فيلم المدينة المفقودة z

بنوته مصريه

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#1
في أوائل القرن العشرين، توغل بيرسي فاوست في أعماق أدغال الأمازون بحثا عن مدينة الذهب والذرة التي أشيع أنها توجد في قلب الأدغال. ولعل تصوير المخرج والمؤلف جيمس غراي لمغامر أضناه البحث عن المدينة المفقودة ولم يهنأ له بال، كفيلا بأن يجعلك تقدم على مشاهدة فيلم "المدينة المفقودة زد" المفعم بالحركة والأحداث، إلا أن هذا الفيلم يتميز عن أفلام المغامرات الطويلة التقليدية بأنه يتبنى رؤية ثقافية واضحة.
وضع غاري شخصية فاوست في سياق عصر الاستكشافات والامبراطورية البريطانية، ملقيا الضوء على نظرة الرجل الغربي آنذاك لسكان غابات الأمازون الذين وصفهم بأنهم "بدائيون"، ولم يفته أن يبرز عجرفة وتصلف مواطنيه. وفي بداية الفيلم، رفض فاوست، وكان رائدا في الجيش، دعوة على العشاء، بعدما وصفه أحد أعضاء القيادة العليا بأنه: "لم يكن محظوظا في اختياره لأجداده".
ومن السهل أن نسخر الآن من هذه الافتراضات المتغطرسة، ولكن أكثر ما يميز إخراج غراي وتجسيد تشارلي هونام العميق والجذاب لدور فاوست، أنهما ينقلان المُشاهدين إلى الماضي وكأنما يعيشونه، لينفذوا إلى صميم رحلة فاوست الحقيقية، فقد ارتقى من ضحية لعصره إلى بطل في صدارة المشهد الثقافي آنذاك.
يبدأ الفيلم بعرض مظاهر البذخ والدعة في المجتمع الذي لا يرحب بفاوست، والتي تجلت في مشهدي الحفل الفخم وصيد الثعالب المفعم بالحركة، وتخلل المشهدين حديث حميمي رقيق بين فاوست وزوجته، نينا، التي تألقت في تجسيد دورها سيينا ميلر بأداء أقرب إلى الطبيعي. وكان يلقبها بالجريئة، ويفصح لها عن قلقه حيال كرّ السنين وتعاقب الأيام، وعن شعوره بالفشل.
وتحدد المشاهد الأولى للفيلم إطار شخصية فاوست والوتيرة البطيئة لأحداث الفيلم. ويلاحظ أن الفيلم، على اختلاف أحداثه، يأسر انتباه المشاهد ويستميله لمتابعته ولا يعمد إلى استخدام عنصر التشويق ليجبره على المتابعه، حتى في اللحظات الأكثر إثاره منه التي دارت في الأدغال.
ولهذا فمن شعر أن فيلم غراي السابق "ذا إيميغرانت" المهاجر، كان يسير بوتيرة بطيئة سينتابه نفس الشعور حيال فيلم "المدينة المفقودة"، أما من راق له هذا الإيقاع واعتاد عليه فسيستمتع برحلة استكشافيه زاخرة بالأحداث داخل عقل مستكشف في عهد الملك إدوارد الثامن، ملك بريطانيا.
وحين كلفت الجمعية الجغرافية الملكية فاوست بالذهاب إلى بوليفيا لترسيم الحدود مع البرازيل، لم يتردد في قبول التكليف، على خطورته، طمعا في استرداد شرف عائلته بعد أن دنسه أبوه المقامر مدمن الخمر، مخلفا وراءه نينا، التي لم تكن قد وضعت حملها بعد، إلا إنها تفهمت أنه سيعرض نفسه للمخاطر لمصلحة العائلة على المدى الطويل.
رحلة الاكتشاف
في الرحلة الاستكشافية الأولى سنة 1906، يطل روبرت باتيسون ليجسد دور هنري كوستن، المعاون الوفي الصموت لفاوست. وقد بدا باتينسون رث الهيئة، أشعث اللحية، يرتدي نظارة ذات إطار معدني، وقد تفادى هونمان بأسلوبه الخاص تحول الفيلم إلى قصة علاقة بين الرجلين في الأدغال.
ورغم أن كوستن لم يبد أي مشاعر في الفيلم، إلا أنه كان جزءا من الأحداث الكبرى التي واجهها الرجلان حين كان يرشدهما أحد السكان الأصليين لأمريكا الجنوبية في الزوارق والأطواف الخشبية للوصول إلى منبع نهر ريو فيرد في البرازيل.
وصمدا أمام الشمس الحارقة، وتمكنا من تحاشي السهام التي أطلقت عليهما من على ضفاف النهر. وبعد أن تقطعت به السبل، استطاع فاوست، بدهاء، أن يهدئ مخاوف الهنود المهاجمين ليتوقفوا عن مهاجمتهم، بعد أن غنى لهم مع أصدقائه البريطانيين إحدى الأغاني الوطنية البريطانية "جنود الملكة". ثم سمع أخبار عن المدينة المفقودة، ووجد أجزاء من أوان فخارية قديمة تدل على وجود حضارة متقدمة.
ورغم أن فكرة البحث عن المدينة التي سماها فاوست "زد" قد استحوذت على عقله، إلا إنها لم تدفعه إلى الجنون ولم يصب بهوس العظمة، كحال غيره من المستكشفين في بعض الأفلام الأكثر شهرة، مثل كيرتز في فيلم "نهاية العالم الآن" أو شخصية أغيري في فيلم "أغيري غضب الرب". فلم يتوقف فاوست لحظة عن التفكير في زوجته وأطفاله، حتى في أدغال الأمازون. وعندما عاد فاوست ألقى كلمته أمام الجمعية الجغرافية الملكية، حاملا بيده أجزاء الأواني الخزفية القديمة، في مشهد يكشف عن مدى اتساع أفقه وانكشاف الحقائق أمامه.
وعندما أشار في كلمته إلى أن الحضارة التي اكتشفها في أمريكا الجنوبية ربما تكون أقدم من الحضارة البريطانية، سخر منه الحضور. واتهم زملاءه الذين لم يكترثوا له بأنهم "منساقين وراء تعصب الكنيسة".
وعاود فاوست وكوستن البحث مرة أخرى، وهذه المرة في رحلة لم تكتمل بعد أن أفسدها هاو رافقهما فيها. ولم يكدا أن يعودا إلى الوطن حتى دقت طبول الحرب العالمية الأولى. وحارب فوسيل، وقد شارف حينذاك على منتصف العمر، ببسالة في معركة السوم. وتعامل غراي مع مشاهد المعركة وجميع المشاهد المؤثرة الأخرى بمهارة وهدوء. وقد رصد غراي في أعماله السابقة واقع حياة العصابات في العصر الحالي بصراحة وبلا رتوش، مثل فيلمي "نحن نملك الليل" و"الأفنية الخلفية" (ذا ياردز).
أما فيلم المدينة المفقودة فقد جاء مكملا لطموحه التاريخي المتميز الذي بدأ من فيلم "المهاجر"، حيث لعبت ماريون كوتيلارد دور امرأة بولندية أجبرت على ممارسة الدعارة في مطلع القرن العشرين في نيويورك
 

