إلا لإنك الأخت الكبرى ولو كان والداك على قيد الحياة لما وضعت على عاتقك هذه المسؤولية
- إذا كنت تشير إلى أنني فرضت نفسي عندما لعبت دور أم جوزف فأنت مخطئ
- أخبرني إذن عما كنت تفعلينه خارج أوقات عملك؟
- أنا لست مدينة لك بالتوضيح
- إذا لماذا غضبت عندما قلت إنك وضعت المسؤولية على عاتقك لأنك الكبرى؟
- لأنك بهذا تلمح إلى عدم وجود نشاط اجتماعي في حياتي وهذا غير صحيح
- لقد كنت تخرجين إذن متمتعه بصحبة الرجال؟
- أجل وماذا بعد يا أرماندوهل أعدد لك أسماء بعض الإصدقاء والصديقات القدامى؟
- وهل كان في حياتك العديد؟
- لا يحق لك أن تسأل
- ترى هل تشكين في قدرتي على إرضاء رغباتك
لقد تحولت دفة الحديث بينهما إلى ناحية خطرة فاضطربت إليان وتقلصت معدتها:
- ماذا تريد مني؟أتطلب أن أقوم بواجباتي الشرعية كزوجة؟
- عزيزتي إليان هل تعتبرين ذلك واجبا؟أرى أن تجربتك إما محدودة وإما من كنت على علاقة بهم كانوا في غاية الأنانية
تصاعد الدم إلى وجنتيها فمد يده ببطء ليجذبها إليه وألصقها به ممسكاًُ خصرها بشدة شعرت معه بالتوتر يسري في جسدها
ما أسهل الذوبان بين ذراعيه ولكن إليان تجاهلت الإنذارات التي كانت في رأسها لتحذرها مما قد يحصل ولكن بكاء الطفل تصحبه حازوقة أيقظتها من مشاعرها الدافقة
فقد كان جوزف صاحباً يطالب بوجبة طعامه
فتمتم أرماندو وهو يتركها"أمر مؤسف!"
حملت جوزف لتغير له ثم قصدت المطبخ حيث سخنت الزجاجة ثم أطعمته
إنه يستحق كل شيء حتى الزواج بأرماندو كوريزيو
فهو طفل جميل يستحق الرعاية والعناية
خلعت روبها بسرعة ثم أرتدت ثوب السهرة الحريري
بعد ذلك دست قدميها في حذاء أنيق عالي الكعبين وسرحت شعرها بسرعة ورشت كمية من عطرها المفضل في مواضع عديدة قبل أن تقف وتراقب نفسها في المرآة
تعالى رنين جرس الباب من الإنتركوم فخرج أرماندو من غرفته
- هذه ميريان إنها تلميذة حقوق كبرى أخواتها الخمس وهي إلى ذلك قديرة سأدخلها
حالما قابلتها إليان شعرت بالراحة والطمأنينة قال أرماندو لميريان المربية:
- دونت لك رقم هاتف المطعم والشقة سنعود حوالي منتصف الليل وإن كنا سنتأخر أكثر أتصل بك
بعد خمس عشر دقيقة كانا في سيارة المرسيدس التي انسابت بهما على الطريق الساحلية المؤدية إلى قلب مدينة غندر
- أين سنتعشى؟
- في الهيلتون وهو يقع على شاطىء البحر
فقالت ساخرة:
- حيث المشاهير دون شك
- لقد أحبت روندا هذا المنتجع عندما جاءت مع والدي السنة الماضية وبناء على طلبها ستتعشى هناك الليلة
وكان عليها أن تعتذر ولكن الكلمات خانتها فجلست صامتة حتى توقفت السيارة أمام مجموعة من الأبنية السكنية المطلة على المحيط
كانت الشقة أكبر مما تصورت تشرف على منظر الساحل المترامي حتى البعيد بروعة فريدة وتقبع تحت السماء المخملية اللامحدودة فبدت وكأنها واقعة في أرض الخيال السحرية
علقت روندا بهدوء:
- تبدين مذهولة يا عزيزتي
ثم تناهى إليها صوت أرماندو الساخر:
- أجل إنها دهشة
فضلت تجاهل تعليقة وقالت:
- شكراً لك
قالت روندا:
- أتفضلين إحتساء شراب ما في الشقة أم ننتظر حتى نصبح في المنتجع
- بل ننتظر قليلاً حتى نصل إلى المنتجع
ابتسمت روندا وقالت:
- يجب علينا التوجه إليه نهاراً لأن هناك على طريقة مجمع (المارينا) التجاري
قال رافاييل لإليان:
- زوجتي تعشق التبضع
ما إن وصلوا إلى مكانهم المنشود حتى اتخذوا لهم طاولة
قال أرماندو موجهاً الحديث إلى زوجته:
- لا تشعري بالحرج يا عزيزتي أطلبي ما تشائين
- أنا لا أشرب إلا المرطبات والعصير
وابتسمت روندا "وأنا أيضا"
- في هذه الحالة سندللكما معاً وقت العشاء
بعد ذلك أملى على الساقي طلباتهم ثم تراجع في كرسيه وقد بدا عليه السرور
أما إليان فقد كانت مستعدة للتخلي عن أي شيء في سبيل التخلص من توتر أعصابها
الذي جعل معدتها تتقلص ولكن من الجنون ما تشعر به من توتر بل من الجنون خوفها من هذا الرجل الجالس قبالتها على بعد ذراع
بدا واضحاً أن العجوزين مسرورين بإجتماعهم العائلي هذا وهما كما يظهر موافقان على"كنتهما "
وأحست إليان بأسف عميق على أنيتا التي لو كانت على قيد الحياة لما وجدت أفضل منهما حموين



7-البربري
كان موقع المطعم ممتازا والطعام رائعا ولكن اليان كانت قد فقدت شهيتها رغم انبعاث رائحة الحساء اللذيذة ورائحة اللحم والقريدس
بعد قليل احست بالراحة على الرغم من اهتمام ارماندو الكبير بها وشعورها حين لمست اصابعه اصابعها انه يحاول عامدا اغوائها
وبسبب هذا التحرش غير المرئي للعيان شعرت بالراحة حينما طلب رافاييل منها مرافقته الى حلبة الرقص رمقت اليان روندا بنظرة متسائلة:
- هل تمانعين؟
- بالطبع لا ياعزيزتي سأنضم اليكما انا وارماندو
وكان رافاييل متطلبا قليلا كأبنه وهو ايضا رجل فاتن صادق مهذب يراعي مشاعر الآخرين فتشعر المرأة معه بالأمان قال لها مادحا وهما يرقصان:
- انت خفيفة على الارض كالريشة ورشيقة كذلك
- انت رفيق رائع
- وانت لطيفة جدا
وهل انا لطيفة!لا لست لطيفة ابدا مع ولدك قالت له:
- هل تتمتع ورزندا بهذه العطلة؟
- يا عزيزتي لا اعرف كيف اشرح لك ما نشعر به من فرح بعد اكتشافنا ان جوزيبو قد انجب ولدا!كان جوزيبو عزيزا على قلبينا لذا بات وجود ذلك الصغير مهما جدا
تناهى اليهما فجأة صوت عميق قطع عليهما رقصتهما
- هل نتبادل الرفقة؟
احست بالاضطراب مجددا لانها فكرت في ان ذراعي زوجها تحيطانها ثانية ولكنه لم يحطها بذراعيه وحسب بل ضمها اليه ضمة قوية غير عادية حتى ودت لو تصرخ من الغيظ
قالت له بصوت منخفض وقد اغضبتها طريقة عناقه لها على حلبة الرقص:
- هل عليك ان تفعل هذا؟
-ان ارقص مع زوجتي؟
- وهل تسمي هذا رقص؟ ليتك تعرف شدة رغبتي في صفعك!
- يا الله!وماذا ستفعلين اذا عندما اطالب بحقوقي هل ستقتلينني؟
- سأحاول جاهدة ان افعل ذلك
اودت عيناه وقد زال منهما المزاح:
- نعم**نعم انت تتمنين قتلي!
- هلاّ رجعنا الى الطاولة؟
وابتعدت عنه في محاولة يائسة للتخلص من قبضته الحميمة فقال لها:
- ستستريح الفرقة الموسيقية بعد قليل وهناك والداي اللذان مازالا يرقصان فهل من اللائق العودة دونهما؟
كان صوته حارا قرب اذنيها وانفاسه ناعمه على صدغها تداعب بضع شعيرات هناك
- لدي بداية صداع؟
لمعت عيناها:
- وهل يهم الامرحقا
تصاعد غضبها فتركته وقفلت راجعة مبتعدة عنه ما وسعها ذلك لم يكن الصداع ادعاء لأن الآلام في الواقع راحت تغزو رأسها وعزت السبب فورا الى زوجها
توجهت الى غرفة الزينة الخاصة بالنساء للتمالك اعصابها ثم بعدما تمالكت زمام نفسها عادت الى المائدة فبادرتها روندا:
- عزيزتي هل انت بخير؟
واجهت 3 ازواج من العيون القلقة بابتسامة:
- اجل شكرا لك
- ولكنك شاحبةفهل انت واثقة من انك بخير؟
قالت شارحة الأمر:
- يستيقظ جوزف عادة في الليل مرارا فأقلق
- كان جوزيبو مثله عندما كان في مثل عمره ملاكا نهارا ومزعجا ليلا سيتجاوز هذا قريبا
قال ارماندو:
- ولكن في الوقت الراهن يسبب لنا الازعاج
اللعنة عليه!الا يخجل؟الا يلوذ بالصمت في حضور والديه؟قالت لها روندا:
- حدثيني عن الحفلة التي تخططان لها
فهمت اليان انها محاولة لتغيير الموضوع ولكن ارماندو امام دهشتها هو من تبرع للتحدث عنها
- انها عبارة عن حفلة تقام للتهنئة بالزواج وهي الى ذلك توفر فرصة تسمح للأهل والاصدقاء مشاركتنا فرحة زواجنا
احست بمعدتها تفيض بألم كيف يجرؤ على قول شيء سخيف كهذا؟قالت زوجة ابيه:
- انها فكرة رائعة!
سيطرت اليان على غضبها وحافظت على اعصابها طوال السهرة واثناء العودة بالسيارة الى الشقة التي يمكث فيها العجوزان حاليا
- هل تنضمان الينا لشرب القهوة؟
سمعت اليان ارماندو يعتذر فكتمت انفاسها:
- لقد تاخر الوقت ونحن نتوق للعودة الى المنزل المربية قديرة ولكنها المرة الاولى التي نترك فيها جوزف تحت رعايتها
ابتسم الجميع ثم ودعوا بعضهم بعضا وكانت العجوز قد دعت اليان للانضمام اليها غدا
حالما انطلقت السيارة بها وبأرماندو انفجر غضبها:
- انت لا تطاق!
- ولماذاعلى وجه التحديد؟
فتحت يدها وراحت تعد على اصابعها:
- لقد تعمدت الايحاء باننا ننام في غرفة واحدة وعندما اعلنت عن الحفلة كنت تتوقع مني الموافقة وكانني عروس خجول
- ياعزيزتي امازلت تخجلين؟
- لقد استخدمت الكلمة للتشبيه فقط
- آه**بالطبع
- اوه**لاتكن مرعبا لعينا هكذا!
- اذا كنت ترغبين في القتال فتريثي اقله حتى نصل الى المنزلمنتديات xxxxx
اشاحت وجهها عنه مدعية الاهتمام بالمناظر التي يمران بها وكان قد اختار الطريق المحاذية للشاطئ فتساءلت عما اذا كان يعتمد اطالة الطريق حتى تهدأ اعصابها
قالت لهما ميريان ان جوزف لم يتحرك في مهده حتى ثم استلمت النقود التي وضعها ارماندو في يدها قبل ان تخرج
قالت اليان بعجل:
- ساتفقد جوزف
- أهوعذر للتهرب يا اليان؟
- لا اللعنة عليك!
- سأحضر القهوة ..والحليب؟
- انا ذاهبة الى النوم لقد اتممت واجباتي هذه الليلةتصبح على خير
- وهل اعتبرت سهرة روندا ووالدي واجبا؟
اغمضت عينيها ثم فتحتهما:
- انهما رائعان ولكن ابنهما ليس مثلهما ابدا
- حقا؟ربما تفضلين تفسير هذا القول؟
- تتصرف وكانني زوجتك!
- ياعزيزتي اليان في حوزتي شهادة زواج تنص على انك زوجتي !
- انت تفهم ما اقصد !
- وهل يزعجك ان اظهر لك بعض العاطفة الزوجية؟
- استطيع القبول بالاهتمام الدمث فقط واما اللمسات الحميمة فأرفضها
ابتسم بخبث:
- ولكنني لم ابدأ حتى الآن باللمسات الحميمة
طارت يدها تتطلب صفعةولكنه التقطها قبل ان تبلغ غايتها
- اتتوقين الى صفعتي؟ألا تخشين من العقوبة التي قد انزلها بك؟
جذبها اليه فردت عليه بتحد:
- وهل انت متخصص بضرب الزوجات ارماندو؟
- اختار عادة ما ينسجم مع اخلاقي
- لا استطيع حتى ان اسألك ما هو!
- وهل هذا نابع من الشجاعة ام من السذاجة؟
- اوه الاثنان معا
وشهقت عندما مد يده ليحملها:
- ماذا تظن نفسك فاعلا؟
- احملك الى فراشي
- لا تفعل!ارجوك!
- وكانك خائفة
- اكرهك
انزلها في غرفة النوم على قدميها فوقفت عاجزة الا عن التسمر تحت نظرته القاتمة
- انت تتجاوبين وكأنك قطة قلقة تنفشين شعرك وتمدين مخالبك وانا انتظر ان اسمع خريرك
- مغرور**وماذا يجعلك تعتقد انني قد افعل؟
ولم يتنازل للإجابة بل لم يكن لديها مجالا لتتفادى عناقه الشغوف فصاحت به وهي تقاوم:
- ارماندو
- لا تقاومي
ولم يكن سهلا عليها تقبل الاثارة والخوف اللذين اعتملا نفسها في آن واحد فكان ان تجمدت لا تقدر على المقاومة ولكنها حاولت الاحتجاج وهي تعلم انه لن يتراجع وقالت بيأس:
- انت لا تعني هذا حقا
اطبقت يداه على خصرها فاحتجزتا انفاسها داخل حلقها فيما راحت الانفعالات تتفاعل وتسري في جميع انحاء جسدها حتى غمرها شعور متوتر جعلها عاجزة
احست اليان انها تطفو غمامة من الاحاسيس عالية فيها جسمها يتجاوب معه فجأة ما عادت تهتم بأي شيء يدور حولها في العالم
وعندما افاقت على نفسها صاحت به يائسة:
- ايها النذل !اكرهك!هل تفهم
- توقفي ايتها الغبية الصغيرة انت تزيدين الامر سوءا
- ابتعد عني***اللعنة عليك!
- اهدئي ايتها القطة البرية
- ارجوك اتركني
- اهدئي فقط وثقي بي
وصاحت به غاضبة وكل همها التحرر من قبضته
- ولماذا اثق بك؟
- عليك ذلك
- اتركني وشاني اذا
ثم راحت تدريجيا تعود الى طبيعتها ولكنها كانت تشعر بعودة الكراهية الى البروز بسهولة وارادت ان تبتعد عن الفراش الكبير وعن الرجل الذي ينام فيه
- الى اين؟
- اريد ان استحم
توجهت الى الحمام الذي اغلقت بابه وراءه ثم سعت الى المغطس فوضعت سدادته قبل ان تفتح الحنفيات وعندما عبق الحمام بالبخار اضافت زيتا خاصا الى المياه
ثم همت ان تخلع ثوبها ولكن دخوله عليها ردع يديها عن اكمال ما تريد
قالت له وهي تراه ضاحكا:
- الا ترى انني اريد الانفراد بنفسي؟لا تنظر الي هكذا
- ولماذا امتنع عن النظر إليك؟انت زوجتي
- وزجة بالاكراه لقد اكرهتني على ما لا اريد
ارتفع حاجبه متعجبا:
- وهل كرهتني لأنني اول من اثار احاسيسك؟ام كرهت نفسك لأنك تجاوبت مع من تعتقدين انك تكرهينه؟
صدق كلماته أمر رفضت الاعتراف به فأجابته:
- لقد تصرفت معي وكانك,,بربري,, حيوان! لن اسامحك ابدا,,ابدا!
- وهل لي ان اسأل لماذا؟
فقالت بمرارة:
- كنت افضل طريقة أقل وحشية
- لم يكن لدي وسيلة أخرى امام تمنعك
نظرت اليه نظرة غاضبة ثم تركت الحمام قاصدة غرفة النوم فتبعها وهو يقول:
- ستنامين معي يا اليان فلا تجادلي
وقبل ان تصل الى غرفة الجلوس وصل الى جانبها ولم تعد مقاومتها فعاله بعد رفعها بهدوء بين ذراعيه وحملها الى السرير الواسع
- لا اريد ان انام معك
- ربما لا**ولكنني اصر على ذلك
- ايها الطاغية اللعين!
- يا عزيزتي اليان! لدي طرق عديدة اجعلك بها تصرفين طاقتك عوضا عن تضييعها بالقتال معي
تجمدت حينما فهمت مضامين كلامه فصاحت بعنف:
- لن تستخدمني او تستغلني متى شئت و
- اترغبين في الجدال؟امامي غدا يوم عمل طويل قد يطول 12 ساعة لذا ان لا افكر الا في اكتساب بضع ساعات من النوم الا اذا كان لديك افكار اخرى انا على اهبة الاستعداد للاجابة عنها بكل سرور
- اوه**اذهب الى الجحيم!
اما هو فمد يده وأطفأ نور الغرفة
بعد لحظات احست اليان بدفء انفاسه قرب رأسها فاستقل دون حراك تتمنى لو تهدأ اعصابها قليلا ولكن ما هي الا دقائق حتى راحت اجفانها تثقل مؤمنه لها بذلك نعمة الراحة

