مِنَ التاءِ إلى النونِ تَبدَأُ رِحلَتي و أهِيِئُ فِكرَتي و أنثُرُ ما بِجُعبَتي لِلنَسجِ على مِنوالِ ما سبَقني بهِ المُفَكِرونَ. و إن خَلَت مقالَتي مِن وَقَفاتٍ تأريخيةٍ أو تجاربَ عمليةٍ فإنَني أكتُبُ مِن عُصارَةِ ذهني و ألتزِمُ شَيئاً منَ السَجَعِ إسلوباً أميلُ إلَيهِ عساهُ يكونُ مُحَبَباً و يَستَسهِلُهُ الآخرون. و إن كنتُ لَأحتارُ كيفَ أَلِجُ بابَ التَعريفِ بِهذا المُصطَلَحِ الواسِعِ المَعنى و هَل أُفلِحُ في إيصالِ رسالَتي المُتَوَخاةِ مِن هذا النَثرِ المُنتَهيَةِ فقراتِهِ بإسلوبٍ مُنَظَمٍ شِبهَ مَوزون. فأقولُ: كانتِ الحاجةُ إلى التَعاونِ منذُ بدءِ الخليقةِ و ما زالَتِ الحاجةُ إليهِ ضرورةٌ لا بُدَ مِنها قَد وعاها السابِقونَ و أدركها المعاصرونَ و لا ريبَ سائرٌ عَلَيها اللاحقونَ. فَفي تَحصيلِ الطعام كانَ هناكَ زارِعاً للنباتِ و الآخرُ حاصِداً لَهُ،و ثالِثٌ يَصنَعُ مِنهُ طعاماً يَسُدُ جوعةَ لبُطونِ. و فِي كافةِ مناحي حياةِ السِلمِ كانت هناكَ يَدٌ تُرفَع تَسنُدَها يَدٌ يَعضِدُها رَأيٌ يُهَيِئُ لَها أرضِيَةً تَقومُ علَيها يَدٌ أخرى و تَتَعَدَدُ الأيادي و يَكثُرُ المُتَعاوِنونَ. و في أوقاتِ الحَربِ كان يُرتجى من الشبيبةِ الإقدامَ و التَضحيةَ، و مِن أولي الشَيبَةِ الرأي و المشورةَ بِحكمِ التَجرُبَة، و مِن العاجزينَ عن تقديمِ إحداهُما ينحصِرُ واجبَهم بالدعمِ و التَشجيعِ خلفَ الصفوفِ أو في البيوتِ بأقلِ ما يُمكِن إعتبارُهُ مِن قُبَيلِ العَون. و ما قامتِ الأممُ و نواتُها الأولى مِن أُسَرٍ و تجمعاتٍ صغيرةٍ إلا على هذا الأساسِ حقيقةً تأكَدَت مِن مصادرِ التأريخِ و أنهَت كلَ شكٍ و ظنون. فَفي التعاونِ يَسهُلِ العسيرُ و يقلُ الكثيرُ و يقربُ البعيدُ و يُنجَزُ المُستَحيلُ و شتّان ما بينَ ناتِجِ عَمَلِ الأفرادِ و ما يُتِمُه المُجتَمِعونَ. و هَل بِغَيرِ التَعاوِنِ شُيِدَ سورُ الصينِ العظيمِ،و هَل بِسِواهُ شيئٌ آخرٌ بُنِيَت على أساسِهِ الإهراماتُ الأثَرُ الخالِدُ عَبر القُرون. و لَستُ في مَعرِضِ إيرادِ أدِلَةٍ أوِ الإسهابُ في ذِكرِ أمثِلَةٍ، و إنَما إختَرتُ مِنها ما كانَ مَجهودُهُ كبيراً و أثرهُ قَد عُمِرَ طَويلاً فَأينَ المُشَكِكون؟. و بِالتَعاوِنِ تَتَجَسَدُ حقيقةَ التَكافُلِ و تَبادُلِ الخِبراتِ و التَنسيقِ في إستغلالِ الأمكانياِتِ و هذا مَعلومٌ سَلَفاً كما تَعرفون. فَلَدَيَ ما ليس لِغَيري و لِغَيري ما أفتَقِرُ إلَيهِ، فَما ضَرُ لَو تَحَقَقَ التَعاونُ و كُلُنا يَحوزُ على ما عَجِزَت عنِ الوصولِ إليهِ كِلتا ساعِدَيهِ. إنهُ سُنَةٌ كَونيةٌ و ضَرورَةٌ عَمَلِيَةٌ تُحَقِقُ المنفَعَةَ البَشَريَةَ قديماً و حديثاً ما زالَت مَطمَحِ الجَميعِ و إلَيها يَتَسابقون. و ما نَراهُ اليَومَ مِن تَكَتُلاتٍ إقتِصاديةٍ و إتحاداتٍ إقليميةٍ و أخرى قَوميةٍ أو دينيةٍ ما غايتُها إلا الإستزادة مِما تَدُرُهُ عليهم هذه التجربةُ التي تَفوقُ ما يَتَحَصَلونَ عَلَيها لَو كانوا أشتاتاً و عَنِ الوِحدَةٍ سَيَنفِرون. ألَم يَحِثُ القُرآنُ الكريمُ على التَعاونِ، و قَرَنَهُ بِشَرطِ البِرِ و التَقوى لا الإثمِ و العُدوانِ و إثارةِ الضَغائِن. و لَو تَمَ تَطبيقُ مفهومَهُ اليَومَ بِحّافيرهِ،و جَنَتِ البَشَريَةُ جمعاءَ مِن آثارِ تَدابيرِهِ،إذا لَما بَقيَت هناكَ بطونٌ خاويةٌ،و لا أكبادٌ ظامِئَةٌ،و لا أجسادٌ عاريةٌ،و لا كرامةٌ مُهدَرَةٌ، و لأضحى الكُلُ في هذا الكَوكَبِ سَواسِية. فَمَتى يَصدُقُ الدُعاةُ إلَيه و يَتَنَكرونَ لِلذاتِ، و يَتَفانَونَ في تَقديمِ مصالِحِ الشعوبِ على الأنانياتِ. إنَهُ حُلُمٌ وَرديٌ نَتوقُ إلَيهِ،و بابٌ لِلخَيرِ نَتَمَنى لو يُفتَحُ على مِصراعَيهِ، إذاً لَشُيِدَت لِلمثالِيَةِ صُروحُها مِن جَديدٍ، و لأصبَحَت أيامُ البشَريةِ كُلَها فَرَحٌ و عيد، فأينَ مَن يَحرِص على إقامةِ هذا المَجدِ التَليدِ؟!
مع أطيبِ الأأمنياتِ
أخوكم: وعـد
21/8/2013
التعديل الأخير: