يولد الواحد بالفطرة وطنياً فإما وإما..

طوق الياسمين

مشرف عام
طاقم الإدارة
#1


الجدة تتوالى عليها الضربات من اليمين واليسار، لكنها بقيت صامدة تشاغلهم بينما دخل ذاك الشاب المتوشح بالكوفية إلى داخل المنزل ليفر من الشباك الواقع في آخر البيت .

الجيش الإسرائيلي يطارد شاباً في شوارع حارتنا الرملية الضيقة الواقعة في مخيم للاجئين، الشاب الهارب بدا وكأن صوت قلبه أعلى من صوت شهيقه وزفيره المضطربين، استمرت المطاردة وقتاً طويلاً حتى ساقهم القدر قريباً من منزل جدتي المغطى بالكرميد.

سمعت صوتهم وهي التي لا تصفهم إلا بـ"الكلاب"، وهرعت تتلقف الشاب وتمنعهم عنه وهم الذين كانوا على وشك الإمساك به، رفعت ما تلبسه في قدمها وأخدت تضربهم به، لتتوالى عليها الضربات من اليمين واليسار، لكنها بقيت صامدة تشاغلهم بينما دخل ذاك الشاب المتوشح بالكوفية إلى داخل المنزل ليفر من الشباك الواقع في آخر بيت جدتي.

انتهى المشهد هذه المرة بكدمات في جميع أجزاء جسد جدتي المسكينة، لكنها كانت سعيدة وكأن شيئاً لم يصبها، فهمها الاول كان حماية هذا الشاب، أخدت تدعو له وتدعو على الجنود دعاء يتخلله من السباب والشتائم عليهم ما يغيظهم ويسر من حولها ممن جاؤوا للاطمئنان عليها.

لم تكن جدتي في حينه صاحبة انتماء لأي من الأحزاب الفلسطينية سواء تلك التي انتهجت طريق السلام والمفاوضات سبيلاً لاستعادة الحقوق أو تلك التي بقيت متمسكة بما انطلقت من أجله وهو تحرير فلسطين وفق رؤية استراتيجية تعتمد المقاومة المسلحة طريقاً لتحقيق أهدافها.

لم تكن جدتي تعرف المرحلية في التحرير ولا التجزئة في الحقوق، كل أملها أن تعود إلى قريتها في عاقر التي تركتها صغيرة لكنها لم تنس يوماً حاكورة جدها وتجمع عائلتها حوله تستمع منه لحكايات جميلة تتكرر في كل جلسة دون ملل.

وإذا ما أرادت جدتي أن تؤكد "همالة بنات هالأيام" تحكي لنا كيف كانت تتنقل مسافات طويلة جداً لجمع الحطب لتستعمله أمها في البيت للطهي وتسخين الماء وأمور أخرى، وكثيرة هي المرات التي ضحكنا بينما كانت "الكنات" "أمي وزوجات عمي" يتميزن من الغيظ.

وصولاً إلى عام 2006 وبعد عامين على استلام رئيس السلطة الحالي محمود عباس زمام السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وأشياء كثيرة أخرى، أصبحت ألاحظ مشاهد غضب وقرف يجتاحانها حين يرد اسم "محمود عباس" في أي وقت وفي أي سياق.

كنا نراها تظلمه فنراجعها فما كان منها إلا أن تقول "هذاك (في إشارة إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات) كان كل منشوفو يحكي القدس القدس القدس.. هذا بيحكيش اشي دايما قاعد مع اليهود وبيضحك معهم"، كنا نضحك وينتهي المشهد بتغيير القناة أو إغلاق التلفاز نهائياً.

"من يوم مشفتو وهم بحطوه في الطيارة.. قلت خلص مش هيرجع .. مسكين حطوا هالطقية على راسو طاقية الموت" هكذا علقت على مشهد رحيل الرئيس الراحل ياسر عرفات وكررته في كل مرة كان ياتي ذكره أمامها.

جدتي هذه لم تكن تعرف للكره طريقاً، ولم يملأ قلبها حب حزب أوتنظيم على آخر، لم تعم عيونها حب المال ولا مصلحة التنظيم، لكنها كانت تحمل حباً فطرياً لفلسطين وكل من يدافع عنها ويحمي ثوابتها الفطرية التي عرفتها دون تلقين.

فالقدس عنوانها والعودة للديار أملها وتحرير المعتقلين عندها كان فريضة والجهاد قناعتها أنه اللغة الوحيدة التي يعرفها عدوها، وان هؤلاء الذين جاؤوا من كل أصقاع الأرض لا يمكن أن يكونوا يوماً أصدقاء أو جيران.

الوطنية فطرة فإما يمسخها التنظيم وحب المال والوظيفة فيجعلها وطنية على مقاس وطنية من جعلوا خيانتهم وتنسيقهم مع الاحتلال وجهة نظر أو ينميها بالعلم والعقل والمنطق والتاريخ فتصبح على مقاس وطنية الشهداء ومن قدم التضحيات.. رحمك الله يا جدتي أيتها الوطنية بالفطرة.
 

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#2
رد: يولد الواحد بالفطرة وطنياً فإما وإما..

وسم الوطنية و شرف الدفاع عن الأرض يمكن أن يقوم به اي شخص و من موقعه حينما يختار الزمان و المكان المناسبين لبرهان ذلك..و ما اروع هذه القصة و الطرح المميز..عاشت أهلنا في فلسطين و يسقط الإحتلال الصهيوني البغيض..شكرا على تقديم هذا الطرح المميز..سلمت يداك
 
#3
رد: يولد الواحد بالفطرة وطنياً فإما وإما..

صدقتي أختنا طوق الياسمين
أما وأما
ولاحول ولاقوة الا بالله
 

طوق الياسمين

مشرف عام
طاقم الإدارة
#4
رد: يولد الواحد بالفطرة وطنياً فإما وإما..

أسعدني كثيرا مروركم وتعطيركم هذه الصفحه