ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#21
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:

أنه يتضمن ذكر شيء مما يضاد التوحيد، وهو التماس رفع الضر أو دفعه من غير الله للتحذير منه، فإن التوحيد يُعرف بضده.

من الشرك: من تبعيضية: أي من الشرك الأكبر إن اعتقد أن هذه الأشياء تنفع أو تضر بذاتها، أو من الشرك الأصغر إن اعتقد أنها سببٌ للنفع والضر.
الحلقة: كل شيء مستدير.
ونحوهما: من كل ما يُلبس أو يُعلَّق لهذا الغرض.
رفع البلاء: إزالته بعد نزوله.
ودفعه: منعه قبل نزوله.
أفرأيتم: أخبروني.
ما تدعون: تسألونه جلب الخير ودفع الضر.
من دون الله: غيره من الأنداد والآلهة.
بضر: بمرضٍ أو فقرٍ أو بلاءٍ أو شدة.
هل هن كاشفات ضُره: أي لا تقدر على ذلك.
برحمة: أي: بصحة وعافية وخير وكشف بلاء.
حسبي الله: أي الله كافيني وكافي من توكل عليه.

المعنى الإجمالي للآية:

يأمر الله نبيه محمداً – صلى الله عليه وسلم- أن يسأل المشركين سؤالَ إنكار عن أصنامهم التي يعبدونها مع الله هل تقدرُ على النفع والضر؟ فلا بد أن يعترفوا بعجزِها عن ذلك، فإذا كان كذلك بطلت عبادتُها من دون الله.
مناسبة الآية للباب: أن فيها دليلاً على بطلان الشرك. ولبس الحلقة والخيط من ذلك، لا يكشف الضر ولا يمنع منه.

ما يستفاد من الآية:

1- بطلان الشرك لأن كل ما يعبد من دون الله، لا يملك ضراً ولا نفعاً لعابده.
2- التحذير من لبس الحلقة والخيط وغيرها لجلب النفع أو دفع الضر، لأنه شرك من جنس ما يراد من الأصنام.
3- مشروعية مناظرة المشركين لإبطال الشرك.
4- وجوب الاعتماد على الله وحده وتفويض الأمور كلها إليه.


عن عمران بن حصين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً في يده حلقة من صُفْر، فقال: "ما هذه؟" قال: مِن الواهِنة. فقال: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهْناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً""1" رواه أحمد بسند لا بأس به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عمران: هو عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، صحابيٌ ابن صحابي، أسلم عام خيبر ومات سنة 52هـ بالبصرة.

ما هذه؟ استفهام إنكار.
الواهنة: نوعٌ من المرض يصيب اليد.
انزعها: اطرحها والنزعُ هو الجذب بقوة.
وهناً: ضعفاً.
ما أفلحت: الفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.

المعنى الإجمالي للحديث:

يذكر لنا عمران بن حصين رضي الله عنهما موقفاً من مواقف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في محاربة الشرك وتخليص الناس منه، ذلك الموقفُ: أنه أبصر رجلاً لابساً حلقة مصنوعة من الصفر، فسأله عن الحامل له على لبسها؟ فأجاب الرجل أنه لبسها لتعصِمه من الألم، فأمر بالمبادرة بطرحها، وأخبره أنها لا تنفعه بل تضره، وأنها تزيد الداء الذي لبست من أجله، وأعظم من ذلك لو استمرت عليه إلى الوفاة حُرم الفلاح في الآخرة أيضاً.
مناسبة الحديث للباب: أنه يدل على المنع من لبس الحلقة لدفع البلاء؛ لأن ذلك من الشرك المنافي للفلاح.

ما يستفاد من الحديث:

1- أن لبس الحلقة وغيرها للاعتصام بها من الأمراض من الشرك.
2- النهي عن التداوي بالحرام.
3- إنكار المنكر وتعليم الجاهل.
4- ضرر الشرك في الدنيا والآخرة.
5- استفصال المفتي واعتبار المقاصد.
6- أن الشرك الأصغر أكبر الكبائر.
7- أن الشرك لا يُعذر فيه بالجهل.
8- التغليظ في الإنكار على من فعل شيئاً من الشرك؛ لأجل التنفير منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"1" أخرجه أحمد في المسند "4/445" وابن حبان كما في الموارد برقم "1410، 1411"، وابن ماجه برقم "3531"، والحاكم في المستدرك "4/216"، وصححه ووافقه الذهبي



ولابن أبي حاتم عن حذيفة: "أنه رأى رجلاً في يده خيطٌ من الحمَّى فقطعَه، وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولابن أبي حاتم: أي وروى ابن أبي حاتم – صاحب كتاب الجرح والتعديل.
عن حذيفة: هو ابن اليمان العبسي حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين الأولين، مات سنة 36هـ رضي الله عنه.
من الحُمَّى: أي للوقاية من الحمى فلا تصيبه بزعمه.
وتلا: أي قرأ الآية مستدلاً بها على إنكار ما رأى.

معنى الأثر إجمالاً:

أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أبصر رجلاً قد ربط في عضده خيطاً يتقي به مرض الحمى فأزاله عنه منكِراً فعله هذا، واستدل بالآية التي أخبر الله فيها أن المشركين يجمعون بين الإقرار بتوحيد الربوبية والشرك في العبادة.
مناسبة الأثر للباب: أن فيه اعتبار لبس الخيط –لدفع المرض- شركاً يجب إنكاره.

ما يستفاد من الأثر:

1- إنكار لبس الخيط لرفع البلاء أو دفعه، وأنه شرك.
2- وجوب إزالة المنكر لمن يقدر على إزالته.
3- صحة الاستدلال بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر لشموله له.
4- أن المشركين يقرون بتوحيد الربوبية ومع هذا هم مشركون، لأنهم لم يخلصوا في العبادة.



يتبع باب ما جاء في الرقي والتمائم
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#22
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب ما جاء في الرقي والتمائم

في الصحيح عن أبي بَشِير الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره فأرسل رسولاً: "أن لا يَبْقَيَنَّ في رقبةِ بعيرٍ قِلادةٌ من وَتَر أو قلادةٌ إلا قُطِعَتْ""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:

أنه استمرارٌ في ذكر الأشياء التي تخل بعقيدة التوحيد من الرقى والتمائم الشركية.

ما جاء في الرقى والتمائم: أي: من النهي عما لا يجوز منها.
في الصحيح: أي في الصحيحين.
عن أبي بشير: هو صحابيٌّ شهد غزوة الخندق، ومات بعد الستين.
قلادةٌ: ما يعلَّق في رقبة البعير وغيره.
وترٍ: واحد أوتار القوس.
أو قلادةٌ: شكٌّ من الراوي هل القلادة بقيدة بكونها من وتر أو مطلقة من الوتر وغيره.

المعنى الإجمالي للحديث:

أن النبي – صلى الله عليه وسلم- بعث في بعض أسفاره من ينادي في الناس بإزالة القلائد التي في رقاب الإبل التي يُراد بها دفع العين ودفع الآفات، لأن ذلك من الشرك الذي تجب إزالته.

مناسبة الحديث للباب:

من حيثُ إنه يدل على أن تقليد الإبل ونحوِها الأوتارَ وما في معناها لدفع الآفات حرامٌ وشرك، لأنه من تعليق التمائم المحرمة.

ما يستفاد من الحديث:

1- أن تعليق الأوتار – لدفع الآفات- في حكم التمائم في التحريم.
2- إزالة المنكر.
3- تبليغ الناس ما يصون عقيدتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "3005" ومسلم برقم "2115" وأبو داود برقم "2552".


وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الرُّقى والتمائم والتِّوَلة شرك" رواه أحمد وأبو داود"1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيأتي شرح المفردات في كلام المصنف رحمه الله.

المعنى الإجمالي للحديث:

أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- يخبر أن استعمال هذه الأشياء لقصد دفع المضار وجلب المصالح من عند غير الله شركٌ بالله لأنه لا يملك دفع الضر وجلب الخير إلا الله سبحانه، وهذا الخبر معناه النهيُ عن هذا الفعل.

مناسبة الحديث للباب:

أن فيه بيانَ أن استعمال هذه الأشياء المذكورة شركٌ يخل بالتوحيد.

ما يستفاد من الحديث:

1- الحث على صيانة العقيدة عما يخل بها وإن كان يتعاطاه كثيرٌ من الناس.
2- تحريم استعمال هذه الأشياء المذكورة فيه.
3- أن هذه الثلاث المذكورة شركٌ من غير استثناء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أحمد "1/381"، وأبو داود برقم "3883" وابن ماجه برقم "3530"، والحاكم في المستدرك "4/418"، وصححه ووافقه الذهبي.


التمائم: شيء يُعلَّق على الأولاد من العين. لكن إذا كان المعلَّق من القرآن فرخَّص فيه بعضُ السلف وبعضهم لم يرخِّص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه.
والرُّقى"1": هي التي تسمى العزائم. وخَصَّ منه الدليلُ ما خلا من الشرك. فقد رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من العين والحُمَة"2". والتِّوَلة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يُحبِّب المرأة إلى زوجها، والرجلَ إلى امرأته.

يعلق على الأولاد: أي بأعناق الصبيان.
من العين؛ أي لدفع الإصابة بالعين.
العزائم: جمع عزيمة، قيل هي آياتٌ من القرآن تقرأُ على ذوي العاهات أو تقرأُ في ماءٍ ويُسقاه المريض. أو تكتب في صحن ونحوه وتمحى الكتابة بماء ونحوه ويسقاه المريض.
وخص منه: أي أخرج من عمومه.
الدليل: وهو قوله –صلى الله عليه وسلم-: "لا رقية إلا من عين أو حُمَة" كما سبق في باب: "من حقق التوحيد".
ما خلا من الشرك: أي الاستعانة بغير الله بأن كانت بأسماء الله وصفاته وآياته والمأثورُ عن النبي – صلى الله عليه وسلم-.

وحاصل ما ذكره المصنف رحمه الله في حكم هذه الأشياء المذكورة ما يلي:

1- أن الرقية تنقسم إلى قسمين: قسم مشروع وقسم ممنوع: فالمشروع ما خلا من الشرك، والممنوع ما كان فيه شرك.

2- أن التمائم تنقسم إلى قسمين:

قسم ممنوع بالإجماع: وهو ما كان يشتمل على شرك، وقسم مختلف فيه وهو ما كان من القرآن. قيل: إنه جائز، وقيل: إنه ممنوع، والصحيح أنه ممنوع سداً للذريعة وصيانة للقرآن.
3- التولة ممنوعة من غير خلافٍ، لأنها نوع من السحر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" سبق بيان معناها في باب "من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب".
"2" سبق بيان معناها في باب "من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب".


وعن عبد الله بن عُكيم مرفوعاً: "من تعلق شيئاً وُكِل إليه". رواه أحمد والترمذي"1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الله بن عُكيم: ويكنى أبا معبد الجهني الكوفي أدرك زمن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا يُعرف أنه سمع منه.

مرفوعاً: أي إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-.
من تعلق شيئاً: أي التفت قلبُه إلى شيءٍ يعتقد أنه ينفعه أو يدفع عنه.
وُكِل إليه: أي وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلَّقَه من دونه وخذله.

المعنى الإجمالي للحديث:

هذا حديثٌ وجيز اللفظ عظيم الفائدة يخبر فيه النبي –صلى الله عليه وسلم- أن من التفت بقلبه أو فعله أو بهما جميعاً إلى شيء يرجو منه النفع أو دفع الضر وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلَّقه، فمن تعلَّق بالله كفاه ويسَّر له كل عسير، ومن تعلق بغيره وكله الله إلى ذلك الغير وخذله.

مناسبة الحديث للباب:

أن فيه النهي والتحذير من التعلُّق على غير الله في جلب المنافع ودفع المضار.

ما يستفاد من الحديث:

1- النهي عن التعلق بغير الله.
2- وجوب التعلق بالله في جميع الأمور.
3- بيان مضرة الشرك وسوء عاقبته.
4- أن الجزاء من جنس العمل.
5- أن نتيجة العمل ترجع إلى العامل خيراً أو شراً.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أحمد في المسند "4/211" والترمذي برقم "2073".


وروى الإمام أحمد عن رُويفِع –رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع، لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلَّد وتراً أو استنجى برجيعِ دابةٍ أو عظمٍ فإن محمداً بريء منه""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رُوَيفِع: هو: رويفع بن ثابت بن السكن بن عدي بن الحارث من بني مالك بن النجار الأنصاري وَلِيَ برقة وطرابلس فافتتح إفريقية سنة 47 وتوفي ببرقة سنة 56هـ.

عقد لحيته: قيل: معناه ما يفعلونه في الحروب من فتلِها وعقدها تكبُّراً. وقيل: معناه معالجة الشعر؛ ليتعقَّد ويتجعَّد على وجه التأنُّث والتنعم. وقيل: المراد عقدُها في الصلاة أو كفها.
تقلد وتراً: جعله قلادة في عنقه أو عنق دابته من أجل الوقاية من العين.
استنجى: أي أزال النجوَ –وهو العذرة- عن المخرج.
برجيع دابة: الرجيع: الروث. سُمِّي رجيعاً لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان علَفاً.
بريءٌ منه: هذا وعيد شديد في حق من فعل ذلك.

المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن هذا الصحابي سيطول عمرُه حتى يدرك أناساً يخالفون هديه –صلى الله عليه وسلم- في اللحى الذي هو توفيرُها وإكرامُها إلى العبث بها على وجهٍ يتشبهون فيه بالأعاجم أو بأهل الترف والميوعة. أو يُخلُّون بعقيدة التوحيد باستعمال الوسائل الشركية فيلبسون القلائد أو يُلبسونها دوابَّهم يستدفعون بها المحذور. أو يرتكبون ما نهى عنه نبيهم من الاستجمار بروث الدواب والعظام. فأوصى النبي –صلى الله عليه وسلم- صاحبه أن يبلغ الأمة أن نبيها يتبرأ ممن يفعل شيئاً من ذلك.

مناسبة الحديث للباب:

أن فيه النهي عن تقليد الأوتار لدفع المحذورات وأنه شرك؛ لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله.

ما يستفاد من الحديث:

1- عَلَم من أعلام النبوة، فإن رويفعاً طالت حياته إلى سنة 56هـ.
2- وجوب إخبار الناس بما أُمِروا به ونُهوا عنه مما يجب فعله أو تركه.
3- مشروعية إكرام اللحية وإعفائها وتحريم العبث بها بحلق أو قص أو عقد أو تجعيد أو غير ذلك.
4- تحريم اتخاذ القلادة لدفع المحذور، وأنه شرك.
5- تحريم الاستنجاء بالروث والعظم.
6- أن هذه الجرائم المذكورة من الكبائر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أحمد "4/108، 109"، وأبو داود برقم "36".


وعن سعيد بن جبير قال: "من قطع تميمة من إنسان كان كعِدل رقبة". رواه وكيع. وله عن إبراهيم: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكيع: هو: وكيع بن الجراح ثقة إمامٌ صاحب تصانيفَ مات سنة 197هـ.
إبراهيم: هو الإمام إبراهيم النخعي ثقة من كبار الفقهاء مات سنة 96هـ.
كعدل رقبة: أي كان له مثل ثواب من أعتق رقبة.
وله: أي وروى وكيع أيضا.
وكانوا: أي أصحاب عبد الله بن مسعود وهم منا سادات التابعين.

معنى الأثرين إجمالاً:

الإخبار أن من أزال عن إنسان ما يعلِّقه على نفسه لدفع الآفات فله من الثواب مثل ثواب من أعتق رقبة من الرق؛ لأن هذا الإنسان صار بتعليق التمائم مستعبداً للشيطان فإذا قطعها عنه أزال عنه رِقَّ الشيطان. ويحكي إبراهيم النخعي عن بعض سادات التابعين أنهم يعمِّمون المنع من تعليق التمائم ولو كانت مكتوباً فيها قرآنٌ فقط سداً للذريعة.

مناسبة الأثرين للباب ظاهرة:

فإن فيهما حكاية المنع من تعليق التمائم مطلقاً عن هؤلاء الأجلاء من سادات التابعين.

ما يستفاد من الأثرين:

1- فضل قطع التمائم؛ لأن ذلك من إزالة المنكر وتخليص الناس من الشرك.
2- تحريم تعليق التمائم مطلقاً ولو كانت من القرآن عند جماعة من التابعين.
3- حرص السلف على صيانة العقيدة عن الخرافات.



يتبع باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#23
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى، إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 19-23].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أنه استمرارٌ في ذكر الشركيات المنافية للتوحيد، أو كماله.
تبرك: التبرك: طلب البركة ورجاؤها واعتقادُها.
ونحوهما: ما أشبههما من بقعة أو مغارة أو قبر أو مشهد أو أثر.
أفرأيتم: أخبِروني عن هذه الأصنام هل نفعت أو ضرَّت.
اللات: قُرِئَ بتخفيف التاء وقُرِئَ بتشديدها فعلى القراءة الأولى هي: اسم صخرةٍ بيضاء منقوشة عليها بيتٌ بالطائف وعلى القراءة الثانية: هي اسم فاعلٍ من لتَّ. لرجل كان يلِتُّ السويق للحاج"1" فمات فعكفوا على قبره.
العُزَّى: شجرةُ سمرٍ قد بني حولها وجعل لها أستارٌ بين مكة
مناة: صنمٌ بالمشلل بين مكة والمدينة.
الثالثة الأخرى: ذمٌّ لها بالتأخر. أي المتأخرة الوضيعة المقدار.
ألكم الذكر: تجعلون لكم ما تحبُّون وهو الذكر.
وله الأنثى: تجعلون له الإناث حيثُ تقولون: الملائكة بنات الله.
ضِيزى: جورٌ وباطل.
أسماء: مجرّد تسمية.
سمَّيتموها: من تلقاء أنفسكم.
من سلطان: أي من حجة وبرهان على ألوهيتها.
إن يتبعون: ما يتبعون أي: ليس لهم مستند.
إلا الظن: أي حسن ظنِّهم بآبائهم.
وما تهوى الأنفس: حظوظ أنفسِهم في الرئاسة.
الهدى: إرسالُ الرسل بالحجة الواضحة والحق المنير.

المعنى الإجماليّ للآيات:
يحاجُّ تعالى المشركين في عبادتهم ما لا يعقِل من هذه الأوثان الثلاثة ماذا أجدتهم، ويوبخهم على جَورهم في القسمة حيث نزَّهوا أنفسهم عن الإناث وجعلوها لله. ثم يطالبهم بالبرهان على صحة عبادة هذه الأصنام ويبين أن الظن ورغبة النفوس لا يكونان حجةً على هذا المطلب. وإنما الحجة في ذلك ما جاءت به الرسلُ من البراهين الواضحة والحججِ القاطعة على وجوب عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام.
مناسبة الآيات للباب:
أن فيها تحريم التبرك بالأشجار والأحجار واعتباره شركاً، فإن عُبَّاد هذه الأصنام المذكورة إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها. فالتبرك بالقبور كالتبرك باللات. وبالأشجار والأحجار كالتبرك بالعزى ومناة.
ما يستفاد من الآيات:
1- أن التبرك بالأشجار والأحجار شرك.
2- مشروعية مجادلة المشركين لإبطال الشرك وتقرير التوحيد.
3- أن الحكم لا يثبُت إلا بدليل مما أنزل الله لا مجرد الظن وهوى النفس.
4- أن الله قد أقام الحجة بما أرسل من الرسل وأنزل من الكتب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري عن ابن عباس برقم "4859".
والطائف.

عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى حُنَين ونحن حُدَثاء عهد بكفر وللمشركين سِدْرة يعكُفون عندها ويَنُوطُون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط. فمررنا بسِدْرة فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذاتُ أنواط. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر -إنها السُّنَن- قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138] لتركبُن سَنَنَ من كان قبلكم""1" رواه الترمذي وصححه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو واقد الليثيّ: هو الحارث بن عوفٍ صحابيٌّ مشهور مات سنة 68هـ وله 85 سنة.
حُنَيْن: وادٍ يقع شرقي مكة بينه وبينها بضعةُ عشر ميلاً، قاتل فيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قبيلة هوازِن.
حُدَثاءُ عهدٍ بكُفْرٍ: قريبٌ عهدنا بالكفر.
يعكِفون: يقيمون عندها ويعظِّمونها ويتبركون بها.
ينوطون أسلحتهم: يعلِّقونها عليها للبركة.
أنواط:جمع نَوْطٍ: وهو مصدرٌ سُمِّي به المنوطُ، سمِّيت بذلك لكثرة ما يناط بها من السلاح لأجل التبرك.
اجعل لنا ذات أنواط: سألوه أن يجعل لهم مثلها.
الله أكبر: أجلُّ وأعظم صيغة تعجب.
السُّنن: بضمِّ السين: الطرق أي سلكتم كما سلك من قبلكم الطرق المذمومة.
إسرائيل: هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام.

سُنن من كان قبلكم: بضم السين طرُقهم ويجوز فتح السين بمعنى طريقِهم.

المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر أبو واقد عن واقعةٍ فيها عجبٌ وموعظة وهي أنهم غزوا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قبيلة هوازن وكان دخولهم في الإسلام قريباً فخفي عليهم أمر الشرك. فلما رأوا ما يصنع المشركون من التبرك بالشجرة طلبوا من الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يجعل لهم شجرة مثلَها. فكبَّر النبي –صلى الله عليه وسلم- استنكاراً وتعظيماً لله وتعجُّباً من هذه المقالة. وأخبر أن هذه المقالة تشبه مقالة قوم موسى له لما رأوا من يعبد الأصنام: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وأن هذا جريانٌ على طريقتهم. ثم أخبر –صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة ستتبع طريقة اليهود والنصارى وتسلك مناهجَهم وتفعل أفعالهم وهو خبرٌ معناه الذم والتحذير من هذا الفعل.

مناسبة الحديث للباب:
أن فيه دليلاً على أن التبرك بالأشجار وغيرها شركٌ وتأليه مع الله.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن التبرك بالأشجار شركٌ ومثلها الأحجار وغيرها.
2- أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده لا يُؤمن أن يكون في قلبِه بقيةٌ من تلك العادة.
3- أن سبب عبادة الأصنام هو تعظيمُها والعكوفُ عندها والتبرك بها.
4- أن الإنسان قد يستحسن شيئاً يظنه يقربه إلى الله وهو يبعده عنه.
5- أنه ينبغي للمسلم أن يسبح ويكبر إذا سمع ما لا ينبغي أن يقال في الدين وعند التعجب.
6- الإخبار عن وقوع الشرك في هذه الأمة وقد وقع.
7- عَلَم من أعلام نبوته –صلى الله عليه وسلم- حيثُ وقع الشرك في هذه الأمة كما أخبر –صلى الله عليه وسلم-.
8- النهيُ عن التشبه بأهل الجاهلية واليهود والنصارى، إلا ما دلّ الدليل على أنه من ديننا.
9- أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- جعل طلبتهم كطلبة بني إسرائيل ولم يلتفت إلى كونهم سمُّوها ذات أنواط.
...........................................
"1" أخرجه الترمذي برقم "2181" وأحمد في المسند "5/218" وقال الترمذي: حديث حسن صحيح..


