حكاية حب عن أبي المغيرة بن حزم مع الجارية أنس القلوب

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#1
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www.7bal3rab.com/vb/backgrounds/17.gif');background-color:rgb(65, 105, 225);border:2px solid orange;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

حكى الوزير الكاتب أبو المغيرة بن حزم عن نفسه. قال:
نادمت المنصور بن أبي عامر في منية
السرور الجامعة بين روضة وغديرِ، فلمّا تَضمخَ النّهار بزعفران العشيّ، ورفرف غراب الليل
الدَّجوجي، وأسبل الليل جنحه، وتقلّد السماك رمحه، وهمّ النسر بالطيران، وعام في بحر الأفق زورق
الدَّبَران، أَوْ قَدْنا مصابيح الراحِ واشْتمَلْنا مُلاَء الارْتِياح، وللدَّجْنِ فَوْقَنا رِواقٌ مَضْروب، غنَّتْنا عنْدَ
ذلك جاريةٌ منْ جواريه تُسَمَّى أنس القلوب:
قدمَ الليْلُ عند سيرِ النَّهار ... وبدَ البدْرُ مِثْلَ نصف سِوارِ
فكَأن النَّهار صفْحةُ خَدٍّ ... وكأنَّ الظلام خَطُّ عذارِ
وكَأنَّ الكؤوس جامدُ ماءٍ ... وكأنّ المُدامَ ذائبُ نارِ
نظري قد جنى عليّ ذنوباً ... كيف مما جنته عيني اعتذاري
يَالَقَوْمِي تعجّبوا منْ غزالٍ ... جائر في محبتي وهو جاري
ليت لو كان لي إليه سبيلٌ ... فأقضيَ من حبِّه أوْ طاري
قال: فَلَمّا أكْملت الغناء، أحْسسْت بالمعنى فقلت:
كيف كيف الوصول للأقمار ... بين سُمر القنا وبيض الشفارِ
لو علمنا بأنّ حبك حقٌّ ... لطلبنا الحياة منك بثارِ
وإذا ما الكرام همّوا بشىءٍ ... خاطَروا بالنُّفوسِ في الأخْطار
قال: فعند ذلك بادر المنصور إلى حُسامه، وغلّظَ في كلامه، وقال لها، قولي واصدقي إلى منْ
تُشيرين بهذا الحنين والتشوق. فقالت الجارية: إنْ كان الكذبُ أنْجى فالصدقُ أولى وأحرى. والله ما
كانت إلاّ نظرةٌ ولَدتْ في القلب فكرة فتكلم الحُبُّ على لساني، وبرَّح الوَجْدُ بكتماني، والعَفْوُ مضمونٌ
عنكَ عند المقدرة، والصَّفح معلومٌ منك عند المعذرة، ثم بكت، فكأنَّ دمعها دُرٌّ تناثر منْ عِقْدٍ، أوطلٌّ
تساقط منْ وردٍ، وأنْشدَتْ:
أذنبتُ ذنْبا عظيما ... فكيف منه اعتذاري
والله قدّر هذا ... ولم يكن باختياري
والعفو أحسن شيءٍ ... يكونُ عند اقتِدارِ
قال: فعند ذلك صرف المنصور وجه الغضب إليَّ، وسلَّ سيفَ السَُّخْط عليَّ. فقلتُ: أيَّدَكَ الله، إنَّما
كانت هَفْوَةٌ جَرّها القَدرُ، وصَفْوةٌ ولَّدها النَّظر، وليسَ للمرءِ إلاّ ما قُدِّرَ لَهُ لا ما اخْتارَهُ وأمَّلهُ. فأطْرَقَ
المنصورُ قليلا، ثمَّ عَفا وصَفَحَ، وتجاوزَ عَنّا وسَمح، وخَلّى سبيلي، فَسَكنَ وجيبُ قَلْبي وغليلي،
