المصالحه والمصالح

أسير الترحال

مشرف القسم الفلسطيني
#1
بقلم: د. عاطف أبو سيف


غريب أمر هذه المصالحة، سرعان ما تتعطل أمام أقل الاسباب وجاهة، وتتحطم الآمال بها عند أول منعطف، وتعود العجلة للدوران للخلف ويعود الإنقسام لسيرته الأولى ويسود شعود أن الأمور تعود للحظة الصفر. فالمصالحة التي لا يختلف اثنان على اهميتها وعلى ضرورة تحقيقها تصبح موضع خلاف بين الفينة والأخرى. ولو تجرد المرء من معتقداته وأفكاره ووجهات نظره لاحتار أين يكمن الحل. لأن ما يدور من نقاش وما يجري من سجال يصور الأمر على أنه واحد من المستحيلات التي لم يعرف كنهها البشر.
ويساورك شعور بأنه عند أي خلاف هناك من يرغب في استعادة النقاش من نقطة الصفر بحيث لا يعاد هذا النقاش والبحث عن الوحدة من النقطة التي توقفت عندها الأمور بل تجد من يصر على اعادة فتح جميع الملفات والتنقيب عن كل المشاكل التي تم حلها قبل ذلك لأن العثرة الصغيرة التي حدثت تزن قنبلة نووية في قدرة تفجيرها وتأثيرها. ضمن هذا النسق فإن خلاف صغير مثلاً على مكان عقد اللقاءات أو حول جدول التنفيذ أو حول التقديم والتأخير يمكن له أن يعيد النقاش حول جدوى المصالحة نفسها وأهميتها ومستقلبها. وبالتالي فإن كل القضايا تصبح مطروحة على الطاولة بغض النظر تم الاتفاق عليها سابقاً أم لم يتم.
حقيقة أن الشيطان يكمن في التفاصيل فعبر التفاصيل يتم تغليف المواقف وتمرير الرغبات. وانت بحاجة شديدة لتمحيص دقيق كي تفهم الدوافع وراء الوقوف خلف هذا الموقف أو التمترس خلف هذه القضية. وفي مرات كثيرة لن تعوزك البداهة والفطنة كي تصل إلى قلب المواقف. وتقوم عندها بمحاولة لمنطقة الأشياء وصبغ شيء من التسبيب والتعليل عليها لكنك تقف حائراً كيف يمكن وأد المصالح الوطنية لأن هناك من يريد أن يظل ممسكاً بزمام الأمور متمسكاً بتلابيب الحكم ولو على شريط لا يتجاوز الواحد بالمائة من أرض الآباء والأجداد مضحياً بذلك بطموح ملايين الفلسطينيين للوحدة الوطنية التي صارت ترويدة حزينة يرددونها في خلواتهم. هكذا تقضي التفاصيل على فكرة كبيرة وتجهز وجهات النظر على مشروع عظيم مثل الوحدة الوطنية. والأغرب من ذلك حين تصبح المصالحة رهينة لوجهات النظر الفردية وللمواقف الشخصية ناهيك عن المصالح الحزبية الضيقة والرغبات الفئوية الأكثر ضيقاً من خرك الإبرة في أحيان كثيرة.
انظروا كيف تتعطل المصالحة بسبب "زعل" الدكتور عزيز الدويك خلال ندوة سياسية. وبغض النظر عن فحوي الندوة التي ليست بأكثر غرابة من برامج التلفاز وهي تبدو طبيعية في ظل مناقشة مواقف سياسية متباينة فأنت تختلف مع خصومك السياسيين لذا فأنت مضطر لمحاورتهم. فجأة تنهار المصالحة بعد أن ظن الجميع أن ثمة آمال غذاها الاهتمام الشعبي بتحديث السجل الانتخابي.
