قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#41
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )


قائلا
(إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ)

قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري
واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو
دفعه الخوف من موسى عليه السلام إلى استرحامه صارخا
وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس
فتوقف موسى عليه السلام
سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس
وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين
استدار موسى عليه السلام عائدا
ومضى وهو يستغفر ربه.
وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي
أن موسى عليه السلام هو قاتل المصري
الذي عثروا على جثته أمس
ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتل
فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة
وانكشف سر موسى عليه السلام
وظهر أمره..
وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا
ونصح موسى عليه السلام بالخروج من مصر
لأن المصريين ينوون قلته
لم يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي
جاء يحذر موسى عليه السلام
يعرف الرجل أن موسى عليه السلام
لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس..
لكن رؤساء القوم وعليتهم
الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى عليه السلام
لأنه من بني إسرائيل
ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر
وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى
فهو قاتل المصري
لذا فهو يستحق القتل.
خرج موسى عليه السلام من مصر على الفور
خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب

في قلبه دعاء لله
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)


وكان القوم ظالمين حقا
خرج موسى عليه السلام من مصر على عجل
لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه
ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته
لم يكن معه دابة تحمله على ظهرها وتوصله
ولم يكن في قافلة
إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن
وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج
اختار طريقا غير مطروق وسلكه
دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت
له العناية الإلهية أن يتجه
لم يكن موسى عليه السلام يسير قاصدا مكانا معينا
هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده.
ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان
كان هذا المكان هو مدين
جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم
وكان خائفا طوال الوقت
أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه
لم يكد موسى عليه السلام يصل إلى مدين
حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح
نال منه الجوع والتعب
وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير
على الرمال والصخور والتراب
لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة
ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب
لاحظ موسى عليه السلام جماعة
من الرعاة يسقون غنمهم
ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم
أحس موسى عليه السلام
بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة
تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما
في شيء

قالت إحداهما
نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم
لنسقي.
سأل موسى عليه السلام ولماذا لا تسقيان؟
قالت الأخرى
لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم
المفروض أن يرعى الرجال الأغنام
هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة
سأل موسى عليه السلام
لماذا ترعيان الغنم؟
فقالت واحدة منهما
أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج
كل يوم للرعي.
فقال موسى عليه السلام
سأسقي لكما.
سار موسى عليه السلام
نحو الماء وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة


وفي رواية أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر
بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة
لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال
فرفع موسى الصخرة وحده
وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها
وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة

وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه
(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)

عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ
سأل الأب
عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
قالت إحداهما
تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
فقال الأب لابنته
اذهبي إليه وقولي له
(إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ)
ليعطيك
(أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)

ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى عليه السلام
ووقفت أمامه وأبلغته رسالة أبيها
فنهض موسى عليه السلام وبصره في الأرض
إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا
وإنما ساعدهما لوجه الله
غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي
يوجه قدميه فنهض.
سارت البنت أمامه
هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره
حياء وقال لها
سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.
وصلا إلى الشيخ
قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب
عمر طويلا بعد موت قومه
وقيل إنه ابن أخي شعيب
وقيل ابن عمه
وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به
لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.
قدم له الشيخ الطعام وسأله
من أين قدم وإلى أين سيذهب؟
حدثه موسى عليه السلام عن قصته

قال الشيخ
(لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

هذه البلاد لا تتبع مصر
ولن يصلوا إليك هنا
اطمأن موسى عليه السلام ونهض لينصرف.

قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا
(يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)

سألها الأب
كيف عرفت أنه قوي؟
قالت
رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
سألها
وكيف عرفت أنه أمين؟
قالت
رفض أن يسير خلفي وسار أمامي
حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي
وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه
في الأرض حياء وأدبا

وعاد الشيخ لموسى عليه السلام
وقال له
أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي
على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات

فإن أتممت عشر سنوات
فمن كرمك
لا أريد أن أتعبك
(سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)

قال موسى عليه السلام هذا اتفاق بيني وبينك
والله شاهد على اتفاقنا
سواء قضيت السنوات الثمانية
أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب

يخوض الكثيرون في تيه من الأقاصيص والروايات حول أي ابنتي الشيخ تزوج
وأي المدتين قضى
والثابت أن موسى عليه السلام
تزوج إحدى ابنتي الشيخ
لا نعرف من كانت
ولا ماذا كان اسمها
وهذه الأمور سكت عنها السياق القرآني
إلا أنه استنادا إلى طبيعة موسى عليه السلام
وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم
نرى أنه قضى الأجل الأكبر
وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما
وهكذا عاش موسى عليه السلام يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة
وكان عمل موسى عليه السلام
ينحصر في الخروج مع الفجر
كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها

ولنقف هنا وقفة تدبر

إن قدرة الإلهية نقلت خطى موسى عليه السلام
خطوة بخطوة
منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه اللحظة
ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون
وألقت عليه محبة زوجة فرعون لينشأ
في كنف عدوّه
ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها
ليقتل نفسا
وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون
ليحذره وينصحه بالخروج من مصر
وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر
إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد
ولا استعداد
وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر
ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف.
هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه
قبل النداء والتكليف
تجربة الرعاية والحب والتدليل
تجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس
وتجربة الندم والاستغفار
وتجربة الخوف والمطاردة
وتجربة الغربة والوحدة والجوع
وتجربة الخدمة ورغي الغنم بعد حياة القصور
وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من تجارب صغيرة
ومشاعر وخواطر
وإدراك ومعرفة إلى جانب ما آتاه الله
حين بلغ أشده من العلم والحكمة

إن الرسالة تكليف ضخم شاق
يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة


إلى جانب وحي الله وتوجيهه
ورسالة موسى عليه السلام تكليف عظيم
فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر
أعتى ملوك الأرض في زمانه
وأشدهم استعلاء في الأرض
وهو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس
الذل حتى استمرأوا مذاقه
فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.
فتجربة السنوات العشر جاءت لتفصل بين حياة القصور
التي نشأ فيها موسى عليه السلام
وحياة الجهد الشاق في الدعوة وتكاليفها العسيرة
فلحياة القصور جوا وتقاليد خاصة
أما الرسالة فهي معاناة لجماهير من الناس
فيهم الغني والفقير، المهذب والخشن، القوي
والضعيف وفيهم وفيهم.
وللرسالة تكاليفها من المشقة ومن التجرد أحيانا
وقلوب أهل القصور في الغالب
لا تصبر طويلا على الخشونة والحرمان والمشقة.
فلما استكملت نفس موسى عليه السلام تجاربها
وأكملت مرانها بهذه التجربة الأخيرة

ترى أي خاطر راود موسى عليه السلام
فعاد به إلى مصر بعد انقضاء الأجل
وقد خرج منها خائفا يترقب
وأنساه الخطر الذي ينتظره بها
وقد قتل فيها نفسا
وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ
من قومه ليقتلوه
إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها.
لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن
وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا
ليؤدي المهمة التي خلق لها

خرج موسى مع أهله وسار

اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف
وساد الظلام
اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء
وزادت حدة البرد والظلام
وتاه موسى عليه السلام أثناء سيره
ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله..
ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد
امتلأ قلبه بالفرح فجأة
قال لأهله
أني رأيت نارا هناك.
أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار
لعله يأتيهم منها بخبر
أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه
أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.
وتحرك موسى عليه السلام نحو النار.
سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه
يده اليمنى تمسك عصاه
جسده مبلل من المطر
ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى.
لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي
لم يكن هناك برد ولا رياح
ثمة صمت عظيم ساكن
واقترب موسى من النار

لم يكد يقترب منها حتى نودي
(أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء
كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة
والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود
وهي تحترق...
لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد
كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه
وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى
ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة
والله عز وجل ينادي
يَا مُوسَى
فأجاب موسى
نعم.
قال الله عز وجل
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ
ازداد ارتعاش موسى
وقال نعم يا رب
قال الله عز وجل
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
عاد الحق سبحانه وتعالى يقول
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى
فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى
زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.
قال الرحمن الرحيم
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى

ازدادت دهشة موسى
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه
والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه
لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه
لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك
أجاب موسى
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
قال الله عز وجل
أَلْقِهَا يَا مُوسَى

رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته
وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان
عظيم الحجم هائل الجسم
وراح الثعبان يتحرك بسرعة
ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه
أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف
فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري
لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله
يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.

عاد موسى عليه السلام يستدير ويقف
لم تزل العصا تتحرك
لم تزل الحية تتحرك

قال الله سبحانه وتعالى لموسى
خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى

مد موسى يده للحية وهو يرتعش
لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا

عاد الأمر الإلهي يصدر له
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا
هي تتلألأ كالقمر

زاد انفعال موسى عليه السلام بما يحدث
وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..
اطمأن موسى عليه السلام وسكت.
وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين

معجزة العصا
ومعجزة اليد

أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين
ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر
وأبدى موسى عليه السلام خوفه من فرعون
قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه
توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون
طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى
وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء
أفهم الله موسى عليه السلام أنه هو الغالب
ودعا موسى عليه السلام
وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره
ويمنحه القدرة على الدعوة إليه
ثم راجع لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا
إلى فرعون
انحدر موسى عليه السلام بأهله قاصدا مصر.
جاءت الأوقات الصعبة
وها هو ذا موسى عليه السلام
يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها
بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم.
يعلم موسى عليه السلام
أن فرعون مصر طاغية
يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل
لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون
أن يدعوه بلين ورفق إلى الله
أوحى الله لموسى عليه السلام
أن فرعون لن يؤمن
ليدعه موسى وشأنه
وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل
والكف عن تعذيبهم

قال تعالى لموسى وهارون
(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ)

هذه هي المهمة المحددة
وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات
إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم
ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به
ويستحيي نسائهم
ويذبح أبنائهم
ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر.
يعلم موسى عليه السلام
أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي
على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم
وجهدهم وطاقاتهم في الدولة
فهل يفرط فرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر
ذهبت الأفكار وجاءت
فاختصرت مشقة الطريق
ورفع الستار عن مشهد المواجهة
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#42
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

الجزء الثاني


يتناول عوده موسى عليه السلام لمصر داعيا إلى الله وحده
والصراع بين موسى عليه السلام
وفرعون في مصر
وغرق فرعون وجنوده

مواجهة فرعون

واجه موسى عليه السلام فرعون بلين ورفق
كما أمره الله
حاول إيقاظ جوانبه الإنسانية في الحديث
استمع فرعون إلى حديث موسى عليه السلام


ثم سأل فرعون موسى عليه السلام
ماذا يريد
فأجاب موسى عليه السلام
أنه يريد أن يرسل معه بني إسرائيل
ويعجب فرعون وهو يرى موسى عليه السلام
يواجهه بهذه الدعوى العظيمة

ومن ثم بدأ فرعون يذكره بماضيه
يذكره بتربيته له فهل هذا جزاء التربية والكرامة
التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟
لتأتي الآن لتخالف ديننا
وتخرج على الملك الذي تربيت في قصره
وتدعوا إلى إله غيره
ويذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم
فلا يتحدث عنها بصريح العبارة

وإنما يقول
(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ)
فعلتك البشعة الشنيعة
(وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)

برب العالمين الذي تقول به اليوم
فأنت لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين
لم تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم
ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم
وظن فرعون أنه رد على موسى عليه السلام
ردا لن يملك معه جوابا
إلا أن الله استجاب لدعاء موسى من قبل

فانطلق لسانه
(قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)

فعلت تلك الفعلة وأنا بعد جاهل
أندفع اندفاع العصبية لقومي
لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم

(فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)

على نفسي
فقسم الله لي الخير فوهب لي الحكمة

(وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)

ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ)


فما كانت تربيتي في بيتك وليدا
إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل
وقتل أبنائهم
مما دفع أمي لوضعي في التابوت
عند هذا الحد تدخل فرعون في الحديث..

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ
قال موسى عليه السلام
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ
التفت فرعون لمن حوله وقال هازئا
أَلَا تَسْتَمِعُونَ
قال موسى عليه السلام متجاوزا سخرية فرعون
رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
قال فرعون مخاطبا من جاءوا مع موسى
من بني إسرائيل
إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
عاد موسى عليه السلام يتجاوز اتهام فرعون
ويكمل
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ


نلاحظ أن فرعون لم يكن يسأل موسى عليه السلام
عن رب العالمين
أو رب موسى وهارون عليهم السلام
بقصد السؤال البريء والمعرفة
إنما كان يهزأ
ولقد أجابه موسى عليه السلام

إجابة جامعة مانعة محكمة
(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)

هو الخالق
خالق الأجناس جميعا والذوات جميعا
وهو القابض على ناصيتها في كل حال

لم تؤثر هذه العبارة الرائعة والموجزة في فرعون

وها هو ذا يسأل
(فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى)
لم تعبد ربك هذا
لم يزل فرعون ماضيا في استكباره واستهزائه
ويرد موسى عليه السلام

هذه القرون الأولى
(عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ)
أحصى الله ما عملوه في كتاب

(لَّا يَضِلُّ رَبِّي)
أي لا يغيب عنه شيء
(وَلَا يَنسَى)

أي لا يغيب عن شيء
إن الله يعرف كل شيء ويسجل عليها ما عملته
ولا يضيع شيئا من أجورهم

ثم استلفت موسى عليه السلام نظر فرعون
إلى آيات الله في الكون ودار به مع حركة الرياح
والمطر والنبات وأوصله مرة ثانية إلى الأرض
وهناك افهمه أن الله خلق الإنسان من الأرض
وسيعيده إليها بالموت
ويخرجه منها بالبعث
إن هناك بعثا إذن
وسيقف كل إنسان يوم القيامة أمام الله تعالى
لا استثناء لأحد
سيقف كل عباد الله وخلقه أمامه يوم القيامة
بما في ذلك فرعون
بهذا جاء موسى عليه السلام مبشرا ومنذرا

لم يعجب فرعون هذا النذير
وتصاعد الحوار بينه وبين موسى عليه السلام
هاج فرعون على موسى عليه السلام وثار
وأنهى الحوار معه بالتهديد الصريح
وهذا هو سلاح الطغاة عندما يفتقرون
للحج والبراهين والمنطق

(قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)

إلا أن موسى عليه السلام بدأ الإقناع بأسلوب جديد
و إظهار المعجزة

(قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ)
فهو يتحدى فرعون
ويحرجه أمام ملأه
فلو رفض فرعون الإصغاء
سيظهر واضحا أنه خائف من حجة موسى

(قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#43
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )


ألقى موسى عليه السلام
عصاه في ردهة القصر العظيمة
لم تكد العصا تلمس الأرض حتى تحولت
إلى ثعبان هائل يتحرك بسرعة
ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها
فإذا هي بيضاء كالقمر
وتبدأ الجولة الثانية بين الحق والباطل
حيث شاور فرعون الملأ من حوله فيما يجب فعله
والملأ لهم مصلحة في أن تبقى الأمور
على ما هي عليه
فهم مقربون من فرعون
ولهم نفوذ وسلطان
فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر مثله
فيجمع السحرة لتحدي موسى وأخاه عليهم السلام
حدد الميقات، وهو يوم الزينة
وبدأت حركة إعداد الجماهير
وتحميسهم فدعوهم للتجمع وعدم التخلف عن الموعد
ليراقبوا فوز السحرة وغلبتهم على موسى عليه السلام
والجماهير دائما تتجمع لمثل هذه الأمور.

