بين أم و إبنها..مثال للصبر و الإحتساب

مزاج كاتب

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#1
:26::9h3:
إلى كل أم فجعت بولدها قتلاً أو أسراً أو فقدا في سبيل قضية عادلة و مبدأ حق يريد المضي فيه, أذكرها بهذه الحادثة النادرة التي شهدتها أرض الإسلام ذات يوم..فعندما حاصر الحجاج الثقفي بجيشه عبد الله بن الزبير المتحصن في مكة مركز خلافته, إستشار والدته أسماء بنت أبي بكر الصديق فيما يكون عليه التصرف إزاء هذا الموقف العصيب, فكيف كان ردها و هل غلبت عاطفة أمومتها و حنانها على حساب شد أزر إبنها و ثباته على موقفه و إن
لقي حتفه و قضى نحبه. حيث قالت له : أنت والله يا بني أعلم بنفسك: إن كنت تعلم أنك على حق، وإليه تدعو، فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية يلعبون بها، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك، وأهلكت من قُتل معك، وإن قلت: كنت فلما وهن أصحابي ضعفت، فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟!.. القتل أحسن.
قال: إني أخاف أن يُمَثِّل بي أهل الشام. "تساؤل قد يطرحه أي شخص بنفس موقفه".
قالت: إن الكبش لا يؤلمه سلخه بعد ذبحه! "جواب مفحم لم تدع له فيه سبيلا للتردد أو الإحجام و هو الشجاع المقدام" .
فدنا ابن الزبير فقبَّل رأسها وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمه، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، لأكون على بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أماه فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله. "و هذا لسان حاله و إزداد شجاعة و إصرارا بعد سماع رأي والدته الحكيم الذي قلما تنطق بها أم في هكذا موقف عصيب و هي كانت عجوز طاعنة في السن و هو إبن 73".
قالت: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا "ترغيب و حض على نيل الشهادة و نيل رضوان الله تعالى ".
قال: جزاك الله خيرًا، فلا تَدَعي الدعاء لي قبل وبعد " لا يستغني عن دعوة والدته و يطمع منها بالكثير و لو بعد مصرعه ".
قالت: لا أدعه أبدًا، فمن قتل على باطل فقد قُتِلتُ على حق. ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك الظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبرَّه بأبيه وبي، اللهم قد سلَّمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين, " ما أعظمها من تزكية و ما أفضلها من شهادة أم بحق إبنها و هي الصادقة بنت الصديق رضي الله عنهما ".
وذهب عبد الله بن الزبير فقاتل الساعات الأخيرة قتال الأبطال، وهو يتمثَّل صورة أمه في عينيه، وصوتها في أذنيه، مرتجزًا منشدًا:
أسماء يا أسماء لا تبكني
لم يبق إلا حسبي وديني
وصارم لأنت بـه يميني
وما زال على ثباته حتى قُتل، فكبر أهل الشام لمقتله، فبلغ ذلك ابن عمر فقال: (الذين كبروا لمولده خير من الذين كبروا لموته).
موقف أسماء مع الحجاج بن يوسف الثقفي: :
صلب الحجاج عبد الله بن الزبير مبالغة في التشفي والإرهاب، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه، فأعاد إليها الرسول: لتأتينني أو لأبعثنّ إليك من يسحبك من قرونك!"لم يراع حالها و يجبر في خاطرها و هي مفجوعة بإبنها". فأبت وقالت: والله لا آتيه حتى يبعث إليَّ من يسحبني بقروني. "ثبات قد يعجز عنه أقوى الرجال الأشداء".
فما كان من الحجاج إلا أن رضخ لصلابتها، وانطلق حتى دخل عليها، فقال: أرأيت كيف نصر الله الحق وأظهره؟
قالت: ربما أُديل الباطل على الحق وأهاه.
قال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟!.
قالت: أراك أفسدت على ابني دنياه، وأفسد عليك آخرتك, "جواب لا يشتهيه أي مسلم عاقل يرجو الآخرة".
قال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وقد قال الله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، وقد أذاقه الله ذاك العذاب الأليم. "يؤول الآيات حسب هواه".
فردت عليه بكلام قصم ظهره و أخرس لسانه و دليلها كلام سيد المرسلين و نبوءة خاتم النبيين التي إنطبق شطرها عليه" قالت: كذبت! كان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وسر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحنَّكه بيده، وكبَّر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحًا به، وكان برًّا بأبويه صوامًا قوامًا بكتاب الله، معظمًا لحرم الله، مبغضًا لمن يعصي الله، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني أن في ثقيف كذَّابًا ومبيرًا، فأما الكذاب فقد رأيناه (تعني: المختار بن عبيد الثقفي)، وأما المبير فلا أخالك إلا إياه!.
فخرج الحجاج من عندها منكسرًا يتمنى لو لم يكن لقيها، بعد أن دخل عليها .
مزهوًّا يريد أن يتشفَّى هذه أسماء بنت أبي بكر العجوز في سن المائة، وهذا هو الحجاج الجبار في أوج انتصاره وعنفوان طغيانه. إنَّ الإيمان في قلبها جعله في عينها يتضاءل ويتضاءل حتى صار شيئًا صغيرًا كالهباء، وجعلها في عينه تمتد وتستطيل حتى صارت شيئًا كبيرًا كالمارد العملاق.
وبلغ عبد الملك بن مروان ما صنع الحجاج مع أسماء بنت أبي بكر فكتب إليه يستنكر فعله، ويقول: ما لك وابنة الرجل الصالح؟ وأوصاه بها خيرًا. ودخل عليها الحجاج فقال: يا أماه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟
قالت: لست لك بأم، إنما أنا أم المصلوب على الثنية، وما لي من حاجة.
وأخيرًا آن للفارس المصلوب أن يترجل، وينزل من فوق خشبته ويسلَّم إلى أمه فتحنّطه وتكفنه وتصلي عليه وتودعه جوف الثرى، ليلتقي في دار الخلود بأبيه الزبير وجده أبي بكر، وجدته صفية، وخالته أم المؤمنين عائشة .
وهكذا استقبلت المصيبة الكبيرة بنفس أكبر، وإيمان أقوى
دخل عليها عبد الله بن عمر ، وابنها مصلوب. فقال لها: إنَّ هذا الجسد ليس بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري.
فقالت: وما يمنعني من الصبر، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل؟
ولم يطل بها المقام بعد ولدها، فما هي إلا مائة يوم -أو أقل- حتى لحقت به عام ثلاث وسبعين للهجرة، وقد بلغت المائة عام، لم تسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل، رحمها الله ورضي عنها.
 
التعديل الأخير:

المواضيع المشابهة

بنوته مصريه

مراقب اقسام
طاقم الإدارة
#3
رد: بين أم و إبنها..مثال للصبر و الإحتساب

وجدته ملخص لقصص شباب فى زمننا
ضحوا بأنفسهم من أجل قضيه او وقوف فى وجه الظلم وقول كلمه الحق
ولكن الفرق أنه فى زمننا
يمثل بالعبد قبل قتله وليس بعده
شكرا أخى الغالى على ما قدمته هنا
:hh7 ::hh7 :
 

زبيدة

مشرفة أقسام ألفوتوشوب سابقا
#6
رد: بين أم و إبنها..مثال للصبر و الإحتساب

:6h8: