كابوس الحاكم

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#1


ما إن أغمَضَ عينيهِ و أخلَدَ لِلنَوم،و أسدَلَ جِفنَيهِ في آخرِ اليوم، حتى راعهُ صوتُ صُراخٍ هائل: لقد فاتَ الأوانُ و إنقضى عَهدُ الأمانِ يا قاتِل! فارتَعَدَ فَرَقاً و تَجَمَدَ الدَمُ في عُروقِهِ، و باتَ قَلِقا،فنادى على كبيرِ حُراسِهِ و مُرافِقيهِ: هَلُمَ إلَيَ بالماءِ، قَد جَفَت عُروقي و نالَ مني الظمأ، قالَ لهُ: سيدي لَم نَجِد في القصرِ من ماءٍ، فهَلا خرجنا سوياً نطلُبُهُ في الأرجاءِ؟.. و ما هيَ إلا لَحَظاتُ حتى أشرفَ على خَزانِ المدينةِ،فَتَهلَلَ وجهُ الحاكمِ و عَلاهُ السُرورُ و الطمأنينة،فأشار بجلبِ الماءِ لأحَدِ مرافقيهِ،و كُلُهُم يَتمنى أن لو كانَ ساقيهِ، دونَكُم ذلكَ الخزانُ العملاقُ، نَقِبوا فيهِ و ليَجِدِ الماءَ سبيلهُ ليُرَطِبَ مني الأعراقَ، قالوا سَيِدي عُذراً مِنكَ و السَماح،فهذا الماءُ لأمثالِكُم ليسَ مباح،قَد نَصَبناهُ فَخاً لِمُبغضيكُم منَ الرعاع،و ملأناهُ سُمّاً مِن سَطحِهِ حتى أسفَلِ القاع! فَاكفَهَرَّ وجهُهُ و قال: سُحقاً لِمَن أوحى إليكُم بِهذِه الفِعال. و لَم يَشأ أن يَرُدَ علَيهِ مَن يقول:بأنَك يا سيدي صاحبِ الأمرِ المَهول، و ما لَبِثَ أن تناهى لِسَمعِهِ نفسُ الصوت، و لم يستطِع الفرارَ منهُ و الفَوت، لَقَد فاتَ الأوانُ و انقَضى عَهدُ الأمانِ يا قاتِل، و أسمَعَت لهُ المعدةُ صوتاً من الجوعِ، و تَمَردَت عليهِ بَطناً قَلَما كانت تجوع، فاشتهى الخُبزَ و تَمناهُ،فأسرعَ الحُراسُ لِتحقيقِ مُبتغاهُ،و لاحَت إحدى المخابزِ في نهايةِ الشارِع،و جُدرانُها مُلطخةُ بِلونٍ أحمرٍفاقِع، فما وجَدوا فيها سِوى بِضعُ أرغِفة،لَم تَعتَد أن تَلوكَها الأفواهُ المُترَفة، فَتَبَرَم الحاكِمُ و قال: أينَ الخُبز بل أينَ الرِجال؟!..و لَم يَدرِ أنهُم كانوا ضحية الحربِ و القتالِ،فَهربَ من أسرَعَ منهم في النجاءِ و غَيرهم صارت لهُم مقابراً تِلك الأطلال، فقطعَ عليهِ السكونُ مرةً أخرى،ذلك الصوتُ مصحوباً بالصَدى:لَقَد فاتَ الأوانُ و انقضى عَهدُ الأمانِ يا قاتِل.
و عَبَثاً حاولَ أن يَصُمَ الآذان،و الصَوتُ كادَ أن يُحَطِم الجُدران،ثُمَ إنطلقَ على عَجَل،فَرأى من بعيدٍ ثَمَةَ طِفل، فَنادى عليهِ أي بُنَي،هَلُمَ إلى حاكِمِكَ هَلُمَ إلَي، فَنَظَرَ إليهِ الطِفلُ و الأسى، قد حَفَرَ في عَينَيهِ جِراحاً لا تُنسى، و أجابَهُ بِصَوتٍ خافِتٍ ضَعيف،إذ أضناهُ الجوعُ و غَدا جِسمُهُ مُضمَحِلٌ نحيف،: لِمَ أبقَيتَ عَلَيَ مِن دونِ الأهل؟! يا لَيتَهُ حانَ و انقَضى مني الأجَل،و فَهِمَ الحاكِمُ كلامَهُ و وَعى مغزاهُ،خَطَفَ جُندُهُ أرواحَ من كانوا لهُ أسرةً و شاطَروا مأواه، ثُمَ سَقَطَ الطِفلُ و هَوى صريعَ الحسراتِ،و خَيَمَ الوجومُ على الوجوهِ الكالِحات، و ما كانَ لِيَبقى طويلاً أمامَ هذا المَشهَد،فَتَذَكَرَ أولادَهُ و تَمَنى لَو أنَهُ عَنهُم لَم يُبعِد. فَقالَ أرجِعوني لٍلقَصرِ على عَجَل،قَد تَمَكَنَ مني الجَزَع و صابَني الوَجَل.
و ما أن وَصَلَ مشارِفَ القَصرِ..حتى رأى ما لَم يَكُن في حُسبانِهِ مِن أمر،فَالقَصرُ أضحى خَراباً بَعدَ عِمران،و أثراً بَعدَ عَينٍ لا فيهِ إنسٌ و لا جان. فَهالَهُ ما رأى جداً و فَزِع..يا وَيحَ نَفسي أ تُراهُ الثَمَنُ من أُسرَتي قَد دُفِع! و أخَذَ يَندُبُ حظهُ العاثرِ،تعساُ لِكُرسيِ الحُكمِ تَبَاً لِمَن أعمَلَ في شَعبِهِ مجازِر. و ما هِيَ إلا لَحَظاتٌ و أحاطَت بِهِ جُموعُ الثُوارِ،تُنادي بِالقَصاصِ منهُ تَطلُبُ الثأرِ. فَصاحَ مُرتَعِباً: لَيتَني مِتُ قَبلَ هذا اليومِ..يا لَيتَ أُمي لَم تَلِدني و لَم ألتقي بهؤلاءِ القَوم، و مَعَ أولِ رشقاتِ بنادِقِ العَسكَر،هَوى مِن سَريرِهِ و ضِلعِه تَكَسَر.فَقَد كانَ يَغِطُ في نَومٍ عَميق، و ما ذاكَ إلا كابوسٌ بالكادِ مِن صَدمَتِه يفيق. فَاستَيقَظَ مَذعوراً و العَرَقُ بَلَغَ منهُ حتى أُذُنَيهِ..فَهَل سَيُدرِكُ نَفسَهُ قَبلَ أن يأتيهِ يومٌ لا يَشتَهيهِ!. إنها حِكايةٌ عَن حاكمٍ كُلُكُم تَعرِفوه,,تَسَلَطَ على رِقابِ الوَرى هُوَ و أخوهُ، ما زالتِ الأمةُ تَدعو عَلَيهِ..عساهُ عاجِلاً يلحقَ بِأبيهِ.و تَبقى كَفَةُ الشُعوبِ في رَجحانِ..مَهما استَبَدَ و تَجَبَرَ السُلطانِ،فَيا حُكامَ المُسلِمينَ اتَعِظوا،بِمَن سَبَقَ إلى الهَلاكِ و انقَرَضوا.فَالحُكمُ لِلهِ جلَ في علاه،يُعِزُ من يشاءُ و يُذِلُ من كان الكِبرُ مسعاه..
هذه حكايةُ بقلمي كتَبتُها، لِ "منتدى حبُ العربِ " أهديتها..فَلَكم يا أحبابي أطيب الأمنيات، و السلام عليكم و رحمةُ اللهِ و البركات.
fhgsgddde
 
7

7aidar

Guest
#2
رد: كابوس الحاكم

نال اعجابي ما قرأت
سلمت يداك
شكرا على هذا الطرح
دوم ابداعك وتميزك
تحياتي
 

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#3
رد: كابوس الحاكم

منورين القصة أختي الكريمة..أسعدني تواجدك العطر..مودتي و تقديري لك..شكرا لك
 

يويا

مراقبة الاقسام الفنية
#4
رد: كابوس الحاكم

يّعطٌيّكـ ألعافُيّة .. على ألطٌرحً ألرائع
مانٌنٌحًرم منٌ جَدُيّدُكـ ألمميّز
 

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#5
رد: كابوس الحاكم

منورة الموضوع غاليتنا يويا..اسعدني تواجدك العطر..شكرا لك