باب ما جاء في الذبح لغير الله
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#24
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب ما جاء في الذبح لغير الله



وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن فيه بياناً لنوع من أنواع الشرك المضاد للتوحيد.
ما جاء في الذبح لغير الله: أي من الوعيد وفي بيان حكمه.
نُسُكي: ذبحي.
محياي: ما آتيه في حياتي.
مماتي: ما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح.
وبذلك أُمرت: أي أمرني ربي بالإخلاص في العبادة.
أول المسلمين: أي أول من يمتثل من هذه الأمة.
المعنى الإجمالي للآية:
يأمر الله نبيه أن يقول للمشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغيره: إني أخلص لله صلاتي وذبحي وما أحيا وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح، أصرف كل ذلك له وحدَه لا أشرك به أحداً عكْس ما أنتم عليه من الشرك به.
مناسبة الآية للباب:
أنها تدل على أن الذبح لغير الله شرك.
ما يستفاد من الآية:
1- أن الذبح لغير الله شركٌ أكبر لأنه قرَنه بالصلاة، فكما أن من صلى لغير الله فقد أشرك فكذلك من ذبح لغيره فقد أشرك.
2- أن الصلاة والذبح من أعظم العبادات.
3- وجوب الإخلاص لله في جميع العبادات.
4- أن العبادات توقيفية –أي متوقفة على أمر الشارع- لقوله: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}.




وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصلِّ لربك: أي لا لغيره.
وانحر: أي اذبح.
المعنى الإجمالي للآية:
يأمر الله نبيه –صلى الله عليه وسلم- أن يخلص له في صلاته وذبيحته مخالفاً للمشركين الذين يعبدون غيرَ الله وينحرون للأوثان.
مناسبة الآية للباب:
أن الذبح عبادة يجب إخلاصها لله، وصرفها لغيره شرك أكبر.
ما يستفاد من الآية:

1- أن الذبح لغير الله شرك أكبر؛ لأنه عبادة، وصرف العبادة لغير الله شركٌ أكبر.
2- أن الصلاة والذبحَ من أعظم العبادات.
3- أن الصلاة والذبح لله من أعظم مظاهر شكر النعم، فإنه أتى بالفاء الدالة على السبب؛ لأن فعل ذلك سببٌ للقيام بشكر ما أعطاه من الكوثر.

عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من آوى مُحْدِثاً، ولعن الله من غير منار الأرض""1" رواه مسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعنَ الله: اللعنة من الله: الطرد والإبعاد، ومن المخلوقين السبُّ والدعاء.
ذبح لغير الله: من الأصنام أو الأولياء والصالحين أو الجن أو غير ذلك.
لعن والديه: المراد بهما أبوه وأمه وإن علوا، سواءٌ باشر لعنهما أو تسبب فيه بأن يلعن والدَي شخصٍ فيرد عليه بالمثل.
آوى: أي ضمَّ وحمى.
محدِثاً: بكسر الدال الجاني، وبفتحها هو الأمر المبتدع في الدين، وإيواؤه الرضا به.
غيّر منار الأرض: منارُ الأرض هي المراسيم التي تفرِّق بين ملكك وملك جارك، وتغييرها يكون بتقديمها أو تأخيرها.
المعنى الإجمالي للحديث:
يحذِّر –صلى الله عليه وسلم- أمته من أربع جرائم، فيخبر أن الله تعالى يطرد من رحمته من ارتكب واحدةً منها:
الأولى: التقرب بالذبح إلى غير الله، لأنه صرفٌ للعبادة إلى غير مستحقِّها.
الثانية: من دعا على والديه باللعنة أو سبَّهما أو تسبب في ذلك بأن يصدرَ منه ذلك في حق أبوي شخص فيردُّ عليه ذلك الشخص بالمثل.
الثالثة: من حمى جانياً مستحقاً للحد الشرعي فمنعه من أن يقام عليه الحد، أو رضي ببدعة في الدين وأقرّها.

الرابعة: من تصرّف في مراسيم الأرض التي تفرز الحقوق فقدّمها أو أخرها عن مكانها، فينشأ عن ذلك اقتطاع شيءٍ من أرض غيره ظلماً.


مناسبة الحديث للباب:
أن فيه دليلاً على غلظ تحريم الذبح لغير الله حيث إن فاعله أو من يستحق لعنة الله.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن الذبح لغير الله محرمٌ شديد التحريم وشركٌ في مقدمة الكبائر.
2- أن الذبح عبادةٌ يجب صرفها لله وحده.
3- تحريم لعن الوالدين وسبِّهما مباشرة أو تسبباً.
4- تحريم مناصرة المجرمين وحمايتهم من تطبيق الحد الشرعي عليهم وتحريم الرضا بالبدع.
5- تحريم التصرف في حدود الأرض بتقديم أو تأخير.
6- جواز لعن أنواع الفُساق لأجل الزجر عن المعاصي.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه مسلم برقم "1978".


وعن طارق بن شهاب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب" قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرِّب له شيئاً. قالوا لأحدهما: قَرِّب. قال: ليس عندي شيء أُقرِّب. قالوا: قرب ولو ذباباً. فقرَّب ذباباً فخلّوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة""1". رواه أحمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق بن شهاب: هو طارق بن شهاب البجلي الأحمسي رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع منه. فحديثه مرسل، صحابيٌّ. مات طارقٌ سنة 83هـ رضي الله عنه.
في ذباب: أي بسبب ذباب.
صنمٌ: ما كان منحوتاً على صورة.
لا يجاوزه: لا يمرُّ به ولا يتعداه.
يقرِّب: يذبح.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن خطورة الشرك وشناعته فيحّث أصحابه ويبدأ حديثه ببداية تجعل النفوس تستغرب وتتطلع إلى سياق الحديث "دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب" شيء يسير سبّب أمراً خطيراً، وأوجب السؤال عن تفصيله، وهنا يفصل فيقول:
إن رجلين –يظهر أنهما من بني إسرائيل- أرادا العبور عن مكان يحل في ساحته صنم يفرض على من أراد تجاوزه أن يذبح له تقرباً إليه وتعظيماً له، فطلب عبّاد ذلك الصنم من الرجلين التمشي على هذا النظام الشركي، فأما أحدهما فاعتذر بالعدم فقنعوا منه بأيسر شيء، لأن مقصودهم حصول الموافقة على الشرك، فذبح للصنم ذباباً فتركوه يمرّ فدخل بسبب فعله هذا نار جهنم؛ لأنه فعل الشرك ووافقهم عليه وطلبوا من الآخر أن يقرّب للصنم فاعتذر بأن هذا شرك ولا يمكن أن يفعله فقتلوه فدخل الجنة؛ لامتناعه من الشرك.
مناسبة الحديث للباب:
أنه دل على أن الذبح عبادة، وأن صرفه لغير الله شرك.

ما يستفاد من الحديث:
1- بيان خطورة الشرك ولو في شيء قليل.
2- أن الشرك يوجب دخول النار، وأن التوحيد يوجب دخول الجنة.
3- أن الإنسان قد يقع في الشرك وهو لا يدري أنه الشرك الذي يوجب النار.
4- التحذير من الذنوب وإن كانت صغيرة في الحسبان.
5- أن هذا الرجل دخل النار بسببٍ لم يقصدْه ابتداءً وإنما فعله تخلُّصاً من شر أهل الصنم.
6- أن المسلم إذا فعل الشرك أبطل إسلامه ودخل النار؛ لأن هذا الرجل كان مسلماً وإلا لم يقل: "دخل النار في ذباب".
7- أن المعتبر عمل القلب وإن صغر عمل الجوارح وقل.
8- أن الذبح عبادة وصرفه لغير الله شركٌ أكبر.
9- فضل التوحيد وعظيم ثمرته.
10- فضيلة الصبر على الحق.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أحمد في كتاب الزهد "ص22" وأبو نعيم في الحلية "1/203" وابن أبي شيبة في المصنف "6/477 رقم 33028" موقوفاً على سلمان الفارسي رضي الله عنه.


يتبع باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#25
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله


قول الله تعالى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أنه تابعٌ للباب الذي قبله؛ لأن الذي قبله فيه بيان حكم الذبح لغير الله، وهذا الباب فيه منع الوسيلة الموصلة إلى ذلك ومنع التشبه بأهله.
يذبح فيه لغير الله: أي أُعد لذلك وقصد لأجله.
لا تقم فيه؛ أي لا تصلّ في مسجد الضرار.
لمسجد أسس: بني.
على التقوى: على طاعة الله ورسوله.
المطهرين: الذين يتطهرون من الأنجاس الحسية والمعنوية.
المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله سبحانه رسوله –صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في مسجد الضرار الذي بناه المنافقون مضارة لمسجد قباء وكفراً بالله ورسوله وطلبوا من الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن يصلي فيه؛ ليتخذوا من ذلك حجة يبررون بها عملهم ويسترون بها باطلهم فوعدهم –صلى الله عليه وسلم- أن يفعل ما طلبوا ولم يعلم قصدهم السيء، فنهاه الله عن ذلك وحثه على الصلاة في مسجد قباء الذي بُني على طاعة الله ورسوله أو في مسجده –صلى الله عليه وسلم- على
اختلافٍ بين المفسرين في ذلك، ثم أثنى على أهل ذلك المسجد بتطهّرهم من الشرك والنجاسات، والله يحب مَن هذه صفته.
مناسبة الآية للباب:
هي قياس الأمكنة المعدة للذبح لغير الله على المسجد الذي أُعد لمعصية الله في منع عبادة الله فيه، فكما أن هذا المسجد لا تجوز الصلاة فيه لله، فكذلك هذا الموضع الذي أُعد للذبح فيه لغير الله لا يجوز الذبح فيه له سبحانه.
ما يستفاد من الآيات:
1- منع الذبح لله في المواضع المعدة للذبح لغيره، قياساً على منع الصلاة في المسجد المؤسس على معصية الله.
2- استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين المتنزهين عن ملابسة القاذورات.
3- إثبات المحبة لله على الوجه اللائق به سبحانه كسائر صفاته.
4- الحث على إسباغ الوضوء والتطهر من النجاسات.
5- أن النية تؤثر في البقاع.
6- مشروعية سد الذرائع المفضية إلى الشرك.

عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً بِبُوانة فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟" قالوا: لا. قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟" قالوا: لا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم""1" رواه أبو داود وإسنادها على شرطهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثابت بن الضحاك: هو ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ الأشهليّ الخزرجيّ الأنصاريّ صحابيّ مشهورٌ مات سنة 64هـ.
نذر: النذر لغة الإيجاب، وشرعاً هو أن يلزم الإنسان نفسه بشيء من العبادات لم يكن لازما ً عليه شرعاً.
بوانة: هضبةٌ من وراء ينبع.
وثن: الوثن: كل ما عُبد من دون الله من قبر وغيره.
عيد: العيد: اسمٌ لما يعود من الاجتماع على وجهٍ معتادٍ.
على شرطهما: أي ينطبق عليه شرط البخاري ومسلم الذي هو اتصال السند بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة.
المعنى الإجمالي للحديث:
يذكر الراوي أن رجلاً التزم لربه أن ينحر إبلاً في موضع معين على وجه الطاعة والقربة، وجاء ليسأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن التنفيذ فاستفصل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك المكان هل سبق أن وُجد فيه شيءٌ من معبودات المشركين أو سبق أن المشركين يعظمونه ويجتمعون فيه فلما علم –صلى الله عليه وسلم- بخلوّ هذا المكان من تلك المحاذير أفتى بتنفيذ النذر، ثم بين –صلى الله عليه وسلم- النذر الذي لا يجوز الوفاء به، وهو ما كان المنذور فيه معصية لله أو لا يدخل تحت ملك الناذر.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه المنع من الذبح لله في المكان الذي كان فيه وثنٌ من أوثان الجاهلية أو فيه عيدٌ من أعيادهم –ولو بعد زواله-.
ما يستفاد من الحديث:
1- المنع من الوفاء بالنذر إذا كان في المكان الذي عُين له وثنٌ ولو بعد زواله.
2- المنع من الوفاء بالنذر بمكان عيدِ الجاهلية ولو بعد زواله.
3- استفصال المفتي من المستفتي قبل الفتوى.
4- سد الذريعة المفضية إلى الشرك.
5- ترك مشابهة المشركين في عبادتهم وأعيادهم وإن كان لا يُقصد ذلك.
6- أن الذبح لله في المكان الذي يذبح فيه المشركون أو يتخذونه محلاً لعيدهم معصية.
7- أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
8- أن النذر الذي لا يملكه الناذِر – كأن قال: لله عليَّ أن أعتق عبد فلان. لا وفاء له.
9- وجوب الوفاء بالنذر الخالي من المعصية الداخل تحت ملك الناذر.
10- أن النذر عبادة لا يجوز صرفه لغير الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أبو داود برقم "3313".



يتبع باب من الشرك النذر لغير الله
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#26
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب من الشرك النذر لغير الله


وقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7].
وقوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
أن المصنف رحمه الله بين فيه نوعاً من أنواع الشرك المنافي للتوحيد، وهو النذر لغير الله؛ ليُحذر ويُجتنب.
من الشرك: أي الأكبر.

النذر لغير الله: لأنه عبادة. وصرف العبادة لغير الله شرك.
والنذر: مصدر نذر ينذُر أوجب على نفسه شيئاً لم يكن واجباً عليه شرعاً تعظيماً للمنذور له. وأصله في اللغة والإيجاب.
يوفون بالنذر: يتممون ما أوجبوا على أنفسهم من الطاعات لله.
ما: شرطيةٌ، ويجوز أن تكون موصولة.
أنفقتم من نفقة: يشمل كل صدقة مقبولة وغير مقبولة.
أو نذرتم من نذر: يشمل كل نذر مقبول وغير مقبول.
فإن الله يعلمه: أي فيجازيكم عليه، ففيه معنى الوعد والوعيد.
المعنى الإجمالي للآيتين:
أن الله يمدح الذين يتعبدون له بما أوجبوه على أنفسهم من الطاعات. كما أنه يخبر سبحانه أنه يعلم كل صدقة تصدقنا بها وكل عبادة التزمناها له أو لغيره وسيجازي كلاً على حسب نيته وقصده.
مناسبة الآيتين للباب:
أنهما لا يدلان على أن النذر عبادةٌ حيث مدح الموفين به، وهو لا يمدح إلا على فعل مأمور أو ترك محظور، كما أنه أخبر أنه يعلم ما يصدر منا من نفقات ونذور، وسيجازينا على ذلك، فدلَّ ذلك على أن النذر عبادةٌ وما كان عبادةً فصرفُه لغير الله شرك.
ما يستفاد من الآيتين:
1- أن النذر عبادة فيكون صرفه لغير الله شركاً أكبر.
2- إثبات علم الله تعالى – بكل شيء.
3- إثبات الجزاء على الأعمال.
4- الحث على الوفاء بالنذر.



وفي الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عائشة: هي أم المؤمنين زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- وبنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وهي أفقه النساء مطلقاً، وأفضل أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- ما عدا خديجة، ففي تفضيلها عليها خلافٌ، توفيت سنة 57هـ.
في الصحيح: أي صحيح البخاري.
فليطعه: أي ليفعل ما نذره من طاعته.
فلا يعصه: أي فلا يفعل ما نذره من المعصية.

المعنى الإجمالي للحديث:
أن النبي –صلى الله عليه وسلم- يأمر من صدر منه نذرُ طاعةٍ أن يوفي بنذره: كمن نذر صلاةً أو صدقة أو غير ذلك، وينهى من صدر منه نذر معصية عن تنفيذ نذره: كمن نذر الذبح لغير الله أو الصلاة عند القبور أو السفر لزيارتها أو غير ذلك من المعاصي.
مناسبة الحديث للباب:
أنه دل على أن النذر يكون طاعةً ويكون معصيةً، فدلّ على أنه عبادة؛ فمن نذر لغير الله فقد أشرك به في عبادته.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن النذر عبادة، فصرفه لغير الله شرك.
2- وجوب الوفاء بنذر الطاعة.
3- تحريم الوفاء بنذر المعصية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "6696" وأبو داود برقم "3289" والترمذي برقم "1526" وابن ماجه برقم "2126"، وأحمد في مسنده "6/36، 41".


يتبع باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#27
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

وقول الله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
أنه ذكر فيه نوعاً من أنواع الشرك المنافي للتوحيد وهو أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيرَه.
أن يستغيث: الاستغاثة طلبُ الغوث وهو إزالة الشدة.
أو يدعو: الفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب. وأما الدعاء فيكون من المكروب وغيره.
ما لا ينفعك: إن عبدته.
ولا يضرك: إن لم تعبده.
فإن فعلت: أي دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك.
من الظالمين: من المشركين، فإن الشرك أعظم الظلم.

المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله نبيه أن يدعو أحداً من سائر المخلوقين العاجزين عن إيصال النفع ودفع الضر، ثم يبين له حكمه لو فُرض أن دعا غير الله بأنه يكون حينئذ من المشركين، وهذا النهي عام لجميع الأمة.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها النهي عن دعاء غير الله وأنه شركٌ ينافي التوحيد.
ما يستفاد من الآية:
1- أن دعاء غير الله شركٌ أكبر.
2- أن أصلح الناس لو دعا غير الله صار من الظالمين أي المشركين فكيف بغيره.
3- بيان عجزِ آلهة المشركين وبطلان عبادتها.


وقوله: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن يمسسك: أي إن يصِبْك.
بضر: بفقر أو مرض أو غير ذلك من أنواع الضر.
فلا كاشف: لا رافع.
فلا راد: لا دافع.
المعنى الإجمالي للآية:
يخبر تعالى أنه المتفرد بالملك والقهر والعطاء والمنع والضر والنفع دون ما سواه، فيلزم من ذلك أن يكون هو المدعو وحده المعبود وحده دون غيره ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عن أن يملكهما لغيره.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها بيانَ استحقاق الله للعبادة بالدعاء ونحوه، وأن دعاء غيره شركٌ لأنه لا ينفع ولا يضر.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد الألوهية لتفرده بتوحيد الربوبية.
2- بطلان دعاء غير الله لعجزه عن نفع من دعاه ودفع الضر عنه.
3- إثبات المشيئة لله سبحانه.
4- إثبات صفتي المغفرة والرحمة لله سبحانه على ما يليق بجلاله.



وقوله: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتغوا: اطلبوا.
واعبدوه: أخلصوا له العبادة. وهو من عطف العام على الخاص، فإن ابتغاء الرزق عند الله من العبادة.
واشكروا له: اعترفوا بنعمته. وافعلوا ما يجب من طاعته واتركوا معصيته.
إليه: لا إلى غيره.
ترجعون: يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله.
المعنى الإجمالي للآية:
يأمر الله سبحانه بطلب الرزق منه وحده لا من الأصنام والأوثان، وإفرادِه بالعبادة والاعتراف بنعمه التي أسداها على عباده وصرْفِها في طاعته والابتعاد عن معصيته ثم يخبر أن المصير إليه فيجازي كل عاملٍ بعمله فيجب على العبد أن يحسب لذلك حسابَه.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها وجوب إفراد الله بالدعاء والعبادة والرد على المشركين الذين يعبدون غيره.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب دعاء الله وحده وطلب الرزق منه.
2- وجوب إفراد الله بجميع أنواع العبادة.
3- وجوب شكر الله على نعمه.
4- إثبات البعث والجزاء.
5- أنه لا تنافي بين طلب الرزق والاكتساب وعبادة الله وأن الإسلام فيه خير الدين والدنيا.

وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ 5 وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أضل: أي لا أحد أشد ضلالاً.
من دون الله: غير الله.
لا يستجيب له: لا يقدر على إجابته بإعطائه ما طلب منه.
وهم: أي المدعوون.
عن دعائهم: أي دعاء من دعاهم من المشركين.
غافلون: لا يشعرون بدعاء من دعاهم؛ لأنهم إما أموات أو جمادٌ أو ملائكةٌ مشغولون بما خُلقوا له.
وإذا حُشر الناس: جُمعوا يوم القيامة.
كانوا: أي الآلهة التي يدعونها من دون الله.
لهم أعداء: أي يتبرؤون ممن دعاهم ويعادونهم.
كافرين: جاحدين لعبادة من عبدهم.
المعنى الإجمالي للآيتين:
أن الله تعالى حكم بأنه لا أضل ممن دعا غير الله من المخلوقين ممن لا يقدر على إجابة دعوته في الدنيا، ولا يشعر بدعاء من دعاه وإذا قامت القيامة وجُمع الناس عادى من دعاه وتبرأ منه، فليس هذا المشركُ إلا في نكد في الدارين، لا يحصل على إجابةٍ في الدنيا وتجحد عبادته في الآخرة أحوج ما يكون إليها.
مناسبة الآيتين للباب:
أن فيهما الحكمَ على من دعا غيرَ الله بأنه أضل الضالين وأن الدعاء عبادة فمن صرفه لغير الله فهو مشرك .
ما يستفاد من الآيتين :
1 _ أن الدعاء عبادة فمن دعا غير الله فقد أشرك الشرك الأكبر .
2 _ بيان شقاوة من يدعو غير الله في الدنيا والآخرة .
3 _ أن الشرك هو أعظم الضلال .
4 _ إثبات البعث والحشر والجزاء .
5 _ أن الأوثان لا تسمع من دعاها ولا تستجيب له عكس ما يتصور المشركون فيها .
6 _ أن عبادة الله وحده فيها خير الدنيا والآخرة .




وقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّن: أي من هو؟
المضطر: المكروب الذي مسّه الضر.
خلفاء الأرض: الإضافة بمعنى في أي يخلف كلُّ قرنٍ القرنَ الذي قبله في الأرض.
أإله مع الله: أي سواه يفعل هذه الأشياء بكُم وينعم عليكم هذه النعم.

قليلاً ما تذكَّرون: أي تذكرون تذكراً قليلاً في عظمة الله ونعمه عليكم، فلذلك أشركتم به غيره في عبادته.
المعنى الإجمالي للآية:
يحتج تعالى على المشركين في اتخاذهم الشفعاء من دونه بما قد علموه وأقروا به من إجابة الله لهم عندما يدعونه في حال الشدة وكشفه السوء النازل بهم وجعْلِهم خلفاء في الأرض بعد أمواتهم، فإذا كانت آلهتهم لا تفعل شيئاً من هذه الأمور فكيف بمن يعبدونها مع الله. ولكنهم لا يتذكرون نعم الله عليهم إلا تذكراً قليلاً لا يورث خشية الله ولذلك وقعوا في الشرك.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها بطلان الاستغاثة بغير الله، لأنه لا يجيب المضطر ويكشف السوء النازل ويحيي ويميت سواه.
ما يستفاد من الآية:
1- بطلان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
2- أن المشركين مقرّون بتوحيد الربوبية ولم يُدخلهم ذلك في الإسلام.
3- الاستدلال على توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية.
4- الاحتجاج على المشركين بما أقرّوا به على ما جحدوه.

وروي الطبراني بإسناده: أنه كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- منافقٌ يؤذي المؤمنين. فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبراني: هو الحافظ الإمام: سليمان بن أحمد صاحب المعاجم الثلاثة.
بإسناده: إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
منافقٌ: هو عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين.
والنفاق هنا: إظهار الإسلام وإخفاء الكفر.
نستغيث برسول الله: نطلب منه كفَّ هذا المنافق عن الأذى.
إنه لا يستغاث بي: كره –صلى الله عليه وسلم- أن يستعمل هذا اللفظ في حقِّه تأدباً مع الله.

المعنى الإجمالي للحديث:
لما قوِيَ الإسلام كان هناك صنفٌ من الكفار رأوا الدخولَ في الإسلام ظاهراً والبقاء على الكفر باطناً سُمُّوا بالمنافقين، وكان يصدر منهم من الأقوال والأفعال ما يضايق المسلمين ومن ذلك ما حصل من هذا الرجل حتى طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم- كفه وزجره. والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقدر على ذلك، لكن لما كانت الصيغة التي تقدَّموا بها إليه فيها إساءة أدب مع الله تعالى –ما ينبغي أن تقال- استنكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- تعليماً للصحابة وسداً لذريعة الشرك وحمايةً للتوحيد.
مناسبة الحديث للباب:
إن فيه إنكارَ النبي –صلى الله عليه وسلم- الاستغاثة بغير الله.
ما يستفاد من الحديث:
1- أنه لا يستغاث بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، وغيرُه من باب أولى.
2- الإرشاد إلى حسن اللفظ وحماية التوحيد.
3- سدّ الطرق المفضية إلى الشرك.
4- مشروعية الصبر على الأذى في الله.
5- ذمّ النفاق.
6- تحريم أذية المؤمنين؛ لأنها من فعل المنافقين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه الطبراني.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد "10/159": رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث.


باب قول الله تعالى:
{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف: 191، 192].
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#28
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن فيه بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عُبد من دون الله فإذا كان حالهم مع الله ما ذُكر من هيبتهم منه وخشيتهم له فكيف يُدعون مع الله فغيرهم من باب أولى. ففي ذلك ردٌّ على جميع المشركين الذين يدعون مع الله من لا يُداني الملائكة.


فُزِّع عن قلوبهم: أُزيل الفزع عن قلوب الملائكة من الغشية التي تصيبهم عند سماع كلام الله بالوحي إلى جبريل.
قالوا: أي قال بعضهم لبعضٍ استبشاراً: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23].
قالوا الحق: أي: قال الله الحق.
وهو العلي: الذي له علوُّ القدر وعلوُّ القهر وعلوُّ الذات.
الكبير: أي الذي لا أكبر ولا أعظم منه تبارك وتعالى.
المعنى الإجمالي للآية:
يخبر الله سبحانه عن الملائكة أنها إذا سمعت الوحي من الله إلى جبريل فزِعت عند ذلك تعظيماً وهيبةً وأرعدت حتى يصيبها مثل الغشيِّ، فإذا أُزيل الفزع من قلوبهم أخذوا يتساءلون فيقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}؟ فيقولون: قال الحق وهو العالي فوق كل شيء، الذي لا أكبر منه ولا أعظم.
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على جميع فرق المشركين الذين يعبدون مع الله من لا يُداني الملائكة ولا يساويهم في صفة من صفاتهم.
2- إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله.
3- أن كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق، لأنهم يقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}؟ لم يقولوا: ماذا خلق ربكم؟
4- إثبات العلوّ لله سبحانه فوق مخلوقاته.
5- إثبات عظمة الله.

في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفُذُهم ذلك. حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع" ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفِّه فحرَّفَها وبدَّد بين أصابعه: "فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة. فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيصدَّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سفيان: هو ابن عُيَينة بن ميمون الهلاليّ ثقةٌ حافظٌ حجةٌ من كبار الأئمة، مات سنة 198هـ.
في الصحيح: أي في صحيح البخاري.
إذا قضى الله الأمر: أي إذا تكلم به.
خَضَعاناً: بفتحتين من الخضوع. وروي بضم أوله وسكون ثانيه أي خاضعين.
لقوله: أي لقول الله تعالى.
كأنه: أي الصوت المسموع.
صفوان: هو الحجر الأملس.
ينفذهم ذلك: أي يخلص هذا القول ويمضي في الملائكة.
فيسمعها: أي الكلمة التي قضاها الله.
مسترق السمع: المختطف لكلام الملائكة من الشياطين.
وصفه: أي وصف ركوب الشياطين بعضهم فوق بعض حتى يصلوا إلى حيث يسمعون تحدّث الملائكة بالأمر يقضيه الله.
فحرّفها: أمالها.
وبدد بين أصابعه: أي فرّق بينها.
الساحر: الذي يتعاطى السحر: وهو عبارة عما خفي ولطُف سببه من عمل العُقَد والرّقى وغيرها.
والكاهن: هو الذي يخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار.
أدركه الشهاب: أي أدرك المسترق الشهاب: وهو الذي يُرمى به قبل إلقائها فيحرقه.
فيكذب: أي الساحر أو الكاهن.
معها: أي الكلمة التي ألقاها.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن تعظيم الملائكة لكلام الله وما يعتريهم من الخوف وتساؤلهم عما قال ربهم وإجابة بعضهم لبعض. وما تعلمه الشياطين الذين يختطفون كلامَ الملائكة في ذلك لتُلقيه إلى السحرة والكهان من الناس وما تلاقيه الشياطين من الرمي بالشهب حينئذ، وأنه قد يتمكن الشيطان من إيصال الكلمة المسموعة من الملائكة إلى الساحر أو الكاهن –لحكمة يعلمها الله وإلا فهو سبحانه لا يفوته شيء- فيُزاد مع تلك الكلمة من قِبل الشيطان أو الآدمي تسعٌ وتسعون كذبة وتُذاع كلها في الناس فيصدِّقونها كلها بسبب تلك الكلمة المسموعة.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه الرد على المشركين. فإنه إذا كان هذا حال الملائكة عند سماع كلام الله مع ما أعطاهم الله من القوة عُلم أنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لهم فكيف بمن دونهم.
ما يستفاد من الحديث:
1- الرد على المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين.
2- تعظيم الله سبحانه وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
3- إثبات علو الله على خلقه وإثبات تكلمه بكلام يُسمع.
4- إبطال السحر والكهانة وإن صدُق الكاهن والساحر في بعض الأحيان.
5- أن العبرة بالغالب الكثير لا بالنادر القليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "4701".
وعن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة" أو قال: "رعدة شديدة خوفاً من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا أوخروا سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد. ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحقَّ وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النواس: هو النواس بن سِمعان –بكسر السين- ابن خالد الكلابي صحابيٌّ جليلٌ رضي الله عنه.
الوحي: أي: كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه.
أخذت السماوات: أي أصاب السماوات.
رجفة: بالرفع فاعلُ أخذتْ. أي ارتجفت واضطربت.
خوفاً من الله: لأنها تخاف من الله بما جُعل فيها من الإحساس والمعرفة بالله.
صعقوا: الصعق الغشي.
خروا: خرّ: سقط من أعلى، والمراد هنا انحطوا بالسجود.
أول: بالفتح خبر يكون.
إلى حيث أمره الله: من السماء والأرض.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر نبي الله –صلى الله عليه وسلم- عن عظمة ربه عز وجل بأنه سبحانه إذا تكلم بما شاء من وحيه، فإنه يصيب السماوات ارتجافٌ وحركة شديدة من خوف الله عز وجل لمعرفتها بعظمة الله، فإذا سمعت الملائكة كلام الله عز وجل غُشي عليهم وانحطوا بالسجود تعظيماً لله وخوفاً منه، ثم يكون جبريل عليه السلام أو من يرفع رأسه منهم لأنه السفير بين الله وبين رسله، فيكلمه الله بما شاء من أمره، ثم يمر جبريل على ملائكة السماوات فيسألونه عما قال الله؟ فيجيبهم بقوله: "قال الحق وهو العلي الكبير" فيقولون مثل ما قال، ثم يمضي جبريل بالوحي فيبلغه إلى من أمره الله بتبليغه إياه.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه ما في النصوص قبله من بيان عظمة الله وخوف الملائكة والسماوات منه، ففيه الرد على من عبد غير الله.
ما يستفاد من الحديث:
1- الرد على المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة من مخلوقاته.
2- بيان عظمة الله جل وعلا واستحقاقه للعبادة وحده.
3- إثبات أن الله يتكلم متى شاء بما يشاء كيف يشاء.
4- إثبات علو الله على خلقه.
5- فضل جبريل عليه السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه ابن خزيمة في التوحيد رقم "206" وابن أبي عاصم في السنة رقم "515" والآجري في الشريعة.



يتبع باب الشفاعة
 

رائد

مشرف أقسام الفوتوشوب و السويش
#29
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

جزاك الله خير عالمجهود واثابك اجراً عضيماً
لي عودة ان شاء الله لتكملة القرائة
شكراً جزيلاً
 

يويا

مراقبة الاقسام الفنية
#30
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

جزاك الله كل خيرررر
شكراً لك ع الطرح القيم

ربي يعطيك الف عافيه ع مجهودالرائع
دمت بالف صحه وعافيه
 

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#31
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

جزاك الله تعالى خيرا أخي الكريم على تقديم هذا الطرح العطر و الأمور الضرورية في حياة المسلم و التي تخص العقيدة و هي أهم ما يجب أن يتعلمه الناس و يتجنبوا محذوراته..شكرا لك.., سلمت يداك:hh14 :xhlgy
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#33
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

جزاك الله خير عالمجهود واثابك اجراً عضيماً
لي عودة ان شاء الله لتكملة القرائة
شكراً جزيلاً

واياكم اللهم امين
شكراً لك اخي الكريم رائد
تشرفت بوجودك
تحياتي

 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#34
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

جزاك الله كل خيرررر
شكراً لك ع الطرح القيم

ربي يعطيك الف عافيه ع مجهودالرائع
دمت بالف صحه وعافيه


واياكم اللهم امين
شكراً ليكي يويا
تشرفت بوجودك
تحياتي

 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#35
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

جزاك الله تعالى خيرا أخي الكريم على تقديم هذا الطرح العطر و الأمور الضرورية في حياة المسلم و التي تخص العقيدة و هي أهم ما يجب أن يتعلمه الناس و يتجنبوا محذوراته..شكرا لك.., سلمت يداك:hh14 :xhlgy


واياكم اللهم امين
شكراً لك اخي الكريم وعد
تشرفت بوجودك
تحياتي

 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#37
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب الشفاعة
وقول الله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 151].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أنه لما كان المشركون يبررون ما هم عليه من الشرك من دعاء الملائكة والأنبياء والأولياء، ويقولون نحن نعلم أنهم مخلوقون ولكنهم لهم جاه عند الله فنحن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله، أراد المصنف رحمه الله بهذا الباب إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك الذي نهى الله عنه، وأبطل كل وسيلة تؤدي إليه.
الشفاعة: مصدر شفع بمعنى ضم الشيء إلى مثله –تقول: شفعت الشيء شفعاً بمعنى ضممته إلى الفرد. وشفع فيه أعانه في تحصيل مطلبه ممن هو عنده.
وأنذِرْ: الإنذار هو: الإعلام بموضع المخافة والتحذير منها.
به: أي: بالقرآن.
يخافون: يخشون.
أن يحشروا: يُجمعوا ويُبعثوا.
ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع: في موضع نصبٍ على الحال أي؛ متخلِّين من كل ولي ينصرهم وشفيع يشفع لهم.
المعنى الإجمالي للآية:
يقول تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم-: خوِّف بالقرآن الذين يخشون ربهم من أصحاب القلوب الواعية الذين يتذكرون الوقوف بين يدي ربهم متخلّين عن كل قريب ينصرهم وواسطة تشفع لهم –عنده- بغير إذنه لعلهم يعدون العُدة لذلك فيعملون في هذه الدار عملاً ينجّيهم الله به من عذابه يوم القيامة.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة.
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على المشركين الذين يتقربون إلى الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة.
2- مشروعية الوعظ والتذكير بيوم القيامة.
3- أن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالموعظة.


وقوله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44].
وقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لله الشفاعة: أي: هي ملك لله فليس لمن تطلبونها منهم شيءٌ منها.
جميعاً: حالٌ مؤكدة.
من ذا الذي: أي لا أحد.
يشفع عنده إلا بإذنه: له فيها، فلا أحدٌ يتكلم بشفاعةٍ ولا غيرها إلا إذا أذن الله تعالى له في الكلام.
المعنى الإجمالي للآيتين:
يأمر الله نبيه أن يقول للذين يتعلقون على الأولياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة: ليس لمن تدعونهم من الشفاعة شيء، إنما هي كلُّها ملكٌ لله لا يستطيع أحدٌ شفاعةً لأحد إلا بإذنه، فلا أحدٌ يملك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن الله سبحانه وتعالى له في الكلام.
مناسبة الآيتين للباب:
أن فيهما الرد على المشركين الذين اتخذوا الشفعاء من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام المصورة على صور الصالحين، يظنون أنهم يملكون من الشفاعة شيئاً فيستطيعون أن يشفعوا عند الله سبحانه وتعالى بغير إذنه.
ما يستفاد من الآيتين:
1- الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من المخلوقين.
2- أن الشفاعة ملكٌ لله وحده فيجب طلبها منه وحده.
3- بيان عظمة الله وكبريائه وخضوع جميع الخلق لسلطانه.
4- في الآية الثانية إثبات الشفاعة لمن أذن الله له بها.


وقوله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كم: خبريةٌ في موضع رفعٍ على الابتداء. ومعناها: كثيرٌ من الملائكة.
لا تغني: لا تُجدي ولا تنفع. في موضع رفع خبر المبتدأ.
إلا من بعد أن يأذن الله: لهم في الشفاعة.
لمن يشاء: من عباده.
ويرضى: عنه قولَه وعمَله.
معنى الآية إجمالاً:
يخبر تعالى أن كثيراً من الملائكة مع مكانتهم عنده لا تجدي شفاعتهم في أحد شيئاً، ولا تنفعه إلا إذا أذن الله لهم أن يشفعوا فيمن يشاء الشفاعة له من عباده، وكان المشفوع فيه ممن رضي الله قوله وعمله بأن يكون سالماً من الشرك قليلِه وكثيرِه، وإذا كان هذا في حقّ الملائكة فغيرهم من باب أولى.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من الملائكة وغيرهم من المخلوقين.
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على المشركين الذين يتقرّبون إلى المخلوقين يطلبون منهم الشفاعة.
2- أن الشفاعة ملكٌ لله وحده لا تُطلب إلا منه.
3- أن الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين:
الشرط الأول: إذن الرب للشافع أن يشفع.
الشرط الثاني: رضاه عن المشفوع فيه بأن يكون من أهل التوحيد والإخلاص.


وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} الآيتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآيتين: قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 22، 23].
قل: أي: للمشركين.
زعمتم: أي: زعمتموهم آلهة.
من دون الله: أي: غيره لينفعوكم بزعمهم.
من دون الله: أي: غيره لينفعوكم بزعمكم.
مثقال: وزن.
ذرة: من خير أو شر، والمراد بالذرة النملة الصغيرة. ويُقال لكل جزء من أجزاء الهباء ذرةٌ.
شرك: شركة مع الله.
منهم: من الآلهة.
من ظهير: معين يعينه على تدبير أمر السماوات والأرض.
ولا تنفع الشفاعة عنده: أي عند الله تعالى ردٌّ لقولهم: إن آلهتهم تشفع عنده.
إلا لمن أذن له: أن يشفع لغيره.
المعنى الإجمالي للآيتين:
يأمر الله سبحانه نبيه أن يقول للمشركين على وجه التحدي: اطلبوا من آلهتكم التي زعمتم أنها تنفعكم وتكشفُ الضر عنكم. فإنهم لا يقدرون على ذلك لأنهم لا يملكون من الكون وزن أصغر نملة ملكاً مستقلاً، وليس لهم في الكون أدنى شركة مع الله، وليس منهم أحد يعين الله في تصريف الأمور، ولا يقدرون على التقدم بين يديه في الشفاعة لكم إلا إذا أذن لهم بذلك وهو، لا يأذن بالشفاعة لمشرك، فهم لا يملكون شيئاً استقلالاً ولا يشاركون في الملك ولا يعاونون المالك ولا يملكون الشفاعة عنده بغير إذنه. فبطُلت عبادتهم من دون الله.
مناسبة الآيتين للباب:
أن فيهما الرد على المشركين الذين يتقربون إلى الأولياء، يطلبون منهم الشفاعة ويدعونهم لجلب النفع ودفع الضر.
ما يستفاد من الآيتين:
1- الرد على المشركين الذين يدعون مع الله آلهة من الملائكة وغيرهم، يزعمون أنهم يملكون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً.
2- مشروعية محاجة المشركين لإبطال الشرك ومناظرتهم في ذلك.
3- قطع الأسباب التي يتعلق بها المشركون، وذلك أن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له من النفع. والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلةٌ من أربع:
الأولى: إما أن يكون مالكاً لما يريده منه عابده.
الثانية: وإما أن يكون شريكاً للمالك.
الثالثة: وإما أن يكون ظهيراً أو معيناً له.
الرابعة: وإما أن يكون شفيعاً عنده.
وقد نفى سبحانه وتعالى هذه الأسباب الأربعة في آلهة المشركين. فبطُلت عبادتها.
4- إثبات الشفاعة التي تكون بإذن الله.
5- أن المشركين لا تنفعهم الشفاعة؛ لأن الله تعالى لا يأذن فيها لمشرك.
قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً- ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشَفّع"1".
وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه""2".
فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضّل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليُكرمه وينال المقام المحمود.
فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو العباس هو: شيخ الإسلام تقيّ الدين أحد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الإمام المشهور صاحب المصنفات المفيدة، كانت وفاته سنة 728هـ رحمه الله.
قسط: القسط هو النصيب.
الشفاعة التي يظنها المشركون أي: التي يطلبونها من غير الله من الأنداد.
وأخبر النبي: أي في الحديث الثابت في الصحيحين. وغيرهما من حديث الشفاعة.
وقال أبو هريرة: أي: في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة.
أسعد الناس: أكثرهم سعادة بها.
خالصاً من قلبه: احتراز من المنافق الذي يقولها بلسانه فقط.
وحقيقته: أي: حقيقة الأمر في بيان الشفاعة الصحيحة لا كما يظنه المشركون.
المقام المحمود: أي: الذي يحمده فيه الخلائق كلهم.
مقصود المؤلف من سياق كلام شيخ الإسلام هنا.
أن فيه شرحاً وتفسيراً لما في هذا الباب من الآيات، ففيه:
1- صفة الشفاعة المنفية، وصفة الشفاعة المثبتة.
2- ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود، وماذا يفعل النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى يؤذن له فيها.
3- أن أسعد الناس بالشفاعة أهل الإيمان.
فائدة:
له –صلى الله عليه وسلم- ستة أنواع من الشفاعة.
الأول: الشفاعة التي يختص بها نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-، وهي الشفاعة لأهل الموقف، ليفصل الله بينهم ويريحهم من مقامهم في الموقف.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة حتى يدخلوها.
الثالث: الشفاعة لقوم من العصاة استوجبوا دخول النار أن لا يدخلوها.
الرابع: الشفاعة في قوم من العصاة دخلوا النار أن يخرجوا منها.
الخامس: الشفاعة في قوم من أهل الجنة لزيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم.
السادس: شفاعته –صلى الله عليه وسلم- في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذاب النار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "3340" ومسلم برقم "194".
"2" أخرجه البخاري برقم "99".


يتبع باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.

 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#38
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن فيه الرد على عُبّاد القبور الذين يعتقدون في الأنبياء والصالحين النفع والضر. وذلك أنه إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد حرص على هداية عمّه في حياته فلم يتيسر له، ودعا له بعد موته فنُهي عن ذلك، وذكر سبحانه أن الرسول لا يقدر على هداية من أحبّ، فهذا يدل على أنه –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا نفعاً، فبطل التعلق به لجلب النفع ودفع الضر، وغيره من باب أولى.
إنك: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
لا تهدي: هداية توفيقٍ للدخول في الإسلام. وأما هداية الدعوة والبيان فإن الرسول يملكها {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
من أحببت: هدايته.
ولكن الله يهدي من يشاء: يوفِّق للدخول في الإسلام.
وهو أعلم بالمهتدين: أي: أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية.
المعنى الإجمالي للآية:
يقول تعالى لرسوله –صلى الله عليه وسلم-: إنك لا تقدر على توفيق من تحب دخوله في الإسلام، ولكن ذلك إنما يكون بيد الله، فهو الذي يوفق من شاء له، وهو أعلم بمن يستحقه ممن لا يستحقه.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها دلالة واضحة على أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا عطاء ولا منعاً، وأن الأمر كله بيد الله، ففيها الرد على الذين ينادونه لتفريج الكربات وقضاء الحاجات.
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على الذين يعتقدون أن الأولياء ينفعون أو يضرون ويتصرفون بعد الموت على سبيل الكرامة.
2- أن هداية التوفيق بيد الله سبحانه.
3- إثبات العلم لله سبحانه.
4- إثبات الحكمة لله سبحانه.
5- إبطال التعلق بغير الله.


