نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

أسير الترحال

مشرف القسم الفلسطيني
#1
بقلم: د. عاطف أبو سيف


ليس انسداد الأفق وحالة الجمود التي يمر بها المشهد السياسي الفلسطيني وليد صدفة تاريخية او هو نتاج عامل واحد، بل تتضافر جملة من العوامل كما تتفاعل مجموعة من اللحظات التاريخية في الدفع باتجاهه. من هذه العوامل ما هو ذاتي متعلق بالفلسطينيين انفسهم وتكويناتهم الداخلية وتفاعل هذه التكوينات فيما بينها وبالتالي هم مسؤولون عنه بشكل كامل، ومنها ما هو موضوعي يتعلق بالسياق الاوسع للصراع الذي يخوضونه من اجل استعادة حقوقهم الوطنية المسلوبة او يتعلق بالإقليم المضطرب الذي يعيشون فيه ويتفاعلون معه. والنتيجة الحتمية لمثل هذه التفاعلات مختلفة الأشكال والمكونات وتتمثل في أن الفلسطينيين لاعتبارات كثيرة هم الطرف الأكثر تضرراً لأنهم الطرف الخاسر منذ بداية الصراع وهم الطرف الباحث عن تحسين شروطه في مواقع الصراع المختلفة.
إن تأمل السياق الفلسطيني والتعمق في تفاعلاته الراهنة مع اجراء عمليات حسابية بسيطية حول الربح والخسارة بالنسبة للفلسطينيين عند معاينة الوضع الراهن تدلل بكثير من اليقين على ان الفلسطينيين يخسرون أكثر مما يربحون. لا مجال في مثل هذه المراجعات ان يتم تراشق الاتهامات او توزيع المسؤوليات، لان ما يفيد الكشف عن أفضل الرؤى وتطوير استراتيجيات تستطيع ان تحسن من شروط الفلسطينيين ومن مقدرتهم على صوغ برامج تقربهم اكثر من تحقيق تطلعاتهم الكبرى ضمن الانجراف وراء اللحظة الراهنة وشروطها. مرة أخرى إن جردة الحساب السريعة تقول إن الفلسطينيين يخسرون اكثر مما يربحون وأن ثمة عوامل كثيرة قادت لهذه الحقيقة لكن المحقق بأن الفلسطينيين بحاجة للبحث في ادائهم السياسي وفي برامجهم وخططهم السياسية من أجل التعرف الى مكامن الخلل وتطوير رؤى استراتيجية قادرة على حمل المشروع الفلسطيني اكثر نحو تحقيق ذاته.
في ظل انسداد الافق الحالي وفي ظل عدم مقدرتنا على الاستفادة من الوضع الراهن لانه مضر بشكل كبير بمصالحنا وبمقدرتنا على تحقيق حلمنا الوطني فإننا بحاجة لتطوير أدواتنا السياسية بما يوفر لنا مواقع جديدة نسجن فيها شرطنا ونقترب اكثر من تحقيق مشروعنا. لننظر في اللحظة السياسية الراهنة بشيء من الصراحة كي نكتشف اننا في حالة من البؤس.
فإذا كانت استعادة فلسطين وما يتعلق بهذا من حقوق وتبعات سياسية خاصة حق الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال هي جوهر النضال التحرري الفلسطيني فان الادوات المستعملة حتى الآن لا تقربنا كثيراً من ذلك. فالعمل الكفاحي المسلح تم اختزاله عبر سلسلة طويلة من التهدئات التي لا تخدم إلا الرغبة في المحافظة على الوضع الراهن. كما ان العمل السياسي والتفاوض على قاعدة الدولتين ايضاً صار في مهب الريح حيث ان إسرائيل الشريك المفترص لم تفوت فرصة لتقويض هذا الحل إلا استغلتها. ايضاً الربيع العربي المأمول منهمك في خلخلة نفسه وتضييع فرص الديمقراطية من بين ايدي الشعوب. أيضاً السياق الفلسطيني الداخلي مضطرب مع تعثر المصالحة كلما اقتربنا منها. وبعبارة بسيطة فالفلسطينيون لا يقاتلون ولا يفاوضون ولا يتصالحون ولا يعملون شيئاً حقيقياً. إن خلاصة مثل هذا القول انهم بحاجة للبحث في كيفية الخروج من هذا المأزق الراهن.
يشمل هذا اولاً البحث عن مكامن القوة ونقاط الضعف لدى الفلسطينيين وهي مهمة لن تكون صعبة لكنها بحاجة لأن نتحلى بقدر من الصراحة والتواضع والمسؤولية. فلسنا بحاجة لتضخيم انفسنا كثيراً ونلبس أثواباً نحن اول من يعرف انها لا تليق بنا أو انها اكبر منا أو اننا جربناها وفشلنا، كما أننا بحاجة للمسؤولية في تحمل الاخطاء وتقييم التجربة لا المكابرة والزعم والحقائق المطلقة والصراحة هي اهم شيء في كل ذلك. إن التعرف الى نقاط القوة ومصادرها وهي ليست بالضرورة قوة مادية لكن تأثيرها من شأنه ان يحسن استفادة الفلسطينيين السياسية، كما ان مصادر القوة قد لا تكون مباشرة ولصيقة بالفلسطينيين وحدهم. ما يقترحه هذا المدخل ان ثمة حاجة لتبصر حقيقي في نقاط ومصادر القوة وكيف يمكن للفلسطينيين الاستفادة منها، والشيء ذاته ينسحب على نقاط الضعف ومصادره ومؤثراته. لان هذا لا يشمل فقط مكامن الضعف بل الاجابة عن أسئلة اوسع واعمق من باب ما الذي يؤثر في مستوى القوة والضعف لدى الفلسطينيين وكيف يمكن للفلسطينيين ان يترجموا هذه إلى مصادر وذخر سياسي ميداني.
إن البحث في الآليات التي نجح الفلسطينيون خلالها في تحسين شروطهم وموقعهم في مراحل الصراع المختلفة سيبدو مهماً في تطوير أية استراتيجية فلسطينية جديدة تحمل في طياتها بدائل محتملة يتم توجيه النضال التحرري الفلسطيني وفقها. والمؤكد ان مثل هذه اللحظات كثيرة وسجل خلالها الفلسطينيون تقدما واضحاً ولم يعودوا مجرد متلقين سلبيين لسياسات العدو الاحلالية ولا لتوجيهات الأشقاء العرب الذين ضاعت فلسطين وانتكبت وجيوشهم تنتظر الاوامر بالتحرك لانتظارها. لقد شكل انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1965 ظاهرة فريدة نجحت في تحسين الشرط النضالي الفلسطيني وموقع الفلسطينيين في الصراع، بالطبع تحمل هذه اللحظة التاريخية لحظات اخرى في حواشيها تتركز في انتقال الفلسطيني من مجرد لاجئ يبحث عن حياة إنسانية في مخيمات اللجوء إلى مقاتل باحث عن الحرية يمتلك خطابا قادرا من خلاله ان يعبر عن تطلعات وآمال وطنية تنجح في كسب عطف احرار العالم وبعض دوله على المستوى الرسمي. إن النظر في اشتباكات التاريخ الفلسطيني المعاصر يمكن ان يكشف لنا عن الكثير من لحظات القوة الفلسطينية التي يمكن أن تكون منارة لنا حين نضع الشروط الذاتية والموضوعية التي يمكن لها ان تساعد الفلسطينيين في تحسين شروطهم ومواقعهم في الصراع. تشكل أيضاً الانتفاضة الاولى لحظة فارقة في التاريخ الوطني الفلسطيني من حيث التجربة والتأثير ونوع النضال وعن مراجعة شافية ووافية ومعمقة للانتفاضة وأساليبها يمكن لها ان تكشف لنا حقيقة، خاصة بعد مرور ربع قرن عليها، اننا كفلسطينيين لم ننجح في استخلاص العبر والدروس منها وتطويرها.
يتبع ذلك البحث في الخيارات المتاحة وتحليلها من اجل التعرف الى كيفية الوصول إلى سيناريوهات ورؤية استراتيجية ضمن انساق تكتيكية للاقتراب اكثر من التطلعات الوطنية وتثوير اللحظة الراهنة حتي تصير في صالح الفلسطينيين.




 
م

ملوكة

Guest
#5
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

يعطيك ألف عافية ابن بلادي bdjg4.
 

أسير الترحال

مشرف القسم الفلسطيني
#6
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

تشرفت بمروركم العطر

دمتم بخير
 

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#7
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

شكرا لك أخي خالد على تقديم هذا الموضوع الذي يتناول بالبحث و النقد التجربة الفلسطينية و خوض رموزها غمار السياسة بعد أن كانوا أصحاب بندقية و رصاصة...أتمنى أن تكون سياستهم مستندة إلى رضى شعوبهم لا رضى المجتمع الدولي المتآمر ضدهم,,tnx
 

طوق الياسمين

مشرف عام
طاقم الإدارة
#9
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

روووووعه تسلم يمناك على الطرح
 

ساري

مشرف أقسام الرياضة
#11
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

دُمتَمْ بِهذآ الع ـطآء أإلمستَمـرٍ

يُسع ـدنى أإلـرٍد على مـوٍأإضيعكًـم

وٍأإألتلـذذ بِمـآ قرٍأإتْ وٍشآهـدتْ

تـقبلـوٍ خ ـآلص إحترامي

لآرٍوٍآح ـكُم أإلجمـيله
 

زبيدة

مشرفة أقسام ألفوتوشوب سابقا
#13
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

شكرا على الموضوع
 

أسير الترحال

مشرف القسم الفلسطيني
#14
رد: نحو استراتيجية فلسطينية جديدة

تشرفت بمرورك اختى

بارك الله فيكى

دمتى بخير