بنوته مصريه

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#2
رد: فيلم المدينة المفقودة z

رحلة في الأعماق
وبمساعدة المصور السينمائي داريوس خوندي، أضفى غراي على كل مشهد ما يناسبه من مؤثرات، فأظهر المدينة المفقودة هادئة بتخفيف حدة اللون والضوء، أما المشاهد التي صورت في أوروبا فقد تغشاها ضباب بني، وفي الأدغال خفف من درجة اللون الأخضر. ولا تجد في الفيلم مشاهد تتزاحم فيها الألوان، حتى المشاهد الخاصة ببوليفيا، التي صورت في كولومبيا، نقل غراي المُشاهد إلى قلب الأحداث حتى يكاد يهمّ بإبعاد الحشرات.
وفي بعض اللقطات، استخدم غراي الظلال في تصوير هونمان ليضفي على صورته رونقا وجاذبية تضاهي جاذبية أشهر أبطال الأفلام الرومانيسية. إلا أن هونمان، الذي اشتهر بمهارته في قيادة الدراجات في مسلسل "أبناء الفوضى"، يبرهن في فيلم المدينة المفقودة على قدرته على الولوج إلى أعماق الشخصية التي يجسدها، إذ نجح في التعبير عن مختلف المشاعر التي انتابت فاوست حين كانت تتجاذبه قوتان، الطموح والمسئولية.
وفي عام 1925، انطلق فاوست في بحث جديد عن المدينة زد، وهذه المرة بصحبة ابنه الأكبر، جاك، الذي لعب دوره توم هولاند، ببراءة ممزوجة بالإصرار. ويقول جاك لأبيه: "سيأتي الأمريكيون إلى أراضي الهنود بالأسلحة، وعلينا أن ندعو الله ألا يبيدونهم". وهذه الكلمات، مثل بعض ملاحظات نينا التي تنادي بحقوق المرأة قبل ظهور حركة النهضة النسائية، من العبارات السطحية المباشرة التي لا تصلح للاستخدام في سياق حوار، ولكنها لم تظهر إلا نادرا.
وفي القصة الحقيقية، اختفى فاوست وجاك أثناء رحلتهما، وظل مصيرهما مجهولا. ولكن دافيد غران، مؤلف القصة الأكثر مبيعا، التي استوحي منها الفيلم، اقترح حلا لاختفائهما الغامض وللمدينة المفقودة زد. أما غراي، فلم يضع لفيلمه نهاية واضحة، وتخيل اللقطة الأخيرة بروعة تأسر العقول.
شكلت رحلة غراي الخيالية إلى شخصية فاوست ملامح هذا الفيلم عميق الدلالة. ورغم أن فاوست كان سابقا لعصره في نظرته للهنود، إلا أنه لم يتخل حتى النهاية عن اليقين والفضيلة، وهما صفتان عرف بهما المغامرون المتأثرون بقصص روديارد كيبلنغ، مؤلف قصص المغامرات الشهير، منذ عقود مضت. وعندما أحاط بهما أعضاء القبيلة المعادية قال فاوست لابنه: "كن شجاعا، لن يصيبنا إلا ما قُدر لنا".