- كاذبة
استطاعت إليان في الأيام القليلة التالية التعرف أكثر إلى روندا التي كانت
تصل صباح كل يوم في وقت محدد لمساعدة إليان بنغسيل جوزف وإرضاعة
قبل أن ترجعاه إلى مهده لينام .
وكانتا بعد ذلك تجدان متسعاً من الوقت لتناول الشاي الصباحي وللتحدث حتى يحين
أوان وجبة غداء خفيفة قبل العودة إلى جوزف ، وكانتا بعد ذلك تتركانه في رعاية ميريان
فترة بعد الظهر التي تقضيانها في إستكشاف مجمعاً من المجمعات التجارية المنتشرة على طول
ساحل الجزيرة السياحي .
أما رافاييل فكان ينضم إلى أبنه للقيام بجولة على مواقع العمل ،
حيث يعقد الأبن اللقاءات والمشاورات ويعودان معاً إلى المنزل كل مساء .
كان العشاء عادة وجبة غير رسمية ، تتشارك المرأتان في تحضيرها .
أحست إليان مع مرور الوقت بأنها تحسد أرماندو على علاقته الوطيدة بوالديه .
وفيما كان جزء من تفكيرها يتمتع برفقتهما ، كان الجزء الآخر يحذرها من إقامة علاقات وطيدة مع شخصين
قد لا يجدان من السهل بعد الطلاق من أرماندو أن ينظرا إليها يعطف .
أما الليالي فكانت شيئاً مختلفاً ، لأنها لم تعد ساكنة بين ذراعي أرماندو بل كانت تتجاوب معه حتى بدأت تكره
جسدها الخائن بالمقدار الذي تكرهه هو .
عندما اقترب موعد الحفلة وجدت الترتيبات كما ذكر أرماندو غير معقدة ،
فبعد عدة اتصالات هاتفية بالضيوف وبعد عدة اتصالات بمطعم يقوم على خدمة المنازل تمّ كل شيء بسهولة ،
ولم يبق أمامها إلا أن تطلب من ميريان الإعتناء بالطفل ، وأن تختار ثوباً مناسباً للإحتفال .
يوم الحفلة توقعت وصول الضيوف ابتداء من الثامنة ،
وقد جعلها انتظارها ذاك تتوتر حتى تمنت لو تمضي السهرة بسرعة لينتهي كل شيء .
إذ كانت تخشى أصدقاء أرماندو الذين سيعملون طوال الوقت على انتقادها ،
وما من شك أنهم سيشرحونها قطعة قطعة من قمة رأسها حتى طرف حذائها الأنيق .
يعد ساعات قليلة ، أقرت إليان أن كل شيء في هذه الحفلة في غاية الجودة .
فراحت تنتقل من جماعة إلى أخرى في ظل الموسيقى الناعمة الصادحة عبر نظام إلكتروني معقد ،
كما راح الموظفون المستأجرون يطوفون بين الضيوف بسهولة المحترفين ، يقدمون الصواني المليئة بالأطعمة والمقبلات
الشهية وبالشراب ، وكأنها من معين لا ينضب ، وقد تم في هذا الوقت تقديم إليان إلى العديد من الناس حتى استحال عليها تذكر أكثر
من بضع أسماء . بدت النساء الجميلات عازمات على اكتشاف آخر الشائعات الإجتماعية ، فيما وقف الرجال في مجموعات منفصلة
بغية الحديث عن الأعمال .
- حبيبتي يجب عليك حقاً المجيء .. . . .
أعادت إليان انتباهها إلى الشقراء الرائعة التي تابعت بإصرار :
- إنه مزاد خيري رائع يستحق حضورك ، فالعارضات رائعات الجمال ، والثياب مذهلة .
لمعت أسنانها البيضاء المتكاملة بين شفتيها الحمراوين الجميلتين ، وتابعت كلامها :
- ستكون إيزابيل هناك ، وكايسي وبات وميلاني ، وستجلسين معنا بالطبع :
أجابت إليان بأدب :
- هل لي أن أبلغك فيما بعد ؟
- بالطبع . . . أرماندو يعرف رقم هاتفي .
وماهي إلا لحظات حتى أصبحت إليان وحدها ، ولكن ليس لمدة طويلة :
- هل أنت بحاجة لنجده ؟
أعتلت شفتيها ابتسامة حارة وهي ترحب ( بحماتها )
- كيف حزرت ؟
- كل شيء يسير بشكل جميل أما أنت يا عزيزتي فرائعه . . .
- أنا محط أنظارهم جميعاً وهي تقوم على تحليلي وتصنيفي بدقة . . . وكأنني قطعة ثمينة من البضائع .
هل سأجتاز الإمتحان ، ما رأيك ؟
- ستجتازينه بأعلام خافقة .