أما السحرة، فقد ذهبوا لفرعون ليطمئنون
على الأجر والمكافأة إن غلبوا موسى عليه السلام
وها هو فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر
يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه
وهو بزعمه الملك والإله

وفي ساحة المواجهة

والناس مجتمعون وفرعون ينظر
حضر موسى وأخاه هارون عليهما السلام
وحضر السحرة وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل
وكلهم ثقة بفوزهم في هذا التحدي
لذا بدءوا بتخيير موسى


(إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى)
وتتجلى ثقة موسى عليه السلام
في الجانب الآخر واستهانته بالتحدي


(بَلْ أَلْقُوا)
فرمى السحرة عصيهم وحبالهم بعزة فرعون

(فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ
إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ)

رمى السحرة بعصيهم وحبالهم فإذا المكان
يمتلئ بالثعابين فجأة


(سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)
وحسبنا أن يقرر القرآن الكريم أنه سحر عظيم

(وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)
لندرك أي سحر كان
وحسبنا أن نعلم أنهم

(سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ)
وأثاروا الرهبة في قلوبهم
(وَاسْتَرْهَبُوهُمْ)
لنتصور أي سحر كان
فنظر موسى عليه السلام إلى حبال السحرة
وعصيهم وشعر بالخوف
في هذه اللحظة يذكّره ربّه بأن معه القوة الكبرى
فهو الأعلى ومعه الحق
أما هم فمعهم الباطل
معه العقيدة ومعهم الحرفة
معه الإيمان بصدق الذي دفعه لما هو فيه
ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة
موسى عليه السلام
متصل بالقوة الكبرى والسحرة يخدمون
مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا
لا تخف

(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ)
وستهزمهم
فهو سحر من تدبير ساحر وعمله
والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار
لأنه يعتمد على الخيال والإيهام والخداع
ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية

اطمأن موسى عليه السلام ورفع عصاه وألقاها
لم تكد عصا موسى عليه السلام
تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى
وضخامة المعجزة حولت مشاعر ووجدان السحرة الذين
جاءوا للمباراة وهم أحرص الناس
على الفوز لنيل الأجر
الذي بلغت براعتهم لحد أن يشعر
موسى عليه السلام بالخوف
من عملهم
تحولت مشاعرهم بحيث لم يسعفهم الكلام للتعبير

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)


إنه فعل الحق في الضمائر
ونور الحق في المشاعر
ولمسة الحق في القلوب المهيأة لتلقي الحق
والنور واليقين
إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم
ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه
وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى عليه السلام
فهم أعلم إن كان هذا من عمل بشر أو ساحر
هزت هذه المفاجأة العرش من تحته
مفاجأة استسلام السحرة
تسائل فرعون مستغربا


(آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ)
ويزيد في طغيانه فيقول


(إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا)

ويظل الطاغية يتهدد


(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)
ويتوعد

(لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ)
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#44
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان
تستعلي على قوة الأرض
وتستهين ببأس الطغاة

(قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ)

إنه الإيمان الذي لا يتزعزع ولا يخضع
ويعلن السحرة حقيقة المعركة

(وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا)

فلا يطلبون الصفح والعفو من عدوّهم
إنما يطلبون الثبات والصبر من ربهم

(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين)

فيقف الطغيان عاجزا أما هذا الوعي
وهذا الاطمئنان عاجزا عن رد هؤلاء المؤمنين لطريق الباطل
من جديد...
فينفذ تهديده
ويصلبهم على جذوع النخل
وتبدأ جولة جديدة بين الحق والباطل
القوم من المصريين
يتآمرون ويحرضون فرعون على موسى عليه السلام
ومن آمن معه
ويخوّفونه من عاقبة التهاون معهم
وهم يرون الدعوة إلى ربوبية الله وحدة
إفسادا في الأرض
حيث يترتب عليها بطلان شرعية
حكم فرعون ونظامه كله
وقد كان فرعون يستمد قوته
من ديانتهم الباطلة
ففكر بوحشيته المعتادة وقرر

(قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)
(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ
يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

إلا أن قومه بدءوا يشتكون من العذاب
الذي حل بهم

(قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)

أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك
وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له نهاية
فيمضي النبي الكريم على نهجه
يذكرهم بالله ويعلق رجاءهم به
ويلوح لهم بالأمل في هلاك عدوهم
واستخلافهم في الأرض مع التحذير من فتنة الاستخلاف....
فاستخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم
فهو استخلاف للامتحان

(قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ
فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#45
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

وينقلنا القرآن الكريم إلى فصل آخر
من قصة موسى عليه السلام
ومشهد آخر من مشاهد المواجهة بين الحق والباطل
حيث يحكي لما قصة تشاور فرعون مع الملأ
في قتل موسى عليه السلام



(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ
أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)


أما موسى عليه السلام فالتجأ إلى الركن الركين
والحصن الحصين
ولاذ بحامي اللائذين
ومجير المستجيرين


(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم
مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)


موقف الرجل المؤمن من آل فرعون
كادت فكرة فرعون أن تحصل على التصديق
لولا رجل من آل فرعون
رجل من رجال الدولة الكبار
لا يذكر القرآن اسمه
إنما ذكر القرآن أنه رجل مؤمن
ذكره بالصفة التي لا قيمة لأي صفة بعدها.
تحدث هذا الرجل المؤمن
وكان
(يَكْتُمُ إِيمَانَهُ)
تحدث في الاجتماع الذي طرحت فيه
فكرة قتل موسى وأثبت عقم الفكرة وسطحيتها
قال إن موسى لم يقل أكثر من أن الله ربه
وجاء بعد ذلك بالأدلة الواضحة على كونه رسولا
وهناك احتمالان لا ثالث لهما
أن يكون موسى كاذبا
أو يكون صادقا
فإذا كان كاذبا
(فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ)
وهو لم يقل ولم يفعل ما يستوجب قتله
وإذا كان صادقا وقتلناه
فما هو الضمان من نجاتنا من العذاب الذي يعدنا به
تحدث المؤمن الذي يكتم إيمانه
فقال لقومه
إننا اليوم في مراكز الحكم والقوة
من ينصرنا من بأس الله إذا جاء
ومن ينقذنا من عقوبته إذا حلت
إن إسرافنا وكذبنا قد يضيعنا
وبدت كلماته مقنعة
إنه رجل ليس متهما في ولائه لفرعون
وهو ليس من أتباع موسى عليه السلام
والمفروض أنه يتكلم بدافع الحرص على عرش فرعون.
ولا شيء يسقط العروش كالكذب والإسراف
وقتل الأبرياء.
ومن هذا الموضع استمدت كلمات الرجل المؤمن قوتها
بالنسبة إلى فرعون ورجاله
رغم تخويف الرجل المؤمن لفرعون
قال فرعون كلمته


(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد)
(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)
هذا رأينا الخاص
وهو رأي يهديكم سبيل الرشاد
وكل رأي غيره خاطئ
وينبغي الوقوف ضده واستئصاله
لم تتوقف المناقشة عند هذا الحد
قال فرعون كلمته ولكنه لم يقنع بها الرجل المؤمن
وعاد الرجل المؤمن يتحدث
وأحضر لهم أدلة من التاريخ
أدلة كافية على صدق موسى عليه السلام
وحذّر من المساس به
لقد سبقتهم أمم كفرت برسلها
فأهلكها الله قوم نوح، قوم عاد، قوم ثمود
ثم ذكّرهم بتاريخ مصر نفسه
ذكّرهم بيوسف عليه السلام حين جاء بالبينات
فشك فيه الناس ثم آمنوا به بعد أن كادت النجاة
ما الغرابة في إرسال الله للرسل
إن التاريخ القديم ينبغي أن يكون موضع نظر
كان حديث الرجل المؤمن ينطوي على عديد
من التحذيرات المخيفة
ويبدو أنه أقنع الحاضرين بأن
فكرة قتل موسى عليه السلام
فكرة غير مأمونة العواقب
وبالتالي فلا داعي لها
إلا أن الطاغية فرعون حاول مرة أخرى المحاورة والتمويه
كي لا يواجه الحق جهرة
ولا يعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه
وبعيد عن احتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه
فطلب أن يبنى له بناء عظيم
يصعد عليه ليرى إله موسى عليه السلام
الذي يدعيه
وبعيدا أن يكون جادا في البحث عن إله موسى
على هذا النحو المادي الساذج
وقد بلغ فراعنة مصر
من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور
وإنما هو الاستهتار والسخرية من جهة
والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى.
بعد هذا الاستهتار
وهذا الإصرار

ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة



(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا
وَلَا فِي الْآخِرَةِ
وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ
وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )

أنهى الرجل المؤمن حديثه بهذه الكلمات الشجاعة
بعدها انصرف.
فتحول الجالسون من موسى عليه السلام إليه
بدءوا يمكرون للرجل المؤمن
بدءوا يتحدثون عما صدر منه
فتدخلت عناية الله تعالى


(فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)
وأنجته من فرعون وجنوده
أما حال مصر في تلك الفترة
فلقد مضى فرعون
في تهديده فقتل الرجال واستحيا النساء
وظل موسى عليه السلام
وقومه يحتملون العذاب
ويرجون فرج الله ويصبرون على الابتلاء
وظل فرعون في ظلاله وتحدّيه
فتدخلت قوة الله سبحانه وتعالى
وشاء الله تعالى أن يشدد على آل فرعون
ابتلاء لهم وتخويفا
ولكي يصرفهم عن الكيد لموسى عليه السلام
ومن آمن معه
وإثباتا لنبوة موسى عليه السلام
وصدقه في الوقت نفسه
وهكذا سلط على المصريين أعوام الجدب
أجدبت الأرض وشح النيل ونقصت الثمار
وجاع الناس
واشتد القحط
لكن آل فرعون لم يدركوا العلاقة بين كفرهم
وفسقهم وبين بغيهم وظلمهم لعباد الله
فأخذوا يعللون الأسباب
فعندما تصيبهم حسنة
يقولون إنها من حسن حظهم وأنهم يستحقونها
وإن أصابتهم سيئة
قالوا هي من شؤم موسى عليه السلام
ومن معه عليهم
وأنها من تحت رأسهم
وأخذتهم العزة بالإثم فاعتقدوا
أن سحر موسى عليه السلام
هو المسئول عما أصابهم من قحط
وصور لهم حماقتهم أن هذا الجدب الذي أصاب أرضهم
آية جاء بها موسى ليسحرهم بها
فشدد الله عليهم لعلهم يرجعون إلى الله
فأرسل عليهم الطوفان، والجراد، والقمل
والضفادع، والدم.
ولا يذكر القرآن إن كانت جملة واحدة
أم واحدة تلو الأخرى
وتذكر بعض الروايات أنها جاءت متتالية
وحدة تلو الأخرى
إلا أن المهم هو طلب آل فرعون من موسى
أن يدعو لهم ربه لينقذهم من هذا البلاء


(قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ
لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ)

فكان موسى عليه السلام يدعو الله بأن يكشف
عنهم العذاب
وما أن ينكشف البلاء حتى ينقضون عهدهم
ويعودون إلى ما كانوا فيه

(فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ
إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ)
لم يهتد المصريون ولم يوفوا بعهودهم
بل على العكس من ذلك
خرج فرعون لقومه
وأعلن أنه إله
أليس له ملك مصر
وهذه الأنهار تجري من تحته
أعلن أن موسى عليه السلام ساحر كذاب
ورجل فقير لا يرتدي أسورة واحدة من الذهب
ويعبّر القرآن الكريم عن أمر فرعون وقومه

(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)
استخف بعقولهم واستخف بحريتهم
واستخف بمستقبلهم
واستخف بآدميتهم فأطاعوه
أليست هذه طاعة غريبة
تنمحي الغرابة حين نعلم أنهم كانوا قوما فاسقين.
إن الفسق يصرف الإنسان عن الالتفات لمستقبله
ومصالحه وأموره
بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى عليه السلام
ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل
ولن يكف عن استخفافه بقومه
هنالك دعا موسى وهارون عليهم السلام
على فرعون


(وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ
رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ
فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا
وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ )

وأوحي إلى موسى عليه السلام
أن يخرج من مصر مع بني إسرائيل
وأن يكور رحيلهم ليلا
بعد تدبير وتنظيم لأمر الرحيل
ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده
وأمره أن يقوم قومه إلى ساحل البحر

(وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس
بمنطقة البحيرات)
وبلغت الأخبار فرعون أن موسى عليه السلام
قد صحب قومه وخرج
فأرسل أوامره في مدن المملكة لحشد جيش عظيم
ليدرك موسى عليه السلام وقومه
ويفسد عليهم تدبيرهم
أعلن فرعون التعبئة العامة
وهذا من شأنه أن يشكل صورة في الأذهان
أن موسى وقومه يشكلون خطرا
على فرعون وملكه فيكف يكون إلها
يخشى فئة صغيرا يعبدون إله آخر
لذلك كان لا بد من تهوين الأمر
وذلك بتقليل شأن قوم موسى وحجمهم


(إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)
لكننا نطاردهم لأنهم أغاظونا
وعلى أي حال
فنحن حذرون مستعدون ممسكون بزمام الأمور
وقف موسى عليه السلام
أمام البحر
وبدا جيش فرعون يقترب
وامتلأ قوم موسىعليه السلام بالرعب
كان الموقف حرجا وخطيرا
إن البحر أمامهم والعدو ورائهم وليس معهم
سفن أو أدوات لعبور البحر
كما ليست أمامهم فرصة واحدة للقتال
إنهم مجموعة من النساء والأطفال
والرجال غير المسلحين
سيذبحهم فرعون
صرخت بعض الأصوات من قوم موسى عليه السلام
سيدركنا فرعون

قال موسى عليه السلام
(كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)

لم يكن يدري موسى عليه السلام
كيف ستكون النجاة
لكن قلبه كان ممتلئا بالثقة بربه
واليقين بعونه
والتأكد من النجاة
فالله هو اللي يوجهه ويرعاه
وفي اللحظة الأخيرة
يجيء الوحي من الله
(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ)

فضربه
فوقعت المعجزة
(فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)
وتحققه المستحيل في منطق الناس
لكن الله إن أراد شيئا قال له كن فيكون
ووصل فرعون إلى البحر
شاهد هذه المعجزة
شاهد في البحر طريقا يابسا يشقه نصفين
فأمر جيشه بالتقدم
وحين انتهى موسى عليه السلام
من عبور البحر
وأوحى الله إلى موسى أن يترك البحر
على حاله
(وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ)
وكان الله تعالى قد شاء إغراق فرعون
فما أن صار فرعون وجنوده في منتصف البحر
حتى أصدر الله أمره
فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه
وغرق فرعون وجيشه
غرق العناد ونجا الإيمان بالله
ولما عاين فرعون الغرق
ولم يعد يملك النجاة

(قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ
وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

سقطت عنه كل الأقنعة الزائفة
وتضائل
فلم يكتفي بأن يعلن إيمانه
بل والاستسلام أيضا

(وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
لكن بلا فائدة فليس الآن وقت اختيار
بعد أن سبق العصيان والاستكبار

(آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
انتهى وقت التوبة المحدد لك وهلكت
انتهى الأمر ولا نجاة لك
سينجو جسدك وحده
لن تأكله الأسماك
ولين يحمله التيار بعيدا عن الناس
بل سينجو جسدك لتكون آية لمن خلفك

(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً
وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ )


أسدل الستار على طغيان فرعون
ولفظت الأمواج جثته إلى الشاطئ
بعد ذلك
نزل الستار تماما عن المصريين
لقد خرجوا يتبعون خطا موسى عليه السلام
وقومه ويقفون أثرهم
فكان خروجهم هذا هو الأخير
وكان إخراجا لهم من كل ما هم فيه
من جنات وعيون وكنوز
فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم
لا يحدثنا القرآن الكريم عما فعله من بقى من المصررين
في مصر بعد سقوط نظام الفرعون
وغرقه مع جيشه
لا يحدثنا عن ردود فعلهم بعد أن دمر الله
ما كان يصنع فرعون وقومه
وما كانوا يشيدون
يسكت السياق القرآني عنهم
ويستبعدهم تماما من التاريخ والأحداث
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#46
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

الجزء الثالث

يتناول حياة موسى عليه السلام
مع بني إسرائيل بعد غرق فرعون
والأحداث العظيمة التي حدثت أثناء ضياعهم في صحراء سيناء
هذا ما سنعرف في المشاركه القادمه ان شاء الله
في حفظ الله جميعاً
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#47
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

ثم تتداركه رحمة ربه من جديد
فيتلقى موسى عليه السلام البشرى
بشرى الاصطفاء
مع التوجيه له بالرسالة إلى قومه بعد الخلاص

قال تعالى
(قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي
وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)

ثم يبين الله تعالى مضمون الرسالة

(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً
وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ
وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)

ففيها كل شيء يختص بموضوع الرسالة
وغايتها من بيان الله وشريعته
والتوجيهات المطلوبة لإصلاح حال هذه الأمة
وطبيعتها التي أفسدها الذل وطول الأمد!