في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل. فقال له: "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم-، فأعادا. فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك" فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة: 113].
وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}"1" [القصص: 56].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ – ترجمة ابن المسيب: هو سعيد بن المسيب أحد العلماء والفقهاء الكبار من التابعين مات بعد التسعين.
في الصحيح: أي: صحيح البخاري.
عن أبيه: المسيب صحابيّ توفي في خلافة عثمان.
لما حضرت أبا طالب الوفاة: أي: علاماتها ومقدماتها.
يا عم: "عمِّ" منادى مضاف حذفت منه الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها.
كلمة: بالنصب على البدل من "لا إله إلا الله".
أحاج: بتشديد الجيم مفتوحة على الجزم بجواب الأمر –من المحاجة وهي بيان الحجة- أي أشهد لك بها عند الله.
أترغب؟ أتترك؟
ملة عبد المطلب: هي الشرك وعبادة الأصنام، ذكّره بحجة المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22].
فأعاد عليه النبي: أي: أعاد عليه مقالته وهي قولُه: يا عم قل لا إله إلا الله.
وأعادا عليه: أي: أعاد عليه أبو جهل وعبد الله مقالتهما وهي: "أترغب عن ملة عبد المطلب"؟
هو على ملة عبد المطلب: استبدل الراوي بضمير المتكلم ضمير الغائب استقباحاً للفظ المذكور.
وأبى أن يقول: لا إله إلا الله: هذا تأكيدٌ لما قبله.
ما كان للنبي: أي: ما ينبغي، وهو خبرٌ بمعنى النهي.
المعنى الإجمالي للحديث:
كان أبو طالب يحمي النبي –صلى الله عليه وسلم- من أذى قومه، وفعل من حمايته ما لم يفعله غيرُه من الناس، فكان –صلى الله عليه وسلم- حريصاً على هدايته، ومن ذلك أنه عاده لما مرض فجاءه وهو في سياق الموت وعرض عليه الإسلام؛ ليكون خاتمة حياته ليحصل له بذلك الفوز والسعادة، وطلب منه أن يقول كلمة التوحيد. وعرض عليه المشركون أن يبقى على دين آبائه الذي هو الشرك؛ لعلمهم بما تدل عليه هذه الكلمة من نفي الشرك وإخلاص العبادة لله وحده. وأعاد النبي –صلى الله عليه وسلم- طلب التلفظ بالشهادة من عمه. وأعاد المشركون المعارضة وصاروا سبباً لصده عن الحق وموته على الشرك.
وعند ذلك حلف النبي –صلى الله عليه وسلم- ليطلُبن له من الله المغفرة ما لم يمنع من ذلك. فأنزل الله المنع من ذلك وبيّن له أن الهداية بيد الله يتفضل بها على من يشاء؛ لأنه يعلم من يصلح لها ممن لا يصلح.
مناسبة الحديث للباب:
أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك نفعاً لمن هو أقرب الناس إليه، مما يدل على بطلان التعلق عليه –صلى الله عليه وسلم- لجلب النفع أو دفع الضر، وغيره من باب أولى.
ما يستفاد من الحديث:
1- جواز عيادة المريض المشرك إذا رُجي إسلامه.
2- مضرة أصحاب السوء وقرناء الشر على الإنسان.
3- أن معنى لا إله إلا الله ترك عبادة الأصنام والأولياء والصالحين وإفراد الله بالعبادة. وأن المشركين يعرفون معناها.
4- أن من قال لا إله إلا الله عن علمٍ ويقين واعتقادٍ دخل في الإسلام.
5- أن الأعمال بالخواتيم.
6- تحريم الاستغفار للمشركين وتحريم موالاتهم، ومحبتهم.
7- بطلان التعلق على النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيره لجلب النفع أو دفع الضرر.
8- الرد على من زعم إسلام أبي طالب.
9- مضرة تقليد الآباء والأكابر بحيث يُجعل قولهم حجة يرجع إليها عند التنازع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "1360" ومسلم برقم "24" وأحمد في المسند "5/168، 443".

يتبع باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#39
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
وقول الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن المصنف رحمه الله لما بين بعض ما يفعله عبّاد القبور مع الأموات من الشرك المضاد للتوحيد أراد في هذا الباب أن يبين السبب في ذلك ليحذر ويجتنب وهو الغلو في الصالحين.
ما جاء: أي: من الأدلة.
تركهم: بالجر عطفاً على المضاف إليه "كفر".
الغلو: هو: مجاوزة الحد والإفراط في التعظيم بالقول والاعتقاد وتعدي ما أمر الله تعالى به.
في الصالحين: من الأنبياء والأولياء وغيرهم.
أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى.
لا تغلوا في دينكم: لا تتعدوا ما حدد الله لكم، فغلا النصارى في المسيح وغلا اليهود في عزيز.
المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله اليهود والنصارى عن تعدّي ما حدد الله لهم بأن لا يرفعوا المخلوق فوق منزلته التي أنزله الله وينزلوه المنزلة التي لا تنبغي إلا لله.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها النهي عن الغلو مطلقاً، فيشمل الغلو في الصالحين، والخطاب وإن كان لأهل الكتاب فإنه عام يتناول جميع الأمة تحذيراً لهم أن يفعلوا في نبيهم وصالحيهم فعل النصارى في المسيح واليهود في عزيز.
ما يستفاد من الآية:
1- تحريم الغلو في الأشخاص والأعمال وغير ذلك.
2- الرد على اليهود والنصارى ومن شابههم في غلوهم في الأشخاص والأعمال وغير ذلك.
3- الحث على لزوم الاعتدال في الدين وجميع الأمور بين جانبي الأفراط والتفريط.
4- التحذير من الشرك وأسبابه ووسائله.


وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].


قال: "هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت""1
".

وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة ابن القيم: هو الإمام العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، مات سنة 751هـ رحمه الله. وله مؤلفات مفيدة مشهورة.
لا تذرن آلهتكم: لا تتركوا عبادتها.
ولا تذرون وداً... إلخ: أي: ولا تتركوا هؤلاء خصوصاً.
فلما هلكوا: أي: مات أولئك الصالحون وحزن عليهم قومهم حزناً شديداً.
أوحى الشيطان إلى قومهم: أي: وسوس وألقى إليهم.
انصبوا: بكسر الصاد.
أنصاباً: أي: أصناماً مصورة على صورهم.
حتى إذا هلك أولئك: أي: الذين نصبوها ليتذكروا برؤيتها أفعال أصحابها فينشطوا على العبادة.
ونُسي العلم: أي: زالت المعرفة وغلب الجهال الذين لا يميزون بين الشرك والتوحيد.
عُبدت: أي: تلك الأصنام لما قال لهم الشيطان: إن آباءكم كانوا يعبدونها.
ج- المعنى الإجمالي للأثر:
يفسر ابن عباس –رضي الله عنهما- هذه الآية الكريمة بأن هذه الآلهة التي ذكر الله أن قوم نوح تواصوا بالاستمرار على عبادتها بعدما نهاهم نبيهم نوح –عليه السلام- عن الشرك بالله –أنها في الأصل أسماء رجال صالحين منهم، غلوا فيهم بتسويل الشيطان لهم حتى نصبوا صورهم، فآل الأمر بهذه الصور إلى أن صارت أصناماً تعبد من دون الله.
وما ذكره ابن القيم هو بمعنى ما ذكره البخاري إلا أنه ذكر أن عكوفهم على قبورهم كان قبل تصويرهم، فهو يضيف إلى ما سبق أن العكوف على القبور سببٌ لعبادتها أيضاً.
مناسبة الأثر للباب: أنه يدل على أن الغلو في الصالحين سببٌ لعبادتهم من دون الله.
ما يستفاد من الأثر:
1- أن الغلو في الصالحين سببٌ لعبادتهم من دون الله وترك الدين بالكلية.
2- التحذير من التصوير وتعليق الصور، لا سيما صور العظماء.
3- التحذير من مكر الشيطان وعرضه الباطل في صورة الحق.
4- التحذير من البدع والمحدثات ولو حسُن قصد فاعلها.
5- أن هذه وسائل إلى الشرك فيجب الحذر منها.
6- معرفة قدر وجود العلم ومضرة فقده.
7- أن سبب فقد العلم هو موت العلماء.
8- التحذير من التقليد، وأنه قد يؤول بأهله إلى المروق من الإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "4920".

وعن عمر –رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" أخرجاه"1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة عمر رضي الله عنه: هو عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي أمير المؤمنين وأفضل الصحابة بعد الصديق استشهد في ذي الحجة سنة 23هـ.
لا تطروني: الإطراء؛ مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه.
كما أطرت النصارى ابن مريم: أي: كما غلت النصارى في عيسى –عليه السلام- حتى ادَّعوا فيه الألوهية.
فقولوا عبد الله ورسوله: أي: صفوني بذلك كما وصفني به ربي.
معنى الحديث إجمالاً: يقول –صلى الله عليه وسلم-: لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى عليه السلام فادعوا فيه الألوهية. إني لا أعدو أن أكون عبداً لله ورسولاً منه فصفوني بذلك ولا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله.
مناسبة الحديث للباب:
أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الغلو في حقه بإعطائه شيئاً من خصائص الربوبية، مما يدل على تحريم الغلو، وأنه يفضي إلى الشرك كما أفضى بالنصارى في حق عيسى.

ما يستفاد من الحديث:
1- تحريم مجاوزة الحد في مدح النبي –صلى الله عليه وسلم- وإخراجه من دائرة العبودية، لأن ذلك هو الشرك بالله.
2- شدة نصحه –صلى الله عليه وسلم- لأمته.
3- أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك.
4- التحذير من التشبه بالكفار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "3445". والحديث ليس موجوداً في صحيح مسلم كما قال المصنف رحمه الله.
والحديث أخرجه أحمد "1/23، 24، 47، 55".

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راوي الحديث: هذا الحديث ذكره المصنف رحمه الله دون ذكر روايه. وقد رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس.
إياكم: كلمة تحذير.
والغلو: منصوب على التحذير بفعل مقدر، وهو مجاوزة الحد.
من كان قبلكم: من الأمم.
معنى الحديث إجمالاً:
يحذر النبي –صلى الله عليه وسلم- أمته من الزيادة في الدين على الحد المشروع، وهو عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، ومن ذلك الغلو في تعظيم الصالحين مما يكون سبباً في هلاك الأمم السابقة؛ وذلك يقتضي مجانبة هديهم في هذا إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به؛ لأن المشارك لهم في بعض هديهم يُخاف عليه من الهلاك مثلهم.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه النهي عن الغلو مطلقاً، وبيان أنه سببٌ للهلاك في الدنيا والآخرة، فيدخل فيه النهي عن الغلو في الصالحين من باب أولى؛ لأنه سبب للشرك.
ما يستفاد من الحديث:
1- النهي عن الغلو وبيان سوء عاقبته.
2- الاعتبار بمن سبقنا من الأمم لتجنب ما وقعوا فيه من الأخطاء.
3- حرصه –صلى الله عليه وسلم- على نجاة أمته من الشرك ووسائله وابتعادهم عنه.
4- الحث على الاعتدال في العبادة وغيرها بين جانبيّ الإفراط والتفريط.
5- أن الغلو في الصالحين سببٌ للوقوع في الشرك.
6- شدة خوفه –صلى الله عليه وسلم- من الشرك والتحذير عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أحمد في المسند "1/215، 347"، وابن ماجه برقم "3029"، وابن خزيمة برقم "2867"، والحاكم "1/466"، وصححه ووافقه الذهبي.
ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثاً"1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتنطعون: المتعمقون في الشيء من كلامٍ وعبادةٍ وغيرها.
ثلاثاً: أي: قال هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في الإبلاغ والتعليم.
المعنى الإجمالي للحديث:
يوضح النبي –صلى الله عليه وسلم- أن التعمق في الأشياء والغلو فيها يكون سبباً للهلاك، ومراده –صلى الله عليه وسلم- النهي عن ذلك.
مناسبة الحديث للباب: أن التنطع من الغلو المنهي عنه، ويدخل في ذلك التنطع في تعظيم الصالحين إلى الحد الذي يفضي إلى الشرك.
ما يستفاد من الحديث:
1- الحث على اجتناب التنطع في كل شيء؛ لا سيما في العبادات وتقدير الصالحين.
2- الحث على الاعتدال في كل شيء.
3- شدة حرصه على نجاة أمته، واجتهاده في الإبلاغ –صلى الله عليه وسلم-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه مسلم برقم "2670"، وأبو داود برقم "4608" وأحمد "1/386".