تكاد الوحدة الوطنية أن تكون مستحيلة ويمكن للشعور بهذه الإستحالة أن يتسلل إلى دواخل المرء بسهولة منقطعة النظير. فيكفي متابعة نشرات الاخبار لربع ساعة كي تقتل فيك أحلام المصالحة وتموت في دواخلك آمال الوحدة. تمر الشعوب بحالات اقتتال داخلي وهذا يكاد يكون من سمات تكون الوطنيات والدولة الوطنية بشكل عام. هكذا تقول خبرات الشعوب والدول وليس في الأمر من غرابة إذ أن تشكل الوطنيات يمر بمرحلة صراعات داخلية تصل حد الاقتتال. ولكن أين يكمن الفرق؟ يكمن الفرق في ملاحظتين أساسيتين. الأولى أن حالات الاقتتال تتم في الوطنيات قيد التشكيل والتي لم تتبلور صورتها بشكل واضح بعد. أما في الحالة الفلسطينية فإن الهوية الوطنية الفلسطينية واضحة المعالم ومر على تشكلها قرابة عقد من الزمن قضته في الصراع البطولي ضد مشروع احلالي كولنيالي. أما الملاحظة الثانية فهي حقيقة أن مثل حالات الاقتتال الداخلي التي تخبرنا عنها تجارب وخبرات تشكل الوطنيات تكون في حال انعدام تهديد خارجي حقيقي لوجود هذه الوطنية. ففي الحالة الفلسطينية فإن ثمة تهديد غير مسبوق ليس للهوية الوطنية الفلسطينية ومحاولة طمسها بل إن ثمة مشروع احلالي استبدالي قائم على بعثرة الوجود الفلسطيني عن أرضه وذوبانه في المحيط، بحيث لا تعود فقط الهوية الوطنية غير موجودة بل إن الوجود ذاته لا أساس له على الأرض. يتبع ذلك أن الوحدة الوطنية تصبح مطلباً وطنياً بامتياز وشرطاً من شروط مقاومة هذا المشروع وهذا التهديد.
في الحالة الفلسطينية هناك من لا يشعر بهذا الأمر وكأنه لا يشعر بوجود تهديد حقيقي لأن الوضع الراهن يبدو أنه لا يشعره بمدى خطورة التحديات التي تحيق بالشعب الفلسطيني وبمستقبل وجوده. وكأن مجرد الصمود في غزة على أهمية ذلك تكفي لأن تقول أن الشعب الفلسطيني بخير. لأن جردة حساب صغير ستقول إن الشعب الفلسطيني يخسر يوماً بعد آخر وأنه بالنسبة لشعب خسر في معارك لم يقدها بنفسه جل أرضه وتشتت أكثر من ثلثيه فإن عدم تحقيق الانجازات سيعتبر خسارة. لقد قضى الزمن الذي كان مجرد الحفاظ على الوجود الفلسطيني انتصاراً في وجه المشروع الاحلالي وهذا فضيل كبير يحسب للثورة الفلسطينية المعاصرة بكل فصائلها التي حولت الشعب من مجرد لاجئين يبحثون عن خمية إلى شعب مقاتل يبحث عن وطن. هذا تحقق والذي لم يتحقق هو كيف يمكن تجسيد تطلعات هذا الشعب وتحقيقها. في ظل هذه المعادلة فإن عدم تحقيق منجزات يعني تأخرا عن تحقيق التطلعات.
هل الوضع الراهن نموذجي؟! يبدو أن هناك من يعتقد بنعم ويعمل على تثبيت هذه الـ"نعم" بحيث تصبح قانون المرحلة. ولا بأس لو استمر تهويد القدس وواصلت بلدوزرات الاستيطان مسح التلال وإقامة المستوطنات ولا بأس أيضاً لو ازدادت معاناة ابناء شعبنا في الداخل والخارج فالوضع الراهن يعني أن هناك من يستفيد منه وأن هناك مصالح سواء حزبية او اقتصادية هي صاحبة اليد الطولي في ترجيح المواقف. ويصبح السؤال الجوهري :المصالحة أم المصالح؟!
 
الكاتب المواضيع المشابهة القسم الردود التأريخ
أسير الترحال فلسطين - القدس - القضية الفلسطينية 10

المواضيع المشابهة

ساري

مشرف أقسام الرياضة
#4
رد: المصالحه والمصالح

دُمتَمْ بِهذآ الع ـطآء أإلمستَمـرٍ

يُسع ـدنى أإلـرٍد على مـوٍأإضيعكًـم

وٍأإألتلـذذ بِمـآ قرٍأإتْ وٍشآهـدتْ

تـقبلـوٍ خ ـآلص إحترامي

لآرٍوٍآح ـكُم أإلجمـيله
 

زبيدة

مشرفة أقسام ألفوتوشوب سابقا
#6
رد: المصالحه والمصالح

شكرا
وادام الله قلم كل من كتب ونشر عن نصرة فلسطين