عبادة العجل

انتهى ميقات موسى عليه السلام مع ربه تعالى
وعاد غضبان أسفا إلى قومه
فلقد أخبره الله أن قموه قد ضلّوا من بعده
وأن رجلا من بني إسرائيل يدعى السّامري
هو من أضلّهم
انحدر موسى عليه السلام من قمة الجبل
وهو يحمل ألواح التوراة قلبه يغلي بالغضب والأسف
نستطيع أن نتخيل انفعال موسى عليه السلام
وثورته وهو يحث خطاه نحو قومه.
لم يكد موسى عليه السلام
يغادر قومه إلى ميقات ربه
حتى وقعت فتنة السامري

وتفصيل هذه الفتنة

أن بني إسرائيل حين خرجوا من مصر
صحبوا معهم كثيرا من حلي المصريين وذهبهم
حيث كانت نساء بني إسرائيل قد استعرنه
للتزين به وعندما أمروا بالخروج حملوه معهم
ثم قذفوها لأنها حرام
فأخذها السامري
وصنع منها تمثالا لعجل
وكان السامري فيما يبدو نحاتا محترفا
أو صائغا سابقا
فصنع العجل مجوفا من الداخل
ووضعه في اتجاه الريح
بحيث يدخل الهواء من فتحته الخلفية
ويخرج من أنفه فيحدث صوتا
يشبه خوار العجول الحقيقية
ويقال إن سر هذا الخوار
أن السامري كان قد أخذ قبضة من تراب
سار عليه جبريل عليه السلام
حين نزل إلى الأرض في معجزة شق البحر
أي أن السامري أبصر بما لم يبصروا به
فقبض قبضة من أثر الرسول جبريل عليه السلام
فوضعها مع الذهب وهو يصنع منه العجل
وكان جبريل عليه السلام
لا يسير على شيء إلا دبت فيه الحياة
فلما أضاف السامري التراب إلى الذهب
ثم صنع منه العجل
خار العجل كالعجول الحقيقية
وهذه هي القصة التي قالها السامري
لموسى عليه السلام
بعد ذلك خرج السامري على بني إسرائيل
بما صنعه...

سألوه
ما هذا يا سامري؟
قال
هذا إلهكم وإله موسى
قالوا
لكن موسى ذهب لميقات إلهه.
قال السامري
لقد نسي موسى
ذهب للقاء ربه هناك
بينما ربه هنا.

وهبت موجة من الرياح فدخلت من دبر العجل الذهب
وخرجت من فمه فخار العجل
وعبد بنو إسرائيل هذا العجل
لعل دهشة القارئ تثور لهذه الفتنة
كيف يمكن الاستخفاف بعقول القوم لهذه الدرجة
لقد وقعت لهم معجزات هائلة
فكيف ينقلبون إلى عبادة الأصنام في لحظة
تزول هذه الدهشة لو نظرنا في نفسية القوم
الذين عبدوا العجل
إن كلمات الله لم تعدهم إلى الحق
كما أن المعجزات الحسية لم تقنعهم بصدق الكلمات
ظلوا داخل أعماقهم من عبدة الأوثان
كانوا وثنيين مثل سادتهم المصريين القدماء
ولهذا السبب انقلبوا إلى عبادة العجل.
وفوجئ هارون عليه الصلاة والسلام
يوما بأن بني إسرائيل يعبدون عجلا من الذهب

انقسموا إلى قسمين

الأقلية المؤمنة أدركت أن هذا هراء
والأغلبية الكافرة طاوعت حنينها لعبادة الأوثان
ووقف هارون عليه السلام
وسط قومه يعظهم
قال لهم
إنكم فتنتم به، هذه فتنة
استغل السامري جهلكم وفتنكم بعجله

ليس هذا ربكم ولا رب موسى
(وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#48
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

عاد هارون عليه السلام
يعظهم ويذكرهم بمعجزات الله التي أنقذهم بها
وتكريمه ورعايته لهم
فأصموا آذانهم ورفضوا كلماته
واستضعفوه وكادوا يقتلونه
وأنهوا مناقشة الموضوع بتأجيله
حتى عودة موسى عليه السلام
كان واضحا أن هارون عليه السلام
أكثر لينا من موسى عليه السلام
لم يكن يهابه القوم للينه وشفقته
وخشي هارون عليه السلام
أن يلجأ إلى القوة ويحطم لهم صنمهم
الذي يعبدونه فتثور فتنة بين القوم
فآثر هارون عليه السلام
تأجيل الموضوع إلى أن يحضر
موسى عليه السلام
كان يعرف أن موسى عليه السلام
بشخصيته القوية
يستطيع أن يضع حدا لهذه الفتنة
واستمر القوم يرقصون حول العجل
انحدر موسى عليه السلام
عائدا لقومه فسمع صياح القوم وجلبتهم
وهم يرقصون حول العجل
توقف القوم حين ظهر موسى وساد صمت
صرخ موسى عليه السلام

يقول
(بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ)

اتجه موسى عليه السلام
نحو هارون عليه السلام
وألقى ألواح التوراة من يده على الأرض
كان إعصار الغضب داخل موسى عليه السلام
يتحكم فيه تماما
مد موسى عليه السلام
يديه وأمسك هارون عليه السلام
من شعر رأسه وشعر لحيته
وشده نحوه وهو يرتعش

قال موسى عليه السلام
(يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي )

إن موسى عليه السلام
يتساءل هل عصى هارون عليه السلام أمره
كيف سكت على هذه الفتنة؟
كيف طاوعهم على البقاء معهم
ولم يخرج ويتركهم ويتبرأ منهم؟
كيف سكت عن مقاومتهم أصلا؟
إن الساكت عن الخطأ مشترك فيه بشكل ما
زاد الصمت عمقا بعد جملة موسى عليه السلام الغاضبة
وتحدث هارون إلى موسى.
رجا منه أن يترك رأسه ولحيته
بحق انتمائهما لأم واحدة
وهو يذكره بالأم ولا يذكره بالأب ليكون
ذلك أدعى لاستثارة مشاعر الحنو في نفسه.
أفهمه أن الأمر ليس فيه عصيان له
وليس فيه رضا بموقف عبدة العجل
إنما خشي أن يتركهم ويمضي
فيسأله موسى عليه السلام
كيف لم يبق فيهم وقد تركه موسى عليه السلام
مسؤولا عنهم
وخشي لو قاومهم بعنف
أن يثير بينهم قتالا
فيسأله موسى عليه السلام
كيف فرق بينهم ولم ينتظر عودته.
أفهم هارون أخاه موسى برفق ولين أن القوم استضعفوه
وكادوا يقتلونه حين قاومهم
رجا منه أن يترك رأسه ولحيته
حتى لا يشمت به الأعداء
ويستخف به القوم زيادة على استخفافهم به
أفهمه أنه ليس ظالما مثلهم عندما سكت
عن ظلمهم.
أدرك موسى عليه السلام
أنه ظلم هارون في غضبه الذي أشعلته غيرته
على الله تعالى وحرصه على الحق
أدرك أن هارون عليه السلام
تصرف أفضل تصرف ممكن في هذه الظروف

ترك رأسه ولحيته
واستغفر الله له ولأخيه

التفت موسى عليه السلام
لقومه وتساءل بصوت
لم يزل يضطرب غضبا

(يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا
أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ
غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي)

إنه يعنفهم ويوبخهم ويلفتهم
بإشارة سريعة إلى غباء ما عملوه
عاد موسى عليه السلام
يقول غاضبا أشد الغضب


(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ
مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)

لم تكد الجبال تبتلع أصداء الصوت الغاضب
حتى نكس القوم رءوسهم وأدركوا خطأهم
كان افتراؤهم واضحا على الحق
الذي جاء به موسى عليه السلام
أبعد كل ما فعله الله تعالى لهم
ينكفئون على عبادة الأصنام
أيغيب موسى عليه السلام
أربعين يوما ثم يعود ليجدهم يعبدون عجلا من الذهب
أهذا تصرف قوم؟؟
عهد الله إليهم بأمانة التوحيد في الأرض
التفت موسى عليه السلام
إلى السامري بعد حديثه القصير
مع هارون عليه السلام
تحدث موسى عليه السلام
إلى السامري وغضبه لم يهدأ بعد

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ

إنه يسأله عن قصته
ويريد أن يعرف منه
ما الذي حمله على ما صنع
قال السامري
بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
رأيت جبريل وهو يركب فرسه
فلا تضع قدمها على شيء إلا دبت فيه الحياة
فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ
أخذت حفنة من التراب الذي سار عليه جبريل عليه السلام
وألقيتها على الذهب
فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي
هذا ما ساقتني نفسي إليه.
لم يناقش موسى عليه السلام
السامري في ادعائه
إنما قذف في وجهه حكم الحق
ليس المهم أن يكون السامري قد رأى جبريل عليه السلام
فقبض قبضة من أثره
ليس المهم أن يكون خوار العجل
بسبب هذا التراب
الذي سار عليه فرس جبريل عليه السلام
أو يكون الخوار بسبب ثقب اصطنعه السامري
ليخور العجل
المهم في الأمر كله جريمة السامري
وفتنته لقوم موسى عليه السلام