يتبع باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#40
رد: ماذا تعرف عن التوحيد ...؟

باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

في الصحيح عن عائشة: أن أم سلمة ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله""1".
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين، فتنة القبور، وفتنة التماثيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
هي بيان أن عبادة الله عند القبر وسيلةٌ إلى الشرك المنافي للتوحيد.
ترجمة أم سلمة: هي أم المؤمنين هند بنت أمية المخزومية القرشية ماتت سنة 62هـ رضي الله عنها.
ذكرتْ للنبي –صلى الله عليه وسلم-: أي: في مرض موته.
كنيسة: بفتح الكاف وكسر النون: معبد النصارى.
أولئك؛ بفتح الكاف وكسرها.
الرجل الصالح أو العبد الصالح: هذا –والله أعلم- شكٌّ من الراوي.
تلك الصور: أي: التي ذكرتْ أم سلمة.
فهؤلاء... إلخ: هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، ذكره المصنف كالتوضيح لمعنى الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث:
أن أمّ سلمة وصفت عند النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو في مرض الموت –ما شاهدته في معبد النصارى من صور الآدميّين. فبين –صلى الله عليه وسلم- السبب الذي من أجله اتخذوا هذه الصور؛ وهو الغلو في تعظيم الصالحين؛ مما أدى بهم إلى بناء المساجد على قبورهم ونصب صورهم فيها، ثم بيّن حكم من فعل ذلك بأنهم شرار الناس؛ لأنهم جمعوا بين محذورين في هذا الصنيع هما: فتنة القبور باتخاذها مساجد، وفتنة تعظيم التماثيل مما يؤدي إلى الشرك.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه الدلالة الواضحة على المنع من عبادة الله عند قبور الصالحين واتخاذها مساجد؛ لأن ذلك من فعل النصارى ومن فَعَله فهو من شرار الخلق.
ما يستفاد من الحديث:
1- المنع من عبادة الله عند قبور الصالحين؛ لأنه وسيلة إلى الشرك وهو من فعل النصارى.
2- التحدث عما يفعله الكفار –ليحذره المسلمون.
3- التحذير من التصوير ونصب الصور؛ لأن ذلك وسيلةٌ إلى الشرك.
4- أن من بنى مسجداً عند قبر رجل صالح فهو من شرار الخلق وإن حسنت نيته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "427" ومسلم برقم "528" وأحمد "6/51".

ولهما عنها قالت: "لما نُزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم- طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذِّر ما صنعوا، ولولا ذلك أُبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجداً"1". أخرجاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهما: أي: البخاري ومسلم، وهو يغني عن قوله في آخره: أخرجاه، فلعله سبق قلم.
عنها: أي: عائشة –رضي الله عنها-.
لما نُزل: بضم النون وكسر الزاي أي: نزل به ملك الموت.
طفق: بكسر الفاء وفتحها أي: جعل.
خميصة: كساءٌ له أعلام أي: خطوط.
اغتم بها: أي: غمّته فاحتبس نفسُه عن الخروج.
كشفها: أي: أزالها عن وجهه الشريف.
فقال وهو كذلك: أي: في هذه الحالة الحرجة يقاسي شدة النزع.
يحذّر ما صنعوا: أي: لعنهم تحذيراً لأمته أن تصنع ما صنعوا.
ولولا ذلك: أي: لولا تحذير النبي –صلى الله عليه وسلم- مما صنعوا ولعنُه من فعَله.
لأُبرز قبرُه: أي: لدُفن خارج بيته.
خَشي: يُروى بفتح الخاء بالبناء للفاعل فيكون المعنى: أنّ الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو الذي أمرهم بعدم إبراز قبره. ويُروى بضم الخاء بالبناء للمفعول فيكون المعنى: أن الصحابة هم الذين خشوا ذلك فلم يُبرزوا قبره.
المعنى الإجمالي للحديث:
أن النبي –صلى الله عليه وسلم- حرصاً منه على حماية التوحيد وتجنيب الأمة ما وقعت فيه الأمم الضالة من الغلو في قبور أنبيائهم حتى آل ذلك بهم إلى الشرك جعل –صلى الله عليه وسلم- وهو في سياق الموت ومقاساة شدة النزع- يحذر أمته أن لا يغلو في قبره فيتخذوه مسجداً يصلون عنده؛ كما فعلت اليهود والنصارى ذلك مع قبور أنبيائهم، فصلى الله عليه لقد بلّغ البلاغ المبين.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه المنع من عبادة الله عند قبور الأنبياء واتخاذها مساجد؛ لأنه يُفضي إلى الشرك بالله.
ما يستفاد من الحديث:
1- المنع من اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يُصلى فيها لله، لأن ذلك وسيلة إلى الشرك.
2- شدة اهتمام الرسول –صلى الله عليه وسلم- واعتنائه بالتوحيد وخوفِه أن يعظّم قبره، لأن ذلك يفضي إلى الشرك.
3- جواز لعن اليهود والنصارى ومن فعل مثل فعلهم من البناء على القبور واتخاذها مساجد.
4- بيان الحكمة من دفن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته، وأن ذلك لمنع الافتتان به.
5- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بشرٌ يَجري عليه ما يجري على البشر من الموت وشدة النزع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "435" ومسلم برقم "531".

ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمسٍ وهو يقول: "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً. ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراجم:
1- جندب هو: جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي صحابيٌّ مشهور، مات بعد الستين –رضي الله عنه-.
2- أبا بكر هو؛ أبو بكرٍ الصديق: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التيمي خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأفضل الصحابة بالإجماع، مات سنة 13 وله 63 سنة رضي الله عنه.
بخمس: أي: خمس ليال. وقيل: خمس سنين.
إني أبرأ: أي: أمتنع وأنكر.
خليلاً؛ الخليل هو: المحبوب غاية الحب.
ألا: حرف استفتاح وتنبيه.
من كان قبلكم: يعني: اليهود والنصارى.
يتخذون قبور أنبيائهم مساجد: بالصلاة عندها وإليها، وبناءِ المساجد والقباب عليها.
المعنى الإجمالي للحديث:
يتحدث –صلى الله عليه وسلم- قبيل وفاته إلى أمته بحديث مهمّ، فيخبر عن مكانته عند الله، وأنها بلغت أعلى درجات المحبة؛ كما نالها إبراهيم عليه السلام، ولذلك نفى أن يكون له خليلٌ غير الله؛ لأن قلبه امتلأ من محبته وتعظيمه ومعرفته؛ فلا يتسع لأحد. ولو كان له خليلٌ من الخلق لكان أبا بكر الصديق، وهو إشارةٌ إلى فضل أبي بكر واستخلافه من بعده. ثم أخبر عن غلو اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم حتى صيّروها متعبدات شركية، ونهى أمته أن يفعلوا مثل فعلهم.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه النهي عن اتخاذ القبور أمكنة للعبادة؛ لأنه وسيلة إلى الشرك. كما تفعل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل البدع.
ما يستفاد من الحديث:
1- النهي عن اتخاذ القبور أمكنة للعبادة يُصلى عندها أو إليها ويُبنى عليها مساجد أو قبابٌ، حذراً من الوقوع في الشرك بسبب ذلك.
2- سد الذرائع المفضية إلى الشرك.
3- إثبات المحبة لله سبحانه على ما يليق بجلاله.
4- فضل الخليلين: محمد وإبراهيم عليهما السلام.
5- فضل أبي بكر الصديق، وأنه أفضل الأمة على الإطلاق.
6- أنه دليل على خلافة أبي بكر الصديق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه مسلم برقم "532".

فقد نهى عنه وهو في آخر حياته، ثم إنه لعن وهو في السياق مَن فَعَلَه. والصلاة عندها من ذلك وإن لم يُبْنَ مسجد. وهو معنى قولِها: خشي أن يتخذ مسجداً. فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً.
وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجداً، كما قال - صلى الله عليه وسلم-: "جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يوضح به ما تدل عليه الأحاديث السابقة في الباب.
توضيح كلام ابن تيمية:
فقوله: "فقد نهى عنه في آخر حياته": كما في حديث جندب.
وقوله: "ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله": كما في حديث عائشة.
وقوله: "والصلاة عندها من ذلك" أي: من اتخاذها مساجد.
وقوله: "وإن لم يُبن مسجدٌ" أي: الصلاة عند القبور من اتخاذها مساجد الملعون من فعله ولو بدون بناء مساجد.
وقوله: "وهو معنى قولِها: خَشي أن يُتخذ مسجداً" أي: معنى قول عائشة في تعليل دفن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بيته وعدم إبراز قبره.
وقوله: "فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً" أي:

لما علموا من تشديده –صلى الله عليه وسلم- في ذلك وتغليظه ولعنِ من فعله فيكون المقصود النهي عن الصلاة عندها.
وقوله: "وكل موضع قُصدت الصلاة فيه فقد اتُخذ مسجداً"؛ لكونه أُعد للصلاة وإن لم يُبن.
وقوله: "بل كل موضع يُصلى فيه يسمى مسجداً" أي: وإن لم يقصد بذلك بخصوصه، بل أوقعت فيه الصلاة عرضاً لما حان وقتها فيه.
وقوله: كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" أراد به الاستدلال للجملة التي قبله، حيث سمى –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الأرض مسجداً، تجوز الصلاة في كل بقعة منها إلا ما استثناه الدليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "335" ومسلم برقم "521".


ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود –رضي الله عنه- مرفوعاً: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد""1" ورواه أبو حاتم في صحيحه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرار الناس: بكسر الشين جمع شرّ، أفعل تفضيل.
من تدركهم الساعة: أي: مقدماتها: كخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها.
يتخذون القبور مساجد: أي: بالصلاة عندها وإليها.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر –صلى الله عليه وسلم- عمن تقوم الساعة عليهم وهم أحياءٌ أنهم شرار الناس، ومنهم الذين يصلون عند القبور وإليها ويبنون عليها القباب، وهذا تحذيرٌ لأمته أن تفعل مع قبور نبيهم وصالحيهم مثل فعل هؤلاء الأشرار.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه التحذير من اتخاذ القبور مساجد، يُصلى في ساحتها ويُتبرك بها؛ لأنه ذريعةٌ إلى الشرك.
ما يستفاد من الحديث:
1- التحذير عن الصلاة عند القبور، لأنه وسيلةٌ إلى الشرك.
2- أن من اتخذ قبور الصالحين مساجد للصلاة فيها فهو من شرار الخلق، وإن كان قصده التقرب إلى الله.
3- أن الساعة تقوم على شرار الناس.
4- التحذير عن الشرك ووسائله وما يقرب إليه، مهما كان قصد صاحب تلك الوسائل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أحمد في مسنده "1/435"، وصححه ابن حبان في صحيحه برقم "340".


باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيّرها أوثاناً تعبد من دون الله