بعد رمضان

طوق الياسمين

مشرف عام
طاقم الإدارة
#1
لقد كان الناس يرتقبون شهر رمضان، يقولون: بقي عليه شهر أو شهران، فمن الناس من أدركه ومن الناس من مات قبل إدراكه، ومن الناس من أدرك أوله ولم يدرك آخره، ومن الناس من أدركه هذا العام ولا يدركه في الأعوام السابقة، هذا هو الواقع، ولقد جاء شهر رمضان ثم خلفناه وراء ظهورنا وهكذا كل مستقبل يرتقبه المرء ثم يمر به ويخلفه وراءه حتى يأتيه الموت. أيها الناس، لقد حل بنا شهر رمضان ضيفاً كريماً فأودعناه ما شاء الله من الأعمال التي نرجو الله – تعالى - أن يتقبلها منا ثم فارقنا هذا الشهر المبارك شاهداً لنا أو علينا بما أودعناه من الأعمال، ولقد فرح قومٌ بفراقه؛ لأنهم تخلصوا منه؛ تخلصوا من الصيام الذي يشق عليهم والأعمال التي كانت ثقيلة عليهم، وفرح قومٌ آخرون بتمامه على وجه آخر؛ لأنهم تخلصوا به من الذنوب والآثام بما قاموا فيه من عمل صالح استحقوا به وعد الله بالمغفرة: "فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(1)، "ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه"(2)، وإن الفرق بين الفرحين لعظيم، إن علامة الفرحين بفراقه أن يعاودوا المعاصي بعده، فيتهاونوا بالواجبات، ويتجرؤوا على المحرمات، وتظهر أثار ذلك في المجتمعات، فَيَقِلُّ المصلون في المساجد، وينقصون نقصاً ملحوظاً، ومن ضيع صلاته فهو لما سواها أضيع؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. أيها الإخوة المسلمون، لا تظنوا أنه إذا انقضى شهر رمضان فقد انقطعت أيام العمل، لا، إن العمل لا ينقضي إلا بالموت؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99] ويقول جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102] فلئن انقضى شهر الصيام وهو موسم عمل فإن زمن العمل باقٍ لا ينقطع، والأعمال الصالحة باقية ولله الحمد، لا تزال مشروعة على مدار السنة، فالصيام مشروع على وجه التطوع في غير رمضان، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من صام رمضان ثم أتبعه بستة من شوال كان كصيام الدهر"(3) ولقد سن رسول - الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم - صيام الاثنين والخميس وقال: "إن الأعمال تعرض فيهما على الله فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"(4) و أوصى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة من أصحابه أبا هريرة، وأبا ذر، وأبو الدرداء -رضي الله عنهم- أن يصموا ثلاثة أيام من كل شهر وقال: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله"(5) وحث صلى الله عليه وعلى آله وسلم على العمل الصالح في عشر ذي الحجة ومنه الصيام، وروي عنه صلى الله عليه وسلم "أنه كان لا يدع صيامها"(6) وقال صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عرفة: "يكفر سنتين ماضية ومستقبلة"(7) يعني: لغير الحاج، أما الحاج فلا يصوم بعرفة وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم"(8) وقال في صوم اليوم العاشر منه: "يكفر سنة ماضية"(9) وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم في شهر تعني: تطوعاً ما كان يصوم في شعبان"(10) كان يصوموه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله، هكذا جاءت السنة بمشروعية الصيام على مدار السنة، وهذا من فضل الله ورحمته ولولا أن الله شرع الصيام لكان الصيام بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولكن الله شرعه لعباده ليزدادوا إيماناً، وأعمالاً صالحةً، وثواباً جزيلاً، أما القيام فإنه لا ينتهي – أيضاً - برمضان فإنه لا يزال مشروعاً وفي كل ليلة من ليالي السنة "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه"(11) وحث النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على قيام الليل ورغب فيه وقال: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل"(12) وصح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له"(13) هكذا ينزل الرب -عز وجل- إلى السماء الدنيا بالوجه اللائق به من غير تمثيل ولا تكليف، لأن الله - تعالى- أعلم بنفسه ولم يخبر بشيءٍ عن كيفية صفاته ونهانا أن نضرب له الأمثال يقول جل وعلا إذا نزل في آخر الليل يقول: "من يدعوني فاستجيب له" يعني: أي إنسان يدعوني فأنا أستجيب له "من يسألني فأعطيه" أي:من يسألني أي مسألة كانت فيعطه إلا إن النصوص جاءت باستثناء ما كان فيه الإثم فإن الله - تعالى - لا يقبل دعاء من هو آثم أي:من سأل إثماً، ويقول:"من يستغفرني فأغفر له" أي: من يطلب مني أن أغفر له ذنوبه فإني أغفر له، هكذا يعرض الجواد الكريم فضله وجوده يقول هذا القول، فمن كان منكم حازماً فلينتهز الفرصة.
 

المواضيع المشابهة

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#2
رد: بعد رمضان

يعطيك العافية أختي الكريمة على تقديم هذا الطرح العطر و إن شاء الله نكون قد أفدنا من خيرات و بركات رمضان و أن يصلح الله تعالى أحوالنا و أن يبلغنا رمضان القادم و الأمة الإسلامية بخير..جزاك الله تعالى خيرا