ووهَبَ الجارية لي، فَبِتْنا بأنْعَمِ ليْلةٍ وسَحَبْنا فيها للصَّبا ذَيْله، فلَمَّا شَمَّرَ الليْلُ غدائرهُ، وسلَّ الفجْرُ
بَواتِره، وتجاوبت الأطْيارُ بضروب الألحان، في أعالي الأغصان، انصرفت بالجارية إلى منزلي،
وتكامل سُرُوري وجَذَلي.
قول الجارية:
وبدا البدْرُ مثْلَ نصفِ سِوار
من قول الأمير تميم بن المعز:
وانْجَلى الغيْمُ عن هِلالٍ تَبَدَّى ... في يدِ الأُفْقِ مثل َنصفِ سِوارِ
وقول أبي المغيرة:
وإذا ما الكرام همّوا بشيء
البيت.
أخذه ابن الزقاق فقال:
وأحمدُ النَّاسِ في الصَّبابةِ مَنْ ... جُلُّ أمانيه في غَوَائِلِهِ
وأول هذه الأبيات:
أقبَل يختال في غَلائلِهْ ... ويشْتكي الظُّلْمَ منْ خَلاخِلِهْ
مُهَفْهَفُ الخصرِ غيرُ مُفْعمه ... مُطَوَّقُ الجيدِ غيرُ عاطِله
يحملُ زهر النجومِ وَهْوَ رَشاً ... مَنابِتُ الزَّهْرِ منْ خَمائلِه
تتَبَعُهُ الريحُ حيثُ سارَ وقَدْ ... هامَتْ بِرَيّاهُ أوْ شَمائله
فتَلْثِمُ التُّرْبَ منْ مَواطِئِهِ ... أوْ أثر المِسْك منْ ذَلاذِلِه
بتُّ به ليتني قَتِيلُ هوىً ... لا يتمنى بغيرِ قاتِلِهِ
(وأحمد الناس) البيت. وقول الجارية في القطعة الثانية: (والعفو أحسن شيء)، معناه واضح.
ومنه قول أبي يحيى بن صمادح:
مالي وللبَدْرِ لم يَسْمَح برُؤيتِه ... لعَلَّه تَركَ الإجْمال أوْ هَجَرا
إنْ كانَ ذلكَ لِذنب ما شَعرْتُ به ... فَأكْرَمُ النَّاسِ منْ يَعْفُو إذا قَدَرا
وفي العفو قالت الحكماء: (أولى الناس بالعفوِ أقدَرُهم عليه).
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (ما قُرنَ شيءٌ إلى شيء أفْضل منْ حِلْمٍ إلي عقْل، ومنْ عفوٍ
إلى قُدْرَة).
وقال رجل مُذْنب للمنصور، وقد سَخِط عليه: ذَنْبي أعظمُ من نِقْمتِك عليَّ، وعَفْوكَ أعْظمُ منْ ذَنْبي،
فَرَضي عنهُ.
وقال له رجل آخر، قد استوجَبَ العقاب، وهو قد مثُلَ بين يديه: الإنتقامٍ عدْلٌ، والتَّجاوُزُ فَضْلٌ،
ونحنَ نُعيذ أمير المومنين بالله، أنْ يرضى لنفسه بأوْكَسِ النَّصِيبَيْن، دُون أنْ يَبلُغَ أرْفَع الدَّرَجَتَين.
وقال له آخر في المعنى: إنْ عاقبتَ جَزيتَ، وإن عفوتَ أحسنْتَ.
والعَفوُ أقربُ للتقوى.
ونظم الشاعر هذا المعنى فقال:
فإن كنت ترجو في العقوبة راحةً ... فلا تَزْهَدَنْ عند المعافاة في الأجر
وقال الآخر أيضا في المعنى:
إن كان جُرْمي قدْ أحاطَ بِحُرْمتي ... فأحِطْ بِجُرْمي عفوكَ المأمولا
مع أطيب الأمنيات[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
 

بنوته مصريه

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#2
رد: حكاية حب عن أبي المغيرة بن حزم مع الجارية أنس القلوب

يسلموا على القصة القيمة والرائعه