هذه هي الجريمة التي حكم فيها موسى عليه السلام

(قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ
لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا
لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ
ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)

حكم موسى عليه السلام
على السامري بالوحدة في الدنيا
يقول بعض المفسرين
إن موسى عليه السلام
دعا على السامري بأن لا يمس أحدا
معاقبة له على مسه ما لم يكن ينبغي له مسه.
ونعتقد أن الأمر أخطر كثيرا من هذه النظرة السريعة
إن السامري أراد بفتنته ضلال بني إسرائيل
وجمعهم حول عجله الوثني والسيادة عليهم
وقد جاءت عقوبته مساوية لجرمه
لقد حكم عليه بالنبذ والوحدة
هل مرض السامري مرضا جلديا
صار الناس يأنفون من لمسه
أو مجرد الاقتراب منه
هل جاءه النبذ من خارج جسده
لا نعرف ماذا كان من أمر الأسلوب
الذي تمت به وحدة السامري
ونبذ المجتمع له
كل ما نعرفه أن موسى عليه السلام
أوقع عليه عقوبة رهيبة
كان أهون منها القتل
فقد عاش السامري منبوذا محتقرا
لا يلمس شيئا ولا يمس أحدا ولا يقترب منه مخلوق
هذه هي عقوبته في الدنيا
ويوم القيامة له عقوبة ثانية

نهض موسى عليه السلام

بعد فراغه من السامري إلى العجل الذهب
وألقاه في النار
لم يكتف بصهره أمام عيون القوم المبهوتين
وإنما نسفه في البحر نسفا
تحول الإله المعبود أمام عيون المفتونين به
إلى رماد يتطاير في البحر

ارتفع صوت موسى عليه السلام
(إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)

هذا هو إلهكم
وليس ذلك الصنم الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا
بعد أن نسف موسى الصنم
وفرغ من الجاني الأصلي
التفت إلى قومه
وحكم في القضية كلها فأفهمهم أنهم ظلموا أنفسهم
وترك لعبدة العجل مجالا واحدا للتوبة
وكان هذا المجال أن يقتل المطيع من بني إسرائي من عصى

قال تعالى
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ
فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ
عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم


كانت العقوبة التي قررها موسى عليه السلام
على عبدة العجل مهولة وتتفق مع الجرم الأصلي
إن عبادة الأوثان إهدار لحياة العقل وصحوته
وهي الصحوة التي تميز الإنسان عن غيره
من البهائم والجمادات
وإزاء هذا الإزهاق لصحوة العقل
تجيء العقوبة إزهاقا لحياة الجسد نفسه
فليس بعد العقل للإنسان حياة يتميز بها
ومن نوع الجرم جاءت العقوبة
جاءت قاسية ثم رحم الله تعالى وتاب
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم
أخيرا سَكَتَ عَن مُّوسَى عليه السلام الْغَضَبُ
تأمل تعبير القرآن الكريم الذي يصور الغضب
في صورة كائن يقود تصرفات موسى
ابتداء من إلقائه لألواح التوراة
وشده للحية أخيه ورأسه
وانتهاء بنسف العجل في البحر
وحكمه بالقتل على من اتخذوه ربا
التفت موسى عليه السلام
إلى مهمته الأصلية حين زايله غضبه
فتذكر أنه ألقى ألواح التوراة
وعاد موسى عليه السلام
يأخذ الألواح ويعاود دعوته إلى الله.
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#49
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )


عاد موسى عليه السلام إلى هدوئه
واستأنف جهاده في الله
وقرأ ألواح التوراة على قومه
أمرهم في البداية أن يأخذوا بأحكامها بقوة وعزم
ومن المدهش أن قومه ساوموه على الحق.
قالوا
انشر علينا الألواح فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة
قبلناها
فقال موسى عليه السلام
بل اقبلوها بما فيها
فراجعوا مرارا فأمر الله تعالى ملائكته فرفعت الجبل
على رءوسهم حتى صار كأنه غمامة فوقهم
وقيل لهم
إن لم تقبلوها بما فيها سقط ذلك الجبل عليكم
فقبلوا بذلك
وأمروا بالسجود فسجدوا
وضعوا خدودهم على الأرض وراحوا ينظرون إلى الجبل
فوقهم هلعا ورعبا
وهكذا أثبت قوم موسى عليه السلام
أنهم لا يسلمون وجوههم لله إلا إذا لويت أعناقهم
بمعجزة حسية باهرة تلقي الرعب في القلوب
وتنثني الأقدام نحو سجود قاهر يدفع الخوف إليه دفعا
وهكذا يساق الناس بالعصا الإلهية إلى الإيمان
يقع هذا في ظل غياب الوعي والنضج الكافيين
لقيام الاقتناع العقلي.

اختيار سبعين رجلا لميقات الله

أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل
أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه اختار منهم سبعين رجلا
وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة
على من تركتم وراءكم من قومكم
صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم
خرج موسى عليه السلام
بهؤلاء السبعين المختارين لميقات حدده له الله تعالى
دنا موسى عليه السلام من الجبل
وكلم الله تعالى موسى عليه السلام
وسمع السبعون موسى عليه السلام وهو يكلم ربه.

ولعل معجزة كهذه المعجزة تكون الأخير

وتكون كافية لحمل الإيمان إلى القلوب مدى الحياة
غير أن السبعين المختارين لم يكتفوا
بما استمعوا إليه من المعجزة إنما طلبوا رؤية الله تعالى
قالوا سمعنا ونريد أن نرى

قالوا لموسى عليه السلام ببساطة
(يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)

هي مأساة تثير أشد الدهشة
وهي مأساة تشير إلى صلابة القلوب واستمساكها بالحسيات والماديات
كوفئ الطلب المتعنت بعقوبة صاعقة
أخذتهم رجفة مدمرة صعقت أرواحهم وأجسادهم على الفور
ماتوا....
أدرك موسى عليه السلام
ما أحدثه السبعون المختارون فملأه الأسى وقام يدعو ربه
ويناشده أن يعفو عنهم ويرحمهم
وألا يؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم
وليس طلبهم رؤية الله تبارك وتعالى
وهم على ما هم فيه من البشرية الناقصة وقسوة القلب
غير سفاهة كبرى
سفاهة لا يكفر عنها إلا الموت.
ووقف موسى عليه السلام
يدعو ربه ويستعطفه ويترضاه..

يحكي المولى عز وجل دعاء موسى عليه السلام
بالتوبة على قومه في سورة الأعراف


(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا
إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء
أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِين
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ
إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ
وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ
الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )

هذه كانت كلمات موسى عليه السلام
لربه وهو يدعوه ويترضاه
ورضي الله تعالى عنه وغفر لقومه فأحياهم بعد موتهم
واستمع المختارون في هذه اللحظات الباهرة من تاريخ الحياة
إلى النبوءة بمجيء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#50
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

نزول المن والسلوى

سار موسى عليه السلام بقومه في سيناء
وهي صحراء ليس فيها شجر يقي من الشمس
وليس فيها طعام ولا ماء
وأدركتهم رحمة الله فساق إليهم المن والسلوى وظللهم الغمام
والمن مادة يميل طعمها إلى الحلاوة
وتفرزها بعض أشجار الفاكهة
وساق الله إليهم السلوى
وهو نوع من أنواع الطيور
يقال إنه (السمان)
وحين اشتد بهم الظمأ إلى الماء
وسيناء مكان يخلو من الماء
ضرب لهم موسى عليه السلام
بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا
من المياه وكان بنو إسرائيل ينقسمون إلى 12 سبطا
فأرسل الله المياه لكل مجموعة
ورغم هذا الإكرام والحفاوة
تحركت في النفوس التواءاتها المريضة
واحتج قوم موسى عليه السلام
بأنهم سئموا من هذا الطعام
واشتاقت نفوسهم إلى البصل والثوم والفول والعدس
وكانت هذه الأطعمة أطعمة مصرية تقليدية
وهكذا سأل بنو إسرائيل نبيهم موسى عليه السلام
أن يدعو الله ليخرج لهم من الأرض هذه الأطعمة
وعاد موسى عليه السلام
يستلفتهم إلى ظلمهم لأنفسهم
وحنينهم لأيام هوانهم في مصر
وكيف أنهم يتبطرون على خير الطعام
وأكرمه ويريدون بدله أدنى الطعام وأسوأه
السير باتجاه بيت المقدس
سار موسى عليه السلام
بقومه في اتجاه البيت المقدس
أمر قومه بدخولها وقتال من فيها والاستيلاء عليها
وها قد جاء امتحانهم الأخير.
بعد كل ما وقع لهم من المعجزات والآيات والخوارق
جاء دورهم ليحاربوا
بوصفهم مؤمنين
رفض قوم موسى عليه السلام
دخول الأراضي المقدسة
وحدثهم عن نعمة الله عليهم
كيف جعل فيهم أنبياء
وجعلهم ملوكا يرثون ملك فرعون
وآتاهم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ.