أسرعت إليان تحتضن روندا بشغف وتقوم لها شاكرة :
- آه . .أنت حليفتي . . يبدو أنني سأضطر للإنضمام إلى الجميعات الخيرية وإلى المشاركة بلعبة التنس مرتين أسبوعياً
وبألعاب رياضية أخرى يومياً ، كما يبدو أنني سأشارك في حضور دروس أسبوعية تتعلق بترتيب الزهور .
أما معظم ساعات النهار فسأقضيها في زيارة المزينين أو التبضع أو ،
وهذا الأهم ، بالإنضمام إلى حفلات العشاء أو الإنضمام يوم الأحد إلى إجتماع غير رسمي .
- وكأنك متشوقة للإنضمام إلى الدائرة الإجتماعية ؟
- ليس إلى مدى كبير . فقد أقبل مثلاً بعض الدعوات . . .
لقد دعتني شقراء مذهلة ، نسيت أسمها إلى عرض أزياء يوم الثلاثاء . . ربما تذهب معاً ؟
- رائع . . ستمنح بذلك رافاييل فرصة ليمضي يومه في حفل الغولف ، أتعلمين . . أرماندو وجوزف محظوظان بك .
وجاءها صوت أليف من خلفها :
-أنتما خارج الدائرة الإجتماعية .
تحدث عن الشيطان . . تجده ! أدارت رأسها ببطء نحو أرماندو وابتسمت له بإشراق :
- كدت لا أشعر بغيابك .
أما رافاييل فقال وهو ينظر إلى زوجته ممازحاً :
- أظن أن هذا نوع من العتاب غير المباشر .
فأجابته روندا بدوبلوماسية مهذبة :
- كنت وإليان نسلي بعضنا بعضاً .
تدفق صوت دافئ تشوبه لكنه خفيفة :
- أرماندو . . حبيبي ! لقد تأخرنا عن الحضور ، ولكن براد تأخر ف الرجوع
من عمله ثم أسرعنا إلى هنا . قل إنك سامحتنا ؟
التفتت إليان إلى المرأة التي أقل ما يقال عن مظهرها إنه (ملوكي ) .
كانت ترتدي سروالاً حريرياً قرمزي اللون ، وتتزين بجواهر تضع اللمسة الأخيرة على هندامها الذي ارتدته
سواها لبدا سخيفاً .
- سيسيليا . . . براد اسمحا لي أن أقدم زوجتي ،إليان .
انصبت عيونهما على إليان فوراً . قالت سيسيليا بصوت منخفض :
- إنها تبدو رائعه يا حبيبي . . .أليست كذلك ؟
وومضت عينا أرماندو بفرح صامت :
- إنها كذلك ، بشكل لا يصدق !
قال الزوج بإستسلام:
- سيسيليا . . . أنت لا تطاقين . . . ألا ترين أن الفتاة المسكينة تكاد تجن من التوتر .
سألتها سيسيليا ، وهي تحدق إليها بعينين دافئتين :
- صحيح ؟
قالت إليان معترفة وهي تبتسم :
- أشعر أنني حمل بين براثن أسد .
تدفقت ضحكة كالعسل من حنجرة سيسيليا .
- إن لعدة نساء حاضرات هذه البراثن دون شك ، خاصة في وجود زوجك الرائع .
قالت إليان بإبتسامة شيطانية :
- إعتقد أن هذا نوع من الإفتتان بسحره . . .
ضحكت سيسيليا دون أن يصيبها أي خجل :
- إنه وحش مثير وهو عند بعضهن جذاب قاتل .
ابتسمت إليان ، فأردفت سيسيليا :
- ما أروعك . . . أنت خجول !
أمسك أرماندو بيد إليان وسارع إلى القول :
- وهذا ما يسحرني .
حاولت سحب يدها من يده ولكنه شد عليها بتحذير صامت وتابع :
- ربما نراكما على العشاء قريباً ؟ والآن اعذرانا ، يجب علينا أن نتابع دورتنا على الضيوف ، متعا نفسيكما . . .
وعندما ابتعدا حاول أن يتقدم لها كأس شراب عن صينيةيحملها أحد السقاة ولكنها قالت :
- أفضل أن أتناول القهوة .
فضحك بصوت عميق جاف أرسل الرعدة في أوصالها .
- وهل أنت بحاجة لإبقاء ذهنك صاحياً ؟
فردت عليه معترفه ( أجل ).
- انتظري هنا حتى أحضر لك القهوة .
- لا . . أفضل الذهاب معك .
نظر إليها ملياً ، ثم قال ساخراً :
- ما من أحد موجوده هنا قد يجرؤ على مسّ شعرة من شعر رأسك الجميل .
- سامحني إن كنت لا أصدقك .

ودن أن يتفوه بكلمة أخرى ، قادها نحو طاولة كانت أمامها ساقية تقدم الشاي والقهوة .
لم تمض لحظات وضع كوباً من القهوة بين أناملها المرتعشة ، فراح يراقبها وهي تحتسي السائل اللذيذ الرائحة .
- بعد انتهائك من شرب القهوة نرقص .
- لقد نجحت بإعجاب في تمثيل دو الزوج الرائع طوال السهرة ،
إلا تظن أن في الرقص الحميم بعض المبالغة ؟
- أَوَ تتصورين أنني قد أبالغ في ضمّك إلي ؟
- سأكون ملعونة لو قبلت معك هذا الإستعراض !
- وهل أنت واثقة أنه سيكون استعراضاً ؟
هذه لعبة خطرة لم تكن واثقة أنها تود لعبها ، ولكن ماذا بوسعها أن تفعل في غرفة تكتظ بالناس .
ابتسمت له ومو يجذبها إلى ذراعيه ، فقالت لتكسر الصمت الذي ساد بينهما :
- ليدك عدد وافر من الإصدقاء .
- بل شركاء عمل ، ومعارف أحافظ على إقامة علاقات اجتماعية معهم .
- إن قولك هذا مثير للسخرية !
- أتظنين ذلك ؟
إنه يتسلّى بها . . . اللعنة عليه !
- أجل . . .
- احذري أيتها القطة الصغيرة . مخالبك ظاهرة .
- إذا كانت قد ظهرت ، فلأنني أكره تصرفاتك!
- إلأنني أراقص زوجتي ؟
- أوه أنت لا تطاق ! إلا تفهم حقاً ما أقصده ؟
- لقد نظمت هذه الحفلة لتيعرف إليك بعض الناس . أما سبب زواجنا فليس شأناً من شؤونهم .
- ثمة نساء عدة يرين أن معرفة سبب زواجنا شأناً من شؤونهن .
- هذه مشكلتهن لا مشكلتي .
- دعني أذهب . . . أريد تفقد جوزف .
- ميريان معه . بعد لحظات سنعود للطواف حول ضيوفنا .
- أكرهك !
- قولك هذا ظاهرة صحية .
فيما بعد ، ظلت إليان تقوم بعلب دور المضيفة بسحر وجلال وكانت
الخاتمة أن وقفت إلى جانب زوجها تودع آخر المدعوين .
وما أن أقفل أرماندو الباب ، حتى تركت القناع يسقط عن وجهها . قال أرماندو :
- سأعطي المربية أجرها ثم أشغل جهاز الإستماع الإليكتروني ،
فلا حاجة إلى نقله إلى غرفته الآن وهو نائم .
كان على حق ولكت ذلك لم يحل بينها وبين الرغبة في مواجهته ،
ففتحت فمها ولكن لم تلبث أن عادت تطبقة .
- لا تجادليني .
ارتد رأسها إلى الوراء وكأن لهباً من النار مسها .
- سأفعل ما يحلو لي !
- اذهبي إلى الفراش .
- وأنتظرك حتى تأتي إليّ ؟
ودون أن يرد ارتدّ على عقبيه لاعناً ، شاتماً .
ستكون ملعونه لو أطاعته !
واتجهت إلى غرفة الإحتفال مع أن الوقت قد تجاوز الثانية صباحاً ،
فوجدت أن السقاة الذين قاموا بالضيافة كانوا كفوءين ، فلم يكن في الغرفة من أثر الإحتفال إلا بضعة أكواب
متفرقة . ولكنها وجدت أن تنظيفاً سريعاً للسجاد بالمكنسة الكهربائية سيعيد الغرفة إلى وضعها السابق .
وكانت على وشك الإنتهاء عندما توقفت المكنسة فجأة ، فالتفتت فإذا بأرماندو واقف وبيده الشريط المنزوع من المقبس .
- إلا يمكن لهذا الإنتظار ؟
- لن يستغرق الأمر أكثر من دقيقة .
- في الصباح يا إليان .
- أفضل أن أقوم به الآن .
- العناد للعناد غباء مطلق . ألا تظنين هذا ؟
- ألا ترى أنك تبدي عناداً مماثلاً أنت أيضاَ ؟
ونظر إلى الساعة الذهبية في معصمة وقال :
- إنها الثانية والنصف صباحاً وهذا يعني أن الوقت غير مناسب لنقاش لا طائل منه .
- إذا ، عليّ أن ألعب دور الزوجة المذعنة !
ضاقت عيناه وظهرت عليهما القساوة :
- ربما بإمكانك تفسير هذه الملاحظة ؟

- لا أحب أن يملي عليّ أي كان ما يجب أن أفعله ،
ولا أحب بشكل خاص أن يؤخذ قبولي على أنه مسلم به ، أحس أنني طفلة ،
أجبر على الطاعة . ولكنني لست طفلة !
- ألست طفلة ؟ إن معظم النساء يجدن البهجة في ثرائي وهن يخططن للحصول على ما يسمى (الترف)!
- وهل تدينني كطفلة لأنني لا أرغب في الفراش ؟
- يا لهذه الجملة المثيرة للعواطف !
- أكرهك ! أتفهم . . . ؟ أكرهك !
ثم راحت تصرخ ولكنه أمسك ذراعيها بهدوء ثم رفعها عن الأرض فوق كتفه :
- ماذا تفعــــل ؟
توجه إلى الدرج قائلاً :
- إن ما أفعله واضح .
- انزلني ، اللعنة عليك ! . . . نذل ! . . . بربري !
وعندما دخل بها إلى غرفة النوم أنزلها فوقفت في مواجهته تنظر إليه بعينين غاضبتين مبللتين ، فقال لها :
- يبدو أن هذا هو المستوى الوحيد الذي نقدر أن نتخاطب فيه .
- تكلم عن نفسك !
- نفسي تغريني بجعلك تتوسلين حبي .
- وماذا يمنعك ؟
- أيتها الحمقاء الصغيرة ، ألا تخشين غضبي ؟
- وماذا ستفعل . . . ؟ أتضربني ؟
- ربما عليّ أن أضربك فعلاً لألقنك درساً تستحقينه .
- وماذا عن الدرس الذي تستحقه أنت ؟ لأنك أجبرتني على الزواج بك وعلى مشاركتك ما أرفضه . . .
توقفت مرتجفة غضباً . فقال لها :
- حبك لأنيتا وجوزف يفوق أي إعتبار ثانوي .
- ثانوي !
- أنت لا تكرهينني كما تدعين .
فصاحت به :
- ليس هناك من ادعاء أبداً فيما أشعر به نحوك !
وضع إصبعيه تحت ذقنها ورفع رأسها نحوه :
- ربما عليك البحث فيما إذا كان الغضب لا يولد في نفسك حب التمتع بما تصرين على تسميته رغبة ليس إلا . .
هل يعرف أنه يستحيل عليها الإتفاق مع رغبات جسدها الخائف ؟
وأن جزءاً منها حتى الآن ، يرغب في الذوبان بين ذراعيه ، بينما الجز الآخر يتوق
للفرار من جنون هذا الشعور .
فقالت كاذبة:
- أنا لا أتمتع بالأمر !
الإعتراف حتى لنفسها بأنها تفعل كان شيئاً ترفض أن تفكر فيه .
فقال لها ساخراً :
- لا ؟
ورفع إصبعيه عن ذقنها وأخذ يمررها فوق وجهها وعنقها .
- ما أجملك !
بدأ أن أنفاسها انحبست في حنجرتها فقالت وعيناها متعلقتان بعينيه :
- توقف عن هذا . . . أرجوك !
- ولماذا أتوقف ؟
- أرماندو . . .
همس اسمه خرج من شفتيها كاليأس :
- لا تفعل !
ودس يده في شعرها ، ثم أمسك بعنقها فيما انسلت الأخرى نحو ظهرها ،
وجذبها إليه . . . فتنهدت واشتعلت شعلة عميقة تحت سيطرته الكاملة عليها ،
بعدما انبعثت الحياة إلى كل مسام في جسمها . . .
حينما عادت بعد فترة طويلة إلى عالم الواقع ، بدت وكأنها سجينة توهج ضبابي وردي ،
تشعر بلمساته الخفيفة كالريش ، فعجزت عن الحراك ، ثم ماتت ضحكة صغيرة في حنجرتها قبل أن بتدأ .
- ما الذي يضحكك ؟
أدارت رأسها ببطء فالتقت بالرغبة العميقة التي ما زالت ظاهرة في عينيه .
- أظن أنه علينا التوقف . . . ففي الأعلى طفل صغير سيستيقظ عما قريب مطالباً بوجبته الصباحية المبكرة .
- أنت مجنون !
- وأنت يا حلوتي . . . كذلك .
تذكرت كيف استجابت بين ذراعيه ، فاحمرّ وجهها وأغشت عينيها سحابة خجل .
فقال لها متوسلاً :
- لا تشعري بالحرج أبداً لأنك أحسستِ بالضياع كما أحسست به أنا .
- ربما كنت أتظاهر زيفاً .
- كاذبة ، فسعادتك كانت بادية للعيان .
- وانت الخبير .
لم تقصد أن يكون في كلماتها مرارة ولكنها مع ذلك برزت في صوتها .
فانخفض جفناها ليكونا ستاراً حامياً ضد سخريته .
- خبير بما فيه الكفاية لأمنحك السعادة والرضى .
- وهل يجب أن أكون ممتنه لهذا ؟
- أنصحك ألا تستفزيني حتى أظهر لم الفرق .
تسللت رعدة باردة إلى سطح بشرتها :
- سأذهب لأستحم .
وعندما عادت إلى غرفة النوم اندست بحذر في الفراش ،
الذي اكتشفت أن أرماندو فيه يغط في النوم.
ظلّت عدة دقائق تدرس تقاسيم وجهه المسترخي فقاومت رغبة جامحه إلى ضمه ومعانقته ،
ثم صاح بها صوت صغير داخلي : هل أنت مجنونة ؟
مدّت يدها المرتعشة فأطفأت المصباح الجانبي ، ثم ألقت رأسها على الوسادة ،
وتركت للتعب الداخلي نقلها إلى نوم عميق خالٍ من الأحلام .




انقلب السحر على الساحر

بدا يوم الاحد واعدا بيوم مشمس فيه البحر املس حتى يكاد لا ترى فيه موجة , وفيه النسيم خفيفا حتى يكاد لا يحرك شيئا في الطبيعة .
قال ارماندو عندما دخلت اليان الى المطبخ :
- الطقس جميل . لذا من المؤسف الا ننطلق بالمركب الى المياه الهادئة .
دنت من البراد فأخرجت منه الحليب والكورن فلكس ثم صبت قدرا كبيرا منهما في وعاء الى الطاولة وهي تقول :
- ان رافاييل وروندا سيستمتعان دون شك بقضاء يوم كهذا في الخليج .
- ولا ريب انك قادمة معنا .
كان قد انهى فطوره وجلس قبالتها يرتشف قهوته فقالت له :
- ليس من الانصاف مجيء ميريان دون سابق انذار , خاصة يوم الاحد , ومايزيد الامر صعوبة انها كانت معه ليلة امس .اضف الى ذلك انني لا احبذ كثيرا ان يترك جوزف في رعاية مربية , فالاطفال بحاجة الى اهتمام ذويهم ليطمئنوا الى حياتهم الاجتماعية .
ارتفع حاجبيه بسخرية :
- اوافقك الرأي ياعزيزتي اليان , ولكن جوزف ما زال صغيرا جدا وهو لا يحتاج الا الى النظافة والطعام , لذا لا ارى ان رعاية المربية قد تضر بنفسيته , اضافة الى اننا سنعود عند الـ5
- لماذا لا تسمع الا نفسك ؟
- يحبك والدي كثيرا لذا انا مستعد للقيام بما في مقدوري لاسعادهما ما داما في هذه الجزيرة .
- ولكنني اظن انهما يرغبان في قضاء اكبر وقت ممكن مع حفيدهما , لا في الابحار والحياة الاجتماعية .
صمت دقائق , ثم قال بنعومة :
- شاهدا في السنة الماضة ولدهما مصابا اصابة رهيبة فعانيا من البأس انهما كانا عاجزين عن فعل شيء له مع انهما حولا المنزل الى عيادة , واستأجرا فريقا من الموظفين ليبقى احدهما الى جانبه دائما .
توقف قليلا ثم اردف بنبرة مختلفة :
- اما الان فهما بحاجة الى الراحة , والبدء بالاستمتاع بحياتهما ثانية , واذا كان هذا يتضمن الابحار والخوض في الحياة الاجتماعية فليكن . هل اوضحت ما اعني ؟
فدفعت اليان صحنها بعيدا , وقد فقدت شهيتها :
- بشكل مؤلم .
- اكملي طعامك .
- ماعدت جائعة .
- ربما غيابي سيساعدك على استعادة شهيتك , سأذهب الى المكتبة لأجري بعض المخابرات .
كان الجميع بعد ساعتين على متن مركب كبير فخم ,"عذوووب" يرسو على طرف القناة في نهاية حديقتهما , تنهدت روندا وهي تلتفت الى ابن زوجها :
- هذه هي الجنة !
كادت اليان ان تشهق لحرارة ابتشامة وهو ينظر الى روندا .
- سنرسو امام سانت جون لتناول الغداء , وبعد ذلك يمكنك واليان التجول في المحلات فيما اجلس ورافاييل تحت اشعة الشمس .
صاح رافاييل بابنه :
- انت تدللها كثيرا .
ضحكت روندا قائلة :
- ان النساء جميعهن يحببن ان يدللهن الرجال , اليس كذلك يا اليان ؟
فابتسمت اليان وهي تقول :
- قطعا .
فنظر ارماندو الى والده وقال ساخرا :
- لدي حدس ينبئني بان هذه الرحلة ستكلفنا كثيرا .
بعد غداء خفيف من الاطعمة البحرية , خرجت اليان وروندا تتجولان في الأسواق . وما ان عادتا حتى قال ارماندو بسرور :
- ألم اقل لك ؟
فقالت روندا وهي تمسك يد زوجها :
- لقد اشتريت اليان ثوبا رائعا .
رفعت ابتسامتها عندما رفع رافاييل يدها الى شفتيه بحركة جعلت قلب اليان يخفق على غير عادة اترافا بجمال هذا الحب الذي يتبادله هذان الشخصان , اضافت روندا :
- لقد اقنعتها ان ترتديه في عرض الازياء الذي دعتنا اليه سيرينا هايز هنا يوم الثلاثاء .
دار المركب حول الخليج ليقلهم الى الخليج التذي تقع قربه الفيلا .
قبل الـ5 , بعد انصراف سيرينا , تفقدت اليان جوزف فوجدته يحدق اليها استعدادا لتناول وجبته
قالت روندا بعد الصرخة الاولى :
- اسمحي لي , انا واثقة انك ترغبين في الاستحمام وفي تغيير ملابسك .
- شكرا لك ... لن اتأخر .
عندما عادت , كان ارماندو ورافاييل في الطبخ , اما جوزف فكان في حضن روندا تتنقل عيناه من واحد الى آخر فيما قبضتاه الصغيرتان تضربان بسرور ظاهر , قال رافاييل بكبرياء :
- اترين . ان هذا الصغير قوي . انظري الى هاتين الساقين , والى تلك اليدين ! سيصبح طويل القامة وسيكون حاميا لشقيقاته , ومثالا لأشقائه , اليس كذلك ؟
كان العشاء وجبة من الستيك المشوي وسلطة مشكلة , مع فاكهة طازجة , اعقبه تناول القهوة بكسل في غرفة الجلوس .
غادرت روندا ورافاييل في تمام التاسعة معلنين حاجتهما الى النوم المبكر , وكانت اليان تشعر ايضا بالتعب من جراء هواء البحر , واشعة الشمس الدافئة الشتوية .
قالت فيما كان ارماندو يقفل الباب ويدير جهاز الامان :
- سانظف المطبخ .
- سننظفه معا .
كانت تسير امامه فشعرت لسبب ما بأن وجوده يثيرها , لذا ارادت البقاء على انفراد .
- سأتدبر امري بنفسي .
لم يكن هناك سوى بعض الاكواب والصحون , فغسلتها بسرعه ثم وضعتها في غسالة الصحون قائلة :
- انتهى كل شيء .
فقال لها فجأة :
- لقد فتحت لك حسابا منفصلا في المصرف والمبلغ المودع فيه بإسمك يغطي أي مبلغ قد تحتاجين اليه ... التفاصيل على مكتبتك في غرفة جلوسك .
احست بالامتعاض فأجبرت نفسها على سحب انفاس عميقة لتستعيد هدوءها .
- افضل استخدام مالي الخاص , فلدي حساب جار .
تركزت نظراته نظراته على قسماتها , فلاحظ القلق على حنايا ثغرها , والكبرياء في ارتفاع رأسها , والتصميم في هاتين العينين الزرقاوين الجميلتين .
- لماذا ترغبين في الاستقلالية ؟ أليس من حق الزوج دعم موارد زوجته ؟
- نعم فيما يتعلق بمصاريف المنزل واحتياجات جوزف أما فيما يتعلق بثيابي فلا .
- واذا اصررت ؟
- اصرّ ما شاء لك ذلك , ولكنك لن تخيفني حتى الاذعان بوثيقة زواج .
فابتشم ساخرا :
- وهل هذه دعوة للمساواة بين الرجل والمراة ؟
اصبحت الآن حقا غاضبة !
- اذا كنت ترغب في دمية همها الوحيد الظهور بالجواهر وبأخر صيحات الموضة , فقد ارتكبت غلطة عندما اخذتني !
- لا اراني أخطأت .
- وهل تتمتع بزواجنا الهزلي ؟ عـ
رفع يده التي اندست في شعرها حيث راحت انامله تتخلل في طوله الناعم , ثم رفع لها رأسها :
- سأستمتع بك , تمتعك بمعارضتي , لا لشيء الا للمعارضة , انما احذرك من انها معركة قد لا تربحينها !
ارادت ان تضربه , ولكن التصميم الظاهر في عينيه منعها :
- وهل تتصور انني قد اتعلق بك عاطفيا لتستطيع ان ....
- ان اثيرك ؟
- اوه !
شهقت عندما جذبها اليه , ولكن مقاومتها ضاعت سدى , فقد كانت ذراعاه ثابتتين حولها حتى ارادت ان تصرخ محتجة على محاولته اغوائها .
ولكن ما اسهل ان تغمض عينيها تاركة مشاعرها تنجرف بعيدا عن سحر حبه , ثم لم يلبث ان بدأ الدم رغم ارادتها يتدفق في شرايينها ... ضاعت ... وانجرفت دون وعي في ذلك الاتجاه حتى احست بالغضب من خيانة مشاعرها لها , فأفلتت منه :
- اتركني ... عليك اللعنة !
ولكنه عاد للامساك بها دون عناء , وحين تكلم شعرت ان دهرا مر قبل ذلك .
- اذهبي الى الفراش , هناك بعض الخرائط عليّ مراجعتها قبل الاجتماع غدا صباحا مع شركائي .
ثم ارتد على عقبيه دون ان يتفوه بكملة تاركا اياها وحدها تتسارع الانفاس مع كل خطوة .
ما ان وصلت الى غرفة النوم حتى احست وكانها ركضت ميلا .
بعد ساعة , كانت لا تزال صاحية , ضحية تخيلاتها الخاصة . بدا لها دهرا قد مر قبل ان تشعر بهد يدخل بهدوء الى غرفة النوم حيث خلع ثيابه , واندس في الفراش
وماهي الا دقائق حتى انتظمت انفاسه وتناغمت بشكل عميق ثابت .
لا تعرف لماذا جعلها استغراقه في النوم تغضب غضبا لا يطاق , فلعنت عنادها واصرارها على الجدال الذي يستهلك طاقتها كما لعنت هذا الشوق الذي يوتوق الى ارماندو
*****
حدقت اليان الى ما حولها باهتمام . كان هناك اكثر من 100 امراة كل واحدة منهن اكثر اناقة من الاخرى , فاستنتجت من ذلك ان هدفهن الرئيسي هو اجتذاب عدسات المصورين للظهور في صفحات الجرائد والمجلات الاجتماعية .
كان ثوبها الحريري اخضر كريش الطاووس , يتناسق مع اكسسوار اشود , وهو نقيض ثوب روندا العاجي والذهبي اللون .
ابتشمت روندا ابتسماة خبيثة لإليان :
- لا تلتفتي ... لقد لفت بالتأكيد نظر احد الشبان .
هزت اليان كتفيها دون اكتراث , وسألت روندا :
- اخبريني عن ايطاليا , هل تحبين الحياة فيها ؟
لدينا منازل عدة في اجزاء مختلفة من العالم , بعضها رائع , ولكن الذي احبه يقع في خليج جزيرة صغيرة قرب ساحل صقلية , انه مكان خيالي , ليس فيه سيارات بل هدوء وعزلة حتى يكاد لا يصل اليه المرء الا بالهليوكبتر. كنا نمكث كثيرا في ذاك المنزل مع جوزبيو وارماندو .
احست اليان باحزان المراة العجوز , فلمست يدها في اشارة صامته للتعاطف .
- لا بأس يا عزيزتي , عندما يكبر الانسان , يدرك ان لا وجود الا للحاضر , فالذكريات لا تتغير , اتعلمين انني اعتبر نفسي محظوظة لأن معظم ذكرياتي سعيدة , ولداي مدعاة فرح لنا , مع ان جوزبير كان طائشا , يتمسك بالاثارة خلف مقود مركب سريع او سيارة سباق . لقد عشت في رعب متواصل بانتظار ذلك اليوم الذي سيصيبه فيه مكروه .
- وماذا عن ارماندو ؟
- كان جادا رضيا , وكان رغم فرق العمر الذي بينه وبين اخيه على علاقة حميمة مع جوزبيو , وقد جدت خلال تلك الاشهر الفظيعه ان امضى وقته بين هذه الجزيرة وبين روما ولما كان لا يستطيع المجيء لسبب من الاسباب , كان يتصل في اليوم مرتين هاتفيا .
- اليان .. لقد احسنت صنعا باصطحاب روندا معك .
خاطبهما صوت انثوي اجشن , فالتفتت اليان فإذا سيرينا هايز في ثوب حريري ابيض , وردت عليها بأدب :
- سيرينا ... اهلا .
- لقد رتبت امر جلوسنا مما وقت الغداء . واذا انفصلنا اثناء عرض الازياء فلاقيني في الحفلة فيما بعد . يجب ان اسرع هناك بعض بطاقات يفترض ان يسلمني اياها احد اعضاء الجمعية .
كان العرض رائعا بل هو افضل عرض حضرته اليان ... سألتها روندا :
- هل شاهدت ما اعجبك ؟
ضحكت عندما شاهدت الوميض العجب في عيني كنتها فقالت اليان :
- سأعود للنظر الى الموديلات في الكاتالوج بعد الغداء , ما رأيك ؟
- عظيم .. بمناسبة الحديث عن الغداء , علينا التوجه الآن الى خيمة المدخل .
كان المطعم الذي اختير للمناسبة فوق الماء يطلي على منظر المرفأ الرائع وعلى الفيلات والمراكب الفخمة الراسية اما رصيف قريب .
جلست صوفي في المقابل , قرب سيرينا وميلاني وكايسي وبات وارزابييل , فأحست اليان وكانها في مواجهة لجنة تحقيق , تقدم منهن عدد من الشبان ليقدموا لهن طلباتهن .
وما بعث السرور الى نفسها اهتمام احد الشبان بها . فقالت لها صوفي دون لباقة :
- حبيبتي , وكانك اصطدت احدهم , هل ستدسين له رقم هاتفك ؟
اجابت اليان برزانه لاتخلو من الخشونة :
- لا اظن انني اجد بوجود طفل صغير الوقت الكافي للفت انتباه فتى لعوب , هذا عدا ذكر انزعاج ارماندو من امر كهذا .
فضاقت عينا صوفي :
- بعض الغيرة تضفي على الزواج اثارة مميزة .
يا الله انها تشعر وكانها فراشة مثبته على لوحة فوق الجدار تنتظر العيون النهمة ان تقدم على اول حركة . قالت متساءلة :
- وهل تظنين هذا ؟ ربما يضربني ارماندو . ذ
ابتسمت سيرينا فيما حدقت صوفي الى اليان دون ان يرف لها جفن :
- شقيقي دميان يصر على ان نقيم حفلة عشاء السبت القادم .. ساتصل بأرماندو لأبلغه .
والتفتت الى روندا :
- يجب ان تأتي ايضا .
- سنسافر الى لوس انجلوس غدا لقضاء بعض الوقت مع شقيقتي .
كانت الساعة قد تجاوزت الـ2 من بعد ظهر ذلك اليوم عندما استطاعت اليان وروندا الانسحاب , بعد ساعة ونصف من اختيار الاثواب التي ارادتاها عادتا الى الجزيرة الصغيرة التي تضم الفيلا .
لقد خططت اليان لإقامة عشاء غير رسمي في المنزل احتفالا بالامسية الاخيرة التسي سيقضيها رافاييل وروندا في نيوفاوندلاند.
عندما حان وقت سفرهما في اليوم التالي , شعرت اليان بالحزن لأنها ستفقد روندا . ولكن المراة العجوز قالت لها قبل ان تغادر :
- ليس الاسبوع بوقت طويل . ساتصل بد دائما لتفقد احوال حفيدي .
قال رافاييل وهو يصعد الى السيارة :
- سأبذل جهدا كبيرا لمنعها من اجراء 3 مخابرات يوميا على الاقل .
حالما انطلقت السيارة مبتعده عن الانظار دخلت اليان الى المنزل الذي بدا لها كبيرا خاويا بشكل غريب . كان جوزف نائما , فاستحمت ثم اندست في الفراش وعشرات الافكار تضج في رأسها .
عندما سمعت ارماندو يعود اغمضت عينيها تتظاهر بالنوم وتحس بألم حاد قرب قلبها . ما اروع ان تسعى الى الراحة بين ذراعيه , وما اعذب ان تتركهما تحيطانها .
الا ان مثل هذه الصورة لا تنتمي الا الى عالم الخيال ... توقفت عن انتظاره بعد دقائق عديدة فعللت تأخره ذاك الى انشغاله ببعض الاعمال المكتبية .
وعندما استيقظت في اليوم التالي , اكتشفت انه قد استيقظ قبلها .
امضت الايام التالية وحدها في المنزل فشعرت ببعض الراحة وقد استغلت هذا الوقت فكتبت رسائل لأصحابها ثم اتصلت هاتفيا بميراي ستانلي التي تحل محلها في مكتب الديكور فأطلعت على الارضاع هناك .
كانت بعد ظهر كل يوم تحضر وجبة المساء مختارة افضل الاصناف ثم تنتظر ارماندو الذي كان يصل قبل الـ5 .
ووقد اعتاد بعد حمام سريع ان يصر على الاهتمام بجوزف واطعامه قائلا :
- انه بحاجة الى رجل في طفولته . وليس لدي من وقت الا في مثل هذه الساعة .
كان اعتناؤه بالصغير يترك لإليان الحرية لتضع اللمسات الاخيرة على العشاء , وكثيرا ما كانت تفكر في ان وجود الصغير بين يدي ارماندو يثير عاطفتها ويجعلها تشعر بان ارماندو سيصبح جزءا لا يتجزأ من جوزف ,
ولكن هذا الشعور كان يجعل قلبها يتفطر ألما لأن نقل جوزف الى بلادها قد يكون خيرا لها انما ليس بالضرورة خير للصغير .
كان الجوار عشاء كل ليلة بخصوص لنشاطاتهما اليومية . ولكن ارماندو كان يتوجه الى مكتبه حالما يكمل وجبته . وقد اعتاد الا يخرج الا بعد ان تنام اليان .
عندما حلت ليلة السبت أي موعد الحفلة التي ستقيمها صوفي ودميان شعرت اليان بانها لم تعد قادرة على تجاهل ارماندو لها . فجلست امام المرآة تضع اللمسات الاخيرة على ماكياجها .
تمتمت بصوت منخفض وهي تتزين : اجل ؟ ..لا ؟ اللعنة !
راحت تتصور الامسية التي تنتظرها ببعض التخوف ولكنها فكرت في ان على زوجها الديناميكي ان يجيب عن اسئلة عديدة .
امسكت الثوب الجديد الذي اخرجته بوجل . بالامس عندما وقع نظرها عليه اختارته لا لشيء الا للانتقام من ارماندو , فهو ثوب بعيد عن الاحتشام يظهر مفاتن جسمها بوضوح . في هذه اللحظة شعرت بان ارتداءه فكرة غبيه خاصة وقد خبت قليلا في نفسها جذوة الانتقام .
كانت على وشك اعادة الثوب الى مكانه عندما دخل عليها ارماندو .
- متى طلبتِ من ميريان الحضور ؟
- في الـ7 . ووو
مد يده لتناول قميصا ابيض يليق بالبزة السوداء . كان رائعا بهذه الحلة التي أظهرت سلطته وقوته فشعرت بشوق الى معانقته .
ولكنها كرهت نفسها بسبب شوقها هذا فأسرعت تفتح سحاب الثوب الذي انسدل بحرية على جسمها , ثم أعادت اناملها بطريقة آلية السحاب الى مكانه .
- هل اخذت هذا الثوب بغية رفع ضغط الرجال في الحفلة الليلة ام رفع ضغطي انا ؟
- ولماذا اتعمد رفع ضغطك ؟
- النتيجة مذهلة , ولكنني لن استطيع الوقوف حارسا لك طوال السهرة لأدفع عنك الاهتمام الذي ستلقينه دون شك .
- حقا ؟ وهل تقترح ان اغير الثوب ؟
وامتلكتها رغبة جامحة في مواجهته , واجابها بعبوس :
- اجل .
- واذا اخترت العكس ؟
- ليس امامك الا ان تخلعيه بنفسك او انوب عنك بنفسي .
كان صوته قاسيا غير مرن , فأرتفع رأسها غضبا وعصفت عيناها كبحيرة متأججة :
- ايها الاناني المتعصب , لن تجرؤ على نزعه .
- اوه ... بل اجرؤ .
سرت رعدة باردة في اوصالها ومع ذلك قالت غاضبة :
- انه اخر صيحة في عالم الموضوة وقد كلفتني ثروة . زد على هذا انني لن اسمح لك بأن تملي عليّ ارادتك فيما يخص ملبسي .
فأمسك ذقنها وراح يشد عليه قبضته :
- توقفي عن المجادلة للمجادلة .
- انا لا اجادل !
- بتّ تعرفينين جيدا ومن المؤكد انك فهمت انك لن تكسبي شيئا بعنادك .
- اتعني انك لن تسمح لي !
صمت للحظات ثم قال غاضبا :
- المراة المحترمة لا تتعمد ابراز مفاتنها بطريقة واعدة .ارتدي هذا الثوب عندما نكون وحدنا وعندها ساكون شاكرا لك .
- اوه .. بالله عليك ! انا لا اصدق ما اسمع .
- صدقيني اذن ... والان غيري الثوب .
- لا .
- التحدي للتحدي اليان , الا تتصرفين بغباء ؟
- اذا كان يلذ لك ان تنتزع الثياب عن المرأة فيا افعل .
حملت عيناه غموضا لم تفهمه , فأرتجف فمها .
قال بصوت ثابت :
- غيري الثوب يا اليان او افعل هذا بنفسي .
- وان رفضت , اتعرض عليّ عقابا من نوع معين .
- احذري .. اعصابي متوترة سلفا .
- ولذا عليّ ان اذعن مهما كان الثمن ؟ هذا الامر يرتقي الى عصور البرابرة !
فارتفع حاجبه بسخرية :
- حتى الآن عاملتك بقفازات طفل .
- انت تمزح !
- الابله هو الذي يعض اليد التي تعطيه الحب الذي يريده . اكملي على هذا الدرب في اغضابي تري الفرق .
من الجنون السير في معركة كهذه ولكن "عذوووب"رغم ذلك ظل بعض العناد الجلف يرفض السماح لها بالاستسلام.
- لا تهددني !
- هذا ما ترينه ؟
- وما هي الكلمات الاخرى التي تختارها لوصف ما تفعل ؟
- اخلعي الثوب يا اليان , والا فتحملي العواقب .
وقفت دون حراك وكانما تجمدت اطرافها , وانفصلت عن سيطرة عقلها , اما هو فصّر على اسنانه ثم دنا منها تمتد يده الى السحاب فصرخت ,
ولكنها لم تستطع ان تحول دون سقوط الثوب على الارض عند قدميها .
ارتفعت ذراعاها تلقائيا لتستر نفسها , ولكن يديه امسكتا كتفيها فيما انحنى راسه اليها .
كان عناقه متملكا , عنيفا فحاولت مقاومته دون طائل ولكن هذا العناق الذي بدأ عنيفا لم يبلث ان رق ورق حتى ذابت بين ذراعيه وقد غابت الدنيا عنهما في دوامة لا نهاية لها .
ارادت ان تتهمه بالوحشية , ولكن كان في داخلها سعادة بدائية جعلتها لا تقوى على الاحتجاج .
بعد ذلك عادت وارتدت ثوبا زاهيا من الساتان الزمردي الاخضر ووضعت قلادة من الزمرد , ثم راحت ترسم شفتيها باحمر شفاه وردي وتزين عينيها بلمسة خفيفة
وعندما جهزت تماما امسك ارماندو يدها بخفة ورافقها الى الكاراج حيث سيارة المرسيدس .
- لقد اتصلت بصوفي وطلبت منها الا تؤخر العشاء بسببنا لأننا سنتاخر عصبا عنا . لقد حجزت طاولة في احد المطاعم وسنتعشى فيه وحدنا .ب
فأخذت نفسا عميقا ثم قالت :
- لست جائعة !
- عليك ان تأكلي شيئا ولو كان حساء .
كانت الساعه قد قاربت الـ10 عندما تجاوزت المرسيدس الحراس وانسلت الى موقف خاص بالابنية السكنية التي تقع فيها شقة صوفي .
وقفت اليان بصمت وهما يستقلان المصعد الى الطابق العلوي من البناء .