وكان رد قومه عليه أنهم يخافون من القتال
قالوا
إن فيها قوما جبارين

ولن يدخلوا الأرض المقدسة
حتى يخرج منها هؤلاء
وانضم لموسى وهارون عليهم السلام
اثنان من القوم
تقول كتب القدماء إنهم خرجوا في ستمائة ألف
لم يجد موسى عليه السلام
من بينهم غير رجلين على استعداد للقتال
واصبح هذان الرجلان يحاولان إقناع القوم
بدخول الأرض والقتال

قال
إن مجرد دخولهم من الباب سيجعل لهم النصر
ولكن بني إسرائيل جميعا كانوا

يتدثرون بالجبن ويرتعشون في أعماقهم

مرة أخرى تعاودهم طبيعتهم التي عاودتهم
قبل ذلك حين رأوا قوما يعكفون على أصنامهم فسدت فطرتهم
وانهزموا من الداخل
واعتادوا الذل
فلم يعد في استطاعتهم أن يحاربوا
وإن بقي في استطاعتهم أن يتوقحوا
على نبي الله موسى وربه

وقال قوم موسى عليه السلام له كلمتهم الشهيرة
(فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)

هكذا بصراحة وبلا التواء.
أدرك موسى عليه السلام
أن قومه ما عادوا يصلحون لشيء
عاد إلى ربه يحدثه أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه
دعا موسى عليه السلام
على قومه أن يفرق الله بينه وبينهم.

وأصدر الله تعالى حكمه على هذا الجيل

الذي فسدت فطرته من بني إسرائيل
كان الحكم هو التيه أربعين عاما
حتى يموت هذا الجيل أو يصل إلى الشيخوخة
ويولد بدلا منه جيل آخر
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#51
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

قصة البقرة

بدأت أيام التيه
بدأ السير في دائرة مغلقة
تنتهي من حيث تبدأ
وتبدأ من حيث تنتهي
بدأ السير إلى غير مقصد
ليلا ونهارا وصباحا ومساء
مكث موسى عليه السلام في قومه يدعوهم إلى الله
ويبدو أن نفوسهم كانت ملتوية بشكل
لا تخطئه عين الملاحظة
وتبدو لجاجتهم وعنادهم فيما يعرف بقصة البقرة
فإن الموضوع لم يكن يقتضي كل هذه المفاوضات
بينهم وبين موسى عليه السلام
كما أنه لم يكن يستوجب كل هذا التعنت
وأصل قصة البقرة أن قتيلا ثريا وجد يوما
في بني إسرائيل
واختصم أهله ولم يعرفوا قاتله
وحين أعياهم الأمر لجئوا لموسى عليه السلام
ليلجأ لربه
ولجأ لربه فأمره أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة
وكان المفروض هنا أن يذبح القوم أول بقرة تصادفهم
غير أنهم بدءوا مفاوضتهم باللجاجة
اتهموا موسى عليه السلام
بأنه يسخر منهم ويتخذهم هزوا
واستعاذ موسى عليه السلام بالله أن يكون من الجاهلين
ويسخر منهم
أفهمهم أن حل القضية يكمن في ذبح بقرة.
إن الأمر هنا أمر معجزة
لا علاقة لها بالمألوف في الحياة
أو المعتاد بين الناس
ليست هناك علاقة بين ذبح البقرة ومعرفة القاتل
في الجريمة الغامضة التي وقعت
لكن متى كانت الأسباب المنطقية هي التي تحكم
حياة بني إسرائيل
إن المعجزات الخارقة هي القانون السائد في حياتهم
وليس استمرارها في حادث البقرة أمرا
يوحي بالعجب أو يثير الدهشة.

لكن بني إسرائيل هم بنو إسرائيل
ويعاود أمره أن يذبحوا بقرة
وتعود الطبيعة المراوغة لبني إسرائيل إلى الظهور
تعود اللجاجة والالتواء
فيتساءلون
أهي بقرة عادية كما عهدنا من هذا الجنس من الحيوان؟
أم أنها خلق تفرد بمزية
فليدع موسى ربه ليبين ما هي
ويدعو موسى عليه السلام
ربه فيزداد التشديد عليهم
وتحدد البقرة أكثر من ذي قبل
بأنها بقرة وسط
ليست بقرة مسنة
وليست بقرة فتية
بقرة متوسطة
إلى هنا كان ينبغي أن ينتهي الأمر
غير أن المفاوضات لم تزل مستمرة
ومراوغة بني إسرائيل لم تزل هي التي تحكم مائدة المفاوضات.
ما هو لون البقرة؟
لماذا يدعو موسى ربه ليسأله عن لون هذا البقرة
لا يراعون مقتضيات الأدب والوقار اللازمين
في حق الله تعالى وحق نبيه الكريم
وكيف أنهم ينبغي أن يخجلوا من تكليف
موسى عليه السلام بهذا الاتصال المتكرر
حول موضوع بسيط لا يستحق كل هذه اللجاجة
والمراوغة ويسأل موسى عليه السلام
ربه ثم يحدثهم عن لون البقرة المطلوبة
فيقول أنها بقرة صفراء
فاقع لونها تسر الناظرين

وهكذا حددت البقرة بأنها صفراء

ورغم وضوح الأمر، فقد عادوا إلى اللجاجة والمراوغة
فشدد الله عليهم كما شددوا على نبيه وآذوه
عادوا يسألون موسى أن يدعو الله ليبين ما هي
فإن البقر تشابه عليهم، وحدثهم موسى عن بقرة
ليست معدة لحرث ولا لسقي
سلمت من العيوب، صفراء لا شية فيها
بمعنى خالصة الصفرة
انتهت بهم اللجاجة إلى التشدي
وبدءوا بحثهم عن بقرة بهذه الصفات الخاصة

أخيرا وجدوها عند يتيم فاشتروها وذبحوها
وأمسك موسى عليه السلام جزء من البقرة

(وقيل لسانها)
وضرب به القتيل فنهض من موته
سأله موسى عليه السلام
عن قاتله فحدثهم عنه
(وقيل أشار إلى القاتل فقط من غير أن يتحدث)
ثم عاد إلى الموت
وشاهد بنو إسرائيل معجزة إحياء الموتى أمام أعينهم
استمعوا بآذانهم إلى اسم القاتل
انكشف غموض القضية التي حيرتهم زمنا
طال بسبب لجاجتهم وتعنتهم

ساعتها قالوا له
"الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ"

كأنه كان يلعب قبلها معهم
ولم يكن ما جاء هو الحق من أول كلمة لآخر كلمة
ثم انظر إلى ظلال السياق وما تشي به من ظلمهم

(فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ)

ألا توحي لك ظلال الآيات بتعنتهم وتسويفهم
ومماراتهم ولجاجتهم في الحق
هذه اللوحة الرائعة تشي بموقف بني إسرائيل
على موائد المفاوضات
هي صورتهم على مائدة المفاوضات
مع نبيهم الكريم موسى عليه السلام

إيذاء بني إسرائيل لموسى عليه السلام

قاسى موسى عليه السلام
من قومه أشد المقاساة
وعانى عناء عظيما
واحتمل في تبليغهم رسالته ما احتمل في سبيل الله
ولعل مشكلة موسى عليه السلام الأساسية
أنه بعث إلى قوم طال عليهم العهد بالهوان والذل
وطال بقاؤهم في جو يخلو من الحرية
وطال مكثهم وسط عبادة الأصنام
ولقد نجحت المؤثرات العديدة المختلفة
في أن تخلق هذه النفسية الملتوية الخائرة المهزومة
التي لا تصلح لشيء
إلا أن تعذب أنبيائها ومصلحيها.
وقد عذب بنو إسرائيل موسى عليه السلام
عذابا نستطيع نحن أبناء هذا الزمان
أن ندرك وقعه على نفس موسى عليه السلام
النقية الحساسة الكريمة
ولم يقتصر العذاب على العصيان
والغباء والجهل وعبادة الأوثان
وإنما تعدى الأمر إلى إيذاء موسى عليه السلام في شخصه