10 - وآبحر القدر

- أرماندو !
فوجئت إليان بصوفي تعانق بحرارة أرماندو الذي شعر بالإحراج ثملم تلبث المرأة أن ارتدت إلى الوراء قليلاً لتحول بصرها إلى المرأة الواقفة قربه : ( إليان)
ثم وضعت ذراعها تحت كوعه وقادته إلى الأمام ، فتمتمت إليان بأدب
( صوفي . . . ما أجمل رؤيتك !)
( كاذبة ) صاحبها صوت صامت ولكنها تفادت بقولها ذاك طعنات هذه الفاتنة السابحة فوق القمرالتي اسمها صوفي روستيل .
قالت صوفي بصوت أجش :
- لقد خيبت ظني بعدم حضورك وقت العشاء .
فأجابها أرماندو :
- لقد طرأ ما أخرنا .
وعندما نظرت صوفي إلى إليان نظرة استفهامية سريعةاختارت ابتسامة حلوة وسارعت تقول بأسف :
- لسوء حظنا .
وماتت الكلمات على شفتيها حينما أمسك أرماندو بيدها التي رفعها إلى شفتيه ليقبل كل إصبع على حدة .
أحست بنار سائلة تجتاح عروقها ، لتشعل نهاية كل عصب على إنفراد بعدما تركزت النار في لبّ أحاسيسها .
وكأنما فهم أفكارها إذ راح يمرر إبهامة فوق شرايين معصمها ،فأخذت نبضاتها تتسارع ، ولولا تذكرها جّام غضبها الذي انصب حينما أجبرها على خلع الفستان لتصورت أنهيقصد منهذه الحركة أن يقول بصمت . . . ماذا ؟ إنه يعتذر ؟ إنه نادم ؟قالت صوفي وهي تقودهما إلى غرفة الجلوس :
- أنا واثقة أنه لديكما سبب وجيه يا حبيبتي . سأحضر لكما شراباً ،ثم هناك ما أبحثه معك يا أرماندو .
والتفتت إلى إليان مبتسمة :
- يتعلق بالعمل .
ثم استدارت ، مستبعدة إليان تماماً :
- إنه بشان مسكن آل هولدن ، يجب عليك أن تثني لوسي عن اللون الوردي الذي تصر عليه . .
إنه حقاً غير ناجح .
تحركت إليان قليلاً وهي تراقب البسمة المنحنية على زوايا فم أرماندو والذي قال :
- إذا كنت أنت يا صوفي لم تستطيعي أن تؤثري فيها بنفوذك ،فعليك إذا أن تتقبلي الواقع لأن المنزل منزل لوسي ، وهي من تقوم بتسديد الفواتير .
- ولكن هذا يمس سمعتي .
- تخلي إذا عن المهمة .
لمعت عينا المرأة وهي تتنهد تعبيراً عن عدم الرضى وقالت :
- المشكلة إن لحديثي العهد بالثراء ذوقاً سقيماً .
تدخلت إليان قائلة لإجبار صوفي على الإلتفات إليها :
- لماذا لا تعرضي عليها نموذج أحد أعمالك السابقة ،فالتصاميم في المجلات وعينات الأقمشة التي لاعدد لها قد تكون محيرة .
بدا على صوفي وكأنها واجهت مقاطعاً متطفلاً ، فقالت تصرف الفكرة بكبرياء :
- هذا شيء مستحيل وهو يعتبر تطفلاً على خصوصية زبون سابق .
فردت عليها إليان بهدوء :
- لو كنت مسرورة حقاً (بديكور ) منزلي لوددت أن يشاركني آخرون بالديكور ذاته .
تقدم في هذه اللحظة شقيق صوفي ، دميان ، فألقى عليهما بإبتسامة ساخرة لا لبس فيها :
- آه . . . ها أنتم .
ونظر إلى شقيقته نظرة متسائلة سريعة ومنها إلى أرماندو قبل أن تحط نظراته أخيراً على إليان :
- تبدين فاتنة كالعادة . ماذا أحضر لكما من شراب ؟فقالت إليان دون تردد :
- مياه معدنية ستكون رائعة .
أما أرماندو فاختار شراباً خاصاً مع صودا .
- أرماندو .
قاطعهما صوت ناعم دافي فالتفتت إليان قليلاًُ فإذا بها لا تعرف صاحبة هذاالصوت النسائي الأجش . كان توقف الصوت عن الكلام متعمداً ، كلهجته المثيرة :
- ألم تصل المربية في الوقت المحدد ؟
-ابتسمت إليان ابتسامة مشرقة ، وقالت :
- أرماندو هو الملوم لأنه لم يوافق على ما أخذت من ثياب . . . و . .
وتوقفت عن الكلام . . . ، ثم هزت كتفيها ، ونظرت إلى أرماندو نظرة خبيثة ،وتابعت :
- ثم قادنا الأمر إلى أشياء أخرى .

انتفتح الثغر الجميل الملون بالأحمر القاني ، ثم اشتدت شفتاه حتى أصبحتا خيطاً مستقيماً .
فقال دميان وعيناه تبرقان بطريقة شيطانية :
- يا للصراحة يا حبيبتي . . أعتقد أن الامر كان يستحق تفويت العشاء ؟قالت صوفي بصوت ملؤة الإنتقاد اللاذع :
- يا دميان . . هل يجب أن تكون على هذه الدرجة من الفظاظة ؟
- زوجي في بعض الأحيان . .
ثم توقفت عن عمد لتطلق ابتسامة غامضة قبل أن تقول :
- لحوح جداً . . .
هكذا . . . وليفسروها كما يشاؤون ، اللعنة عليهم ! .
لقد أسقمتها تعليقاتهم التي كانوا يقصدون بها صدمها أو على الاقل إزعاجها .
قالت بنعومة لأرماندو :
- لا أعتقد أن دميان يحتج لو طلبت منه أن يسليني فترة ريثما تنهي وصوفي ما تريد أن تباحثه معك .
فقال أرماندو بعزم :
- سأتحدث إليها فيما بعد . هل لنا أن نختلط بالآخرين؟فلا يعقل لنا أن نحتكر اهتمام مضيفينا .
كشفت تعبيرات صوفي أن هقادر على احتكار اهتمامها ساعة يشاء ،ولم يبق أمام إليان خيار إلا أن تسير إلى جانب أرماندو وهو يقودها بين الضيوف . سألها أرماندو :
- ألم تكوني وقحة قليلاً في كلامك ؟
- وهل هذه لعبة أخرى يا أرماندو ؟
- أجد من غير المسلي أن تقوم زوجتي بتعليقات مثيرة أمام فتى مجتمع لعوب .
- دميان ؟ حقاً ؟ وماذا عن النساء اللاتي يحمن حولك كما تحوم الفراشة حول النار ؟
- ألا تبالغين بمأساوية ؟
- لا .
قالتها ببساطة ، فكان عليه إجبار نفسه على الوقوف جامداً ليرفع يدها ويمرر شفتيه عليها ،ثم يمر أصابعة على وجنتيها :
- وهل يزعجك هذا ؟أردات أن تصرخ به : أجل . . . إنه يزعجني ويؤلمني . . .
ومع ذلك فهي تعرف كيف ستشعر إذا ما اعترفت بهذا .
- ولماذا أنزعج ؟لمع بريق ما في عينيه لم يلبث أن خمد . قال لها ببرود :
- نستطيع المغادرة متى شئت .
فقالت بدهشة :
- ولكننا وصلنا منذ قليل .
- وهل تريدين البقاء ؟إنه سؤال مشحون ! ولكن ماذا تجيب عنه؟نعم هي لا ترغب في القاء ولكنها في الوقت ذاته غير مستعدة للعودة إلى المنزل .
- أرماندو ! ما أسعدني بك !
جاءت هذه المقاطعة في وقتها تماماً . نظرت إليان إلى الشقراء الصغيرة الجسدبإهتمام ، فيما راح أرماندو يقدمهما .
- لوسي هولدن . . .. هذه زوجتي إليان .
- يسرني لقاؤك . . أكاد أفقد عقلي ! المنزل رائع ، ولكنني اتساءل متى أستطيع السكن فيه ؟
- لقد ذكرت صوفي سوء تفاهم حصل بسبب مشروع الألوان . فما هي المشكلة ؟
- الظلام الوردي ، أنا عادة أختار ظلاً قرنفلياً ليتماشى مع اللون العاجي واللون المشمشي كأساس .
ولكن صوفي مصرة على اللون الوردي الفاتح تمزجه مع لون الفطر والليلكي . .
فما رأيك يا إليان؟يا إلهي ؟ لماذا أفحمتني في هذا ؟
- لن أتعدى برأيي رأي صوفي ، فهي ستشعر بالإهانة إن علمت أنك استشرت إنسان آخر .
قالت لوسي :
- ولكن رأيك يهمني .
- رأي من يا حبيبتي ؟كادت إليان تشهق عالياً وقد أدهشها أن لوسي لم تهتم بإصغاء صوفي إلى حديثهما .
قالت لوسي :
- لقد دعوت إليان لرؤية المنزل .
بدأ واضحاً أن القطة قد وضعت بين الحمام بعناية وقصد لأن صوفي نظرت إليها بحدة :
- حسناً بالطبع إذا كنت تقدرين رأي شخص من الخارج غير مؤهل أكثر من رأيي .. .
وسكتت متعمدة فأسرع أرماندو للقول بنعومة :
- إليان مصممة ديكور أيضاً ، وهي أهل لهذه المهنة .
جالت نظراته الدكناء على قسمات صوفي وكأنه يحذرها ثم انتقلت إلى لوسي :
- سأتصل بوكيل الطلاء غداً ، ثم أبحث معك أمر لقائك به في المنزل .
وكان ارتياح لوسي ظاهراً فلمست ذراع إليان :
- شكراً لك . . . سأرسل دعوات لتدشين المنزل حالما أستقر فيه ،وسوف تأتيان دون شك ، أليس كذلك ؟قال إرماندو بحرارة :
- سنكون مسرورين .

قالت صوفي بخبث عندما ابتعدت لوسي :
- هل هذا غزو جديد يا حبيبي ؟فقال ببرود :
- لوسي امرأة رائعة ، وزبونة ثمينة لدي ، ولكن هذا لا يعني أنها كذلك بالنسبة لك .
أحست صوفي بتكديره ، فتغيرات تعبيرات وجهها . وسألته بإستفزاز :
- وهل هذا انتقاد رمزي غير مباشر يا أرماندو ؟فليكن للعزيزة لوسي اللون القرنفلي الوردي والعاجي ، إذا كان هذها ماتريده .
وبما أن لها مثل هذه الأفكار المبتكرة ، فلماذا استشارت مصممة ديكور .
يجب إلا تنسى أن حديثي العهد بالثراء يعتبرون جمع الآراء شيء جيد ،وإن كانوا لا يريدون الإلتزام بها .
فقالت إليان :
- ربما مرد ذلك إلى رغبتهم فيفرض ما هو تابع من شخصيتهم .
هزت صوفي كتفيها :
- حقاً يا حبيبتي ؟ أتمنى ألا يكون قصدك من كلامك هذا إحداث تغييرات عديدة في منزل أرماندو . .
إنه رائع متكامل كما هو الآن .
وتدخل صوت ليقول :
- هذا إطرائ لا يصدق . . لأن لا يدلك في هذا الديكور .
قالت صوفي :
- دميان . . . هل كنت تسترق السمع ثانية؟وقبل أن تتاح لإليان فرصة الإعتراض ، كان دميان قد وضع يده تحت مرفقها قائلاً بإصرار :
- تعالي لأريك المنظر الرائع المطل من النافذة .
إنه آخاذ حقاً .
وكان رائعاً حقاً ! إذ لمعت خارج الرؤوس دبابيس صغيرة من الأضواءفي الأبنية العالية على طول خط الشاطىء المنحني كالقوس بإتجاه المحيط .
وكانت السماء زرقائ قاتمة نضرة هادئة ، تلتقي ، وتمتزج في الأفق مع المحيط الذي ينيره ضوءالقمر .
قالت إليان بصوت منخفض :
- إنه جميل .
- وهذا رأيي بك أيضاً .
تسمرت في مكانها عندما شعرت بحرارة صوته ولكنها قالت بخفة :
- سأقبل هذا منك لأن ما قلته ذكر في سياق الكلام .
سمعته يضحك وهو يقول :
- لقد حطمتني . . لقد تصورتك كالبريئة في الجنة .
- البراءة تنتمي للإطفال الصغار فقط .
- الإنتقاد والسخرية ممن رقتها تأسر الألباب هو البراءة بعينها .
أنت طفلة غامضة لها عينان صافيتان وابتسامة جميلة .
ليت أرماندو يقدر قيمتك حق قدرها .
ضحكت فأردف :
- ألن تعلقي ؟
- هل لي أن أختار عدم التعليق ؟
- إن فيك قيماً قديمة الطراز .
واتسعت عيناها حينما أمسك يدها فقالت :
- يُعتبر احترام خصوصية الإنسان من الأخلاق الحميدة .
لاحظت أن عينيه فقدتا تعبيرهما التعب لصالح حرارة حقيقية ، قال :
- يا للأسف ، لقد شاهدتك أرماندو قبلي . . .
والتفتت قليلاً . . .وراحت دون وعي تبحث عن رأس أسود مألوف في الغرفة المكتظة ,
وعندما التقت نظراتها بنظرات أرماندو الباحثة عنها أيضاً اتسعت عيناها . .
كان منشغلاً بحديث مع مجموعة من الرجال الذين التقتهم من قبل ،ولكنها لا تتذكر جيداً ، وكأنما عرف تقريباً أنها قد تبحث عنه ، فارتفع حاجبه متسائلاً .
وأحست في لحظة مجنونة أن كل ما يحيط بها قد تلاشى ،حتى لم يعد في الغرفة أحد سواهما . إن هذا جنون مطبق ،ولكنها أردات فعلاً أن تكون معه . ليس إلى جانبه فقط ،بل بين ذراعيه ، تمسك به عن قرب ، وتغدق عليه الحب والحنان .
ابتسمت ابتسامة مهتزة ، ثم أعادت ناظريها إلى دميان الذي انخرطت معه في حديث لم يكن له أهمية محددة ,
ولكن الحديث على ما يبدو كان شيقاً ، لأن دميان استجابت له بتدفق كلمات كادت ألا تسمعها أو تفهمها ، فهزت رأسهاوكأنما تحاول أن تسغي ذهنها .

ماذا دهاها ، بحق الله ؟
- دميان . . . هل تعترض إن أنقذت زوجتي ؟سمعت إليان صوت ارماندو العميق قبل ثانية من إحساسها بذراعه تعانق قدها .
شعرت بقشعريرة تجتاح كيانها كله وكأنها اعتراف صامت بوجوده .
قال دميان :
- أؤكد لك أنها لا تتعرض لأي خطر .
ليس من دميان على أي حال ، أما من أرماندو فالمسألة مختلفة . قال لها أرماندو وهو يحني رأسه إلى رأسها :
- هل نذهب ؟وهزت كتفيها :
- إذا كنت ترغب .
فأعترض دميان :
- لم يكد الليل ينتصف .
- لقد قلنا قبل أن نترك المنزل إننا لن نتأخر .
- اتصل بالمربية إذن .
- لا أظن .
في السيارة جلست إليان بصمت ، شاكرة الموسيقى الناعمة المنبعثة من مبكرات الصوت ،تاركة رأسها بكل بساطة متسلقياً على مساند مقعد المرسيدس المنطلقة في عتمة الشوراع .
عندما وصلا إلى المنزل ، قالت ميريان إن جوزف لم يتحرك من مكانه ثم توجهت إلى الخارج فرافقها أرماندو حتىالباب ، ثم عاد إلى المنزل .
خلعت إليان حذاءها ، ودخلت الحمام حيث راحتتزيل الزينة والمساحيق عن وجهها .
بدت قسمات وجهها شاحبة ، وعيناها كبيرتان جداً .
ما كادت ترفع الفرشاة إلى شعرها حتى دخل أرماندو الحمام فارتعشت يدها قليلاً لأنه اقترب منها ليأخذ الفرشاة من أنامها .
علمت أن عليها الإحتجاج ، ولكن الكلمات لم تخرج من شفتيها .
وقفت جامدة تحت لمساته ، وكأنها تحت تعويذة وهمية .
ثم أحست بإغراء لا يقاوم إلى إغماض عينيها ، وعندما توقفت ضربات الفرشاة أعلى شعرها ،رفعت أهدابها فالتقت نظرته بنظرتها في المرآة .
لف ذراعيه حول خصرها . ثم راحت أنفاشة تبعثر الشعر على رقبتها ، فتركت رأسها ينحني إلى الأمام بدعوة صامتة ،وهي عاجزة عن كبح تأثرها .
وكأنما يريد أن يختبر مدى تأثيره فيها ، فتراجعت لتلتصق به ،فيما ارتفعت يداه إلى كتفيها تديرانها إليه ، حتى باتت عاجزة كل العجز بين ذراعيه . . .
اجتاحتها عاطفة قوية شعرت معها برغبة في البكاء . . . وعندما رفع ذراعه تحت ركبتها ورفعها بين ذراعيه لم تستطع إلا أن تدفن وجهها في عنقه . . .
منذ أسبوع مضى . . . حتى الأمس كانت متأكدة من رغبتها في الفرار منه إلى بلادها . أما الآن ، ففكرة الهرب من أرماندو تبعث في نفسها الشكوك وعدم الإستقرار ، بل اليأس .
إن بقيت . . . يجب أن يكون لبقائها أسباب وجيهة ، محقة ، ولكنها شعرت بالريبة فيما إذا كان للحب دور في تعلقها ،ففي البدء كانت غايتها من البقاء جوزف ، أما الآن فتشك في أنه السبب .
استلقت إليان ، ما بدا لها ساعة من الوقت ، مستيقظة تحدق إلى السقف ،ومئات من المشاعر المتناقضة تخيم على تفكيرها وتصيبه بالإرتباك .
لم يبق شيء على ماهو عليه . . . لا شيء أبداً . . . انسلت من الفراش بحذر ،وبطء شديدين لئلا تزعج الرجل النائم بصمت قربها .
كيف يمكنها تركه ؟بل كيف يمكنها البقاء ؟اجتازت غرفة الجلوس حتى وقفت أمام مهد جوزف . . .
إنه إعز إنسان على قلبها . . إنه كل شيء في حياتها . . .
لم تستطع حبس الدموع في عينيها . .
شع نور القمر متسللاً من الستائر القاتمة ، مخلفاً مساحة من الظل والنور الفضي ،مغلفه أصابع الظل كل شيء آخر .
كان الدرابزين المحيط بالمهد يشبه رسماً ملائكياً لا يتصل أبداً بشكلها الأصلي ،والمهد نفسه عميقاً وقاتماً . . كقلبها تماماً .
يا الله . . . أكثير عليها أن تتمنى السعادة ؟ هل كانت غبية حين أملت أن تحققها ؟لم يكن لديها فكرة كم من الوقت ظلت واقفة هناك . . .
أنبأها إحساس داخلي بوجود أرماندو أكثر من أي صوت .
- ماذا تفعلين هنا ؟كان صوته عميقاً وجافاً ، فلم تستطع منع الرجفة التي غزت جسمها النحيل .
أمسكت يداه بكتفيها ، ثم انسلتا إلى ذراعيها فمرفقيها ، لتحيطا بعد ذلك بخصرها لتجذبانها إليه ,
قال لها بصوت منخفض :
- ستصابين بالبرد :
ولكنني أشعر بالبرد . . . اشعر بالبرد حتى أكاد أشعر أن ثلجاً يسري في عروقي بدل الدم .
ولن أشعر ما دمت حية بالدفء ثانية !
- عودي إلى النوم .
صاح صوت صامت في داخلها : لا ! . .
هذا الصوت صوت عقلها الباطني الذي راحت تخوض معه معارك كثيرة خاسرة ...
آلمت الدموع عينيها ، وغشيت الظلمة عينيها ثم انحدرت دمعتان كبيرتان كحبتي كريستال ،فأخفضت أهدابها . . .
- إليان؟

أدارتها يداه بلطف لتواجهه ، وهي عاجزة عن تجنب أصابعة التي أمسكت ذقنها لترفعة إلى الاعلى .
أطلقت هذه الحركة دموعها ، فلم يكن بإستطاعتها فعل ما يحول دون تساقطها البطيء .
من الصعب إلاينتبه إلى الدموع ، والأصعب إلا يعلق على سبب أنهمارها .
نظرت إليه ، ورأسها مرتفع بإعتذار ، والتحدي بارز بحدة .
كانت قسماته بادية من خلال دموعها التي رفضت أن تتوقف .
لقد علقت في المصيدة . . . وكانت تشعر بحزن عميق لأنها ربطت داخل نسيج عنكبوتي حريري تمسكها خيوطة لتتركها سجينة نفسها .
- دموع ؟لم تظهر عليه سيماء السعادة بل حزن عميق خافت أن تحلله . مرر إصبعه فوق دموعها .
- لماذا ؟لأجل كل الأحلام . . ولأجل الحب الذي علي تقديمة ومنحه .
- إليان؟صوته ناعم مخملي ، أنفاسة حارة تلفح خدها ، شفتاه دافئتان تلمسان صدغها وأجفانها . . .
إنه الإغواء في أخطر صورة . كادت تصرخ وهو يحملها ليعود بها إلى غرفة النوم .
وما أوقفها عن الصراخ الخيانة التي شعرت أن جسدها يقوم بها .
ولكن الإغواء الخالي من الإلتزام العاطفي ما عاد يكفي ،بل ما عادت قادرة على الإدعاء .
أنزلها بلطف لتقف على قدميها .
- والآن . . هل تخبرينني ماذا يزعجك ؟من أين تبدأ ؟ من الإعتراف بوقوعها في حبه ؟سرت رعشة هزت كيانها لأنها فكرت في السخرية التي ستطل من عينيه عندمايعرف أنها انضمت إلى النساء اللواتي وقعن ضحية سحره الفتاك .
- أخشى أن ألحّ في السؤال .
في صوته قسوة مالم تستطع فهمها ، قسوة أرسلت جفونها إلى الأعلى بدهشة . .
كانت تحس به يراقب مشاعرها المهتزة ، فأجبرت نفسها على التنفس بثبات للسيطرة على دقات قلبها العميقة .
قال أرماندو بلطف ، وقد رفع يديه ليمسك بوجهها :
- أرجوك .
هناك شيء مالم تجرؤ عل تصديقه ، ربما هو الأمل وقد طفق يتحرك في داخلها فقالت ( لا أظن أنني أستطيع ).
- حاولي . . .
هل تجرؤ ؟ ولكن إن بدأت بالقوم فهل يكتفي بالقدر الذي ستذكره أم يطلب منها المزيد . . . والمزيد . . .
قال أخيراً وهي غير واثقة من شجاعتها :
- يستحق جوزف أن تكون والده .
سود شيء ما عينيه أقسمت إنه الألم .
وإن صمت مطبق قطعة أرماندو بهدوء مخيف خطر :
- وماذا عنك ؟ أترين أنه لايستحق أن تكوني أمه ؟شعرت وكـأنها تمشي على البيض ، ولكن بما أنها بدأت فليس أمامها إلا المضي في الكلام . فانفجرت قائلة :
- أنا أحبه . . . كيف تشك في ذلك؟
- ليس حبك له بمعرض سؤال .
انقطعت أنفاسها ثم انفجرت في وقت شحبت فيه قسماتها ،فترنحت وخشيت الوقوع . فكرة أن يعرف أرماندو إلى أي حد بلغت عاطفتها ، أشعرتها بالمرض .
عليها الإبتعاد عنه حتى ولو مؤقتاً . قالت له متوسلة :
- أرجوك . . . دعني أذهب .
- أبداً .
ظهرت الصلابة واضحة في كلامه فخافت :
- ستعيد التفكير ثانية عندما تعرف أن السبب الوحيد لقبولي الزواج بك هو أن أطلب الطلاق وحق حضانة جوزف
القانونية . . . كنت أخطط منذ البدء للإنتقام النهائي .
ثم راحت تكافح بحثاً عن الكلمات المناسبة لأنها ما عادت تستطيع عند هذا الحد الإمتناع عن الإعتراف .
- سنتين . . ظنت أن علي البقاء متزوجة قبل أن أعود مع جوزف إلى إنكلترا .
كان صمته يضعفها فتاقت إلى أن تسمع كلمة . . . أية كلمة .
- والآن ؟
- ماذا تريدني أن أقول ؟
- حاولي . . . الحقيقة .
كانت روحها تبكي منهوكة القوى بدموعها الصامتة .
- متى تنتقم مني يا أرماندو ؟
- هل هذا ما تفكرين فيه؟
- أوه . . . لماذا تجيب عن كل سؤال بسؤال آخر ؟
- لأنني أريد الحقيقة كلها .
من المبكر أن تري روحها أمامه !
نعم من المبكر جداً . . فالمفترض أن يحدث الحب بالتدريج لا على حين غرة .
وكيف لها أن تعرف ما إذا كان هذا هو الحب الحقيقي ؟
- لا أستطيع . . .
صمت أرماندو طويلاً حتى أحست بالخوف ، وعندما تكلم كان صوته متوتراً بتصميم هادئ :
- حالما تعود روندا ورافاييل إلى الجزيرة تتوجه إلى روما جواً .
صدرت عن شفتيها شهقة دهشة ـ فضغظ بإصبعه عليهما لمنع كلمات الإحتجاج .
- سيسر أهلي الإعتناء بجوزف وحدهما فترة قصيرة .
- هل ترتب الأمور دائماً ، وليد ساعتها؟
- وهل تقولين إنك غير راغبة في الذهاب ؟
وقفت مترددة هنيهة لا زمن لها ، ثم همست أخيراً ( لا ).
ولكنها كانت تشعر دون أي شك أن قدرها قد أبحر دون أمــل بالعـودة

.
ارجوك أحبني


كان للأيام التالية طعم الأحلام .. ففيها لطف ظاهر واحساس بتوقعات سرية تغذيها لمسة يد .
قبلا بعض دعوات قليلة . مع ان إليان كانت عندما يخرجان تحس بالنظرات الصريحة غير الخفية , وبالهمس الذي كان يسري لأن ارماندو كاد لا يتركها تغيب عن ناظريه لحظة واحدة .
اما في المنزل فكانت تفعم نفسها بالسعادة كلما اعدت العشاء الذي كانا يتناولانه على ذوء الشموع او كلما راحت تتحدث معه حديثا مطولا عن أي شيء وكل شيء .
بعد يومين من عودة روندا ورافاييل من لوس انجلوس , طار ارماندو واليان الى روما حيث امضيا يومين في تلك المدينه القديمة قبل ان يستقلا طائرة هليوكوبتر الى جزيرة نائية صغيرة هي اشبه بجوهرة متوهجة وسط بحر زمردي شفاف على ساحل صقلية .
في الجزيرة حقول الكرمة , واشجار البرتقال وبساتين الزيتون , وفيها بضع عنزات وكلب يرعاها بحب وعناية زوجين عجوزين استقلا ارماندو بشغف ظاهر قبل ان يركبا في الهليوكوبتر نفسها لتقلها الى جزيرة اخرى لزيارة بعض الاقرباء .
تنهدت إليان عندما كان ارماندو يقودها الى منزل ابيض قديم مكسو بالجص يقع على هضبة .

كانت الغرف موزعة حول باحة كبيرة واسعة مليئة بالاثاث الاثري وبالسجاد العجمي الثمين الذي يغطي الارض المصقولة , وفي غرفة الجلوس أرائك مريحة ...
قال لها ارماندو :
- كنت امضي في طفولتي معظم عطلاتي في هذا المنزل .
- وهل عدت الى الجزيرة بعدما هجرتها ؟
- عدة مرات .
التفتت اليه تتأمل قوته الموروثة , وجاذبيته الفتاكة فتذكرت عدد النساء الاتي كن جزءا من حياته وغشيت ظلال سوداء بصرها .
- كنت اعود لأنضم الى روندا ورافاييل وجوزبيو . اذ كانت هذه الجزيرة ملاذ العائلة الداعم .
رسمت ابتسامة بارقة اخفت بعض الألم .
- الطقس دافئ ... هل نسبح قبل العشاء ؟
وصمت لحظة قصيرة , ثم تقدم منها وامسك يدها :
- ولماذا لا ؟
كانت المياه صافية كالبلور , فتحدت اليان ارماندو للتسابق في عرض الخليج الصغير , فقبل التحدي ثم تركها تربح عن قصد ضاحكا , اخذت قبضة من الماء ورمتها على صدره , فلما حاول جذبها الى ذراعيه حاولت الهرب ,
فقاومته هنيهة ولاعبته اخرى ثم لم تلبث ان استكانت بين ذراعيه وقد اعتلى وجهها مسحة من الجدية .
ثم امور عديدة تريد قولها ولكمات غير قليلة تود سماعها , ولكنها كانت خائفة من البدء .
بدا توتر خفيف تحت سطح سيطرة اورماندو على اعصابه , فنظرت اليه بصمت وهي تتذكر حبه وحنانه وعاطفته ...
لقد تعبت من المقاومة وفقدت الاهتمام بكبريائها العنيدة , قالت تهمس بصوت اجش :
- ارجوك ساعدني .
رفع يده الى شفتيها , ومرر اصبعه على شفتها السفلى :
- لماذا لا تبدئين من البداية ؟
ارتجف فمها وقد ترددت امام لحظة الحقيقة ... ان كان يتسلى باعترافها فسيكون الأمر رهيبا .
شرعت في الكلام , وعيناها تتوسلانه بصمت ان يفهم :
- كنت تمثل كل ما اكرهه في رجل , فأنت لا تطاق , متطلب , وواثق جدا من نفسك . اقنعت نفسي لأنني علقت في دوامة مشاعري التي استطعت اثارتها في اعماقي . لم اشأ ما شعرت به , وكان عليّ ان اقاوم بقوة لئلا اقع في حبك ...ولكنها لم تكن معركة رابحة , لأنني خسرت أي خسارة .
تنهد تنهيدة عميقة ازالت توتره كله ثم ضمها الى صدره وعانقها بلطف وعاطفة واحترام حتى عجزت عن الحراك . قال بهدوء :
- اعيدي الكلمة الاخيرة ثانية ...
همست وعيناها تترقرقان دمعا وشفتاها ترتجفان شوقا :
- احبك .
- لقد بدأت ايأس من اعترافك .
ضمها ثانية بقوة وكانه لا يريد ان يتركها ابدا .
ابتسم ابتسامة فيها استياء لم يحاول اخفاءه .
- ألم تحسي بما انزلته بي ؟ لقد سافرت الى لندن وليس في ذهني الا الحصول على جوزف مهما كلف الأمر , ولكنني وجدتك تحملين الطفل بشراسة . الطفل الذي اقسمت ان اتبناه كولدي . ثم رفضت التخلي عنه وأنا الذي كنت اظن انك ستكونين راضية بتسليمي اياه لتتابعي مشوار حياتك الخاصة ... ولم يكن هناك امرأة اعرفها تستطيع ان تلعب دور الأمومة ليتيم صغير. وعندما واجهتني بعدائك الحاد اردتك زوجة لأروض كبرياءك الرائعة , ولكنني لم افكر لحظة في ان مشاعري ستتورط معك .
كان في ابتسامته دفء غريب اشعرها بالوهن .
- لقد كنت شعلة من نار تقفين في وجهي عند كل منعطف . ومع ذلك احببت روندا ووالدي , وعاملت اصدقائي بلطف , ولم اجد الا نفسي تتعمد تحطيم دفاعاتك .
توقف وعاد يضمها اليه مطولا حتى احست بعظامها تنصهر حبا . ثم راح يشدها ويشدها , ولكنها كانت تقف دون حراك تترقب , تنتظر , تريد بيأس ان يقول الكلمة التي تتوق الى سماعها .
- اردت في بعض الاوقات قتلك لأنك عمياء ... احبك ... احبك .... .
وشدد على تأكيد كلامه بأن هزها بلطف .
فرض الفرح نفسه عليها وعندما راح يسري بسرعه البرق في رعوقها , مدت يديها لتطوقا عنقه وضعت وجنتها على كتفه , فأنزل يده تحت ركبتيها وحملها بين ذراعيه فمست :
- الى اين تاخذني ؟
- الى الداخل ...
انسلت ضحكة ناعمة من ثغرها حينما حملها الى رغفة النوم , وبرقت عيناها بوعد خبيث لم تستطع مقاومته , فقالت محتجة :
- ولكنني لست تعبة , ولا اريد النوم .
رفع يده ليرد بنعومة فائقة خصلة من خصلات شعرها عن وجهها ثم ابتسم ابتسامة دافئة ومغرية , ووقفت تحدق الى قسماته الحبيبة , والعاطفة تظهر جلية في عمق عينيه.
ودون ان تضيف كلمة , مدت يديها تجذب رأسه اليها وتضع خدها على خده , فزغردت احاسيسها حتى تكاد تنفجر فرحا ...
- ارجوك احبني ...
- سأحبك الى الأبد .

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
 

أسير الترحال

مشرف القسم الفلسطيني
#2
رد: عائده الى سجنك...فرانسيزرودينخ كامله

تحيتي وتقديري لكم
وددي قبل ردي .,.,.,!!