قال تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى
فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا )
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#52
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

فترة التيه

ولعل أعظم إيذاء لموسى عليه السلام
كان رفض بني إسرائيل القتال من أجل نشر
عقيدة التوحيد في الأرض
أو على أقل تقدير
السماح لهذه العقيدة أن تستقر على الأرض في مكان
وتأمن على نفسها
وتمارس تعبدها في هدوء
لقد رفض بنو إسرائيل القتال

وقالوا لموسى كلمتهم الشهيرة
(فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)

وبهذه النفسية حكم الله عليهم بالتيه
وكان الحكم يحدد أربعين عاما كاملة
وقد مكث بنو إسرائيل في التيه أربعين سنة
حتى فني جيل بأكمله
فنى الجيل الخائر المهزوم من الداخل

فقد مات موسى عليه الصلاة والسلام

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان قومه
يؤذونه في الله
قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر.

مات هارون عليه السلام قبل موسى بزمن قصير
واقترب أجل موسى عليه الصلاة والسلام
وكان لم يزل في التيه

قال يدعو ربه
رب أدنني إلى الأرض المقدسة رمية حجر.

أحب أن يموت قريبا من الأرض التي هاجر إليها
وحث قومه عليها
ولكنه لم يستطع
ومات في التيه
ودفن عند كثيب أحمر حدث عنه آخر أنبياء الله
في الأرض حين أسرى به
قال محمد صلى الله عليه وسلم
لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي
في قبره عند الكثيب الأحمر.

تروي الأساطير عديدا من الحكايات
حول موت موسى عليه السلام
لكننا لا نحب أن نخوض في هذه الروايات
حتى لا ننجرف وراء الإسرائيليات
التي دخلت بعض كتب التفسير

مات موسى عليه الصلاة والسلام في التيه
وتولى يوشع بن نون أمر بني إسرائيل
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#53
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

اكمال القصه

وعاد جبريل عليه السلام يقول له
إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك
تاقت نفس موسى عليه السلام
إلى زيادة العلم
وانعقدت نيته على الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم..
سأل كيف السبيل إليه..
فأمر أن يرحل
وأن يحمل معه حوتا في مكتل
أي سمكة في سلة..
وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت
ويتسرب في البحر
سيجد العبد العالم..
انطلق موسى طالب العلم ومعه فتاه..
وقد حمل الفتى حوتا في سلة..
انطلقا بحثا عن العبد الصالح العالم..
وليست لديهم أي علامة على المكان الذي يوجد فيه
إلا معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة
وتسربها إلى البحر.
ويظهر عزم موسى عليه السلام
على العثور على هذا العبد العالم
ولو اضطره الأمر إلى أن يسير أحقابا وأحقابا
قيل أن الحقب عام
وقيل ثمانون عاما
على أية حال فهو تعبير عن التصميم
لا عن المدة على وجه التحديد
وصل الاثنان إلى صخرة جوار البحر..
رقد موسى عليه السلام واستسلم للنعاس
وبقي الفتى ساهرا..
وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ
فأصاب الحوت رذاذ فدبت فيه الحياة

وقفز إلى البحر..
(فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)..

وكان تسرب الحوت إلى البحر علامة
أعلم الله بها موسى عليه السلام
لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي
جاء موسى عليه السلام
يتعلم منه
نهض موسى عليه السلام
من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر..
ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت..
وسار موسى عليه السلام مع فتاه بقية يومهما
وليلتهما وقد نسيا حوتهما..

ثم تذكر موسى عليه السلام غداءه وحل عليه التعب..

(قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)..

ولمع في ذهن الفتى ما وقع.
وأخبر موسى عليه السلام بما وقع
واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أن يذكر له ما وقع
رغم غرابة ما وقع
فقد اتخذ الحوت

(سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)..

كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بن نون
لقد رأى الحوت يشق الماء فيترك علامة
وكأنه طير يتلوى على الرمال.

(قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)..

هذا ما كنا نريده..
إن تسرب الحوت يحدد المكان الذي سنلتقي
فيه بالرجل العالم..
ويرتد موسى عليه السلام
وفتاه يقصان أثرهما عائدين..
انظر إلى بداية القصة
وكيف تجيء غامضة أشد الغموض
مبهمة أعظم الإبهام
أخيرا وصل موسى عليه السلام
إلى المكان الذي تسرب منه الحوت..
وصلا إلى الصخرة التي ناما عندها
وتسرب عندها الحوت من السلة إلى البحر..
وهناك وجدا رجلا.

يقول البخاري إن موسى وفتاه
وجدا الخضر مسجى بثوبه..

وقد جعل طرفه تحت رجليه وطرف تحت رأسه.
فسلم عليه موسى عليه السلام
فكشف عن وجهه

وقال
هل بأرضك سلام..؟ من أنت؟
قال موسى أنا موسى.
قال الخضر موسى بني إسرائيل..
عليك السلام يا نبي إسرائيل.
قال موسى
وما أدراك بي..؟
قال الخضر
الذي أدراك بي ودلك علي..
ماذا تريد يا موسى..؟
قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير
(هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)
قال الخضر
أما يكفيك أن التوراة بيديك..
وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى
(إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)
قال الخضر لموسى عليهما السلام
إن هناك شرطا يشترطه لقبول أن يصاحبه
موسى عليه السلام
ويتعلم منه هو ألا يسأله عن شيء حتى يحدثه هو عنه.. فوافق موسى عليه السلام
على الشرط وانطلقا..

انطلق موسى عليه السلام مع الخضر يمشيان على ساحل البحر..
مرت سفينة
فطلب الخضر وموسى من أصحابها أن يحملوهما
وفوجئ موسى حين رست السفينة
وغادرها أصحابها وركابها..
فوجئ بأن الخضر يتخلف فيها
لم يكد أصحابها يبتعدون حتى بدأ الخضر
يخرق السفينة..
فاستنكر موسى فعلة الخضر.
لقد حملنا أصحاب السفينة بغير أجر..
أكرمونا..
وها هو ذا يخرق سفينتهم ويفسدها..
كان التصرف من وجهة نظر موسى معيبا..
وغلبت طبيعة موسى المندفعة عليه
كما حركته غيرته على الحق
فاندفع يحدث أستاذه ومعلمه

وقد نسي شرطه الذي اشترطه عليه
(قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا)

وهنا يلفت العبد الرباني نظر موسى
إلى عبث محاولة التعليم منه
لأنه لن يستطيع الصبر عليه

(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)

ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه
ألا يؤاخذه وألا يرهقه

(قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)

سارا معا..
فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان..
حتى إذا تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم ناحية
واستسلم للنعاس..
فوجئ موسى بأن العبد الرباني يقتل غلاما..
ويثور موسى عليه السلام
سائلا عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله هكذا..
يعاود العبد الرباني
تذكيره بأنه أفهمه أنه لن يستطيع الصبر عليه

(قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا)..

ويعتذر موسى بأنه نسي
ولن يعاود الأسئلة وإذا سأله مرة أخرى
سيكون من حقه أن يفارقه

(قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا)

ومضى موسى مع الخضر..
فدخلا قرية بخيلة..
لا يعرف موسى لماذا ذهبا إلى القرية
ولا يعرف لماذا يبيتان فيها
نفذ ما معهما من الطعام
فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما..
وجاء عليهما المساء
وأوى الاثنان إلى خلاء فيه جدار يريد أن ينقض..
جدار يتهاوى ويكاد يهم بالسقوط..
وفوجئ موسى بأن الرجل العابد
ينهض ليقضي الليل كله في إصلاح الجدار
وبنائه من جديد..
ويندهش موسى من تصرف رفيقه ومعلمه
إن القرية بخيلة
لا يستحق من فيها هذا العمل المجاني

(قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)..

انتهى الأمر بهذه العبارة..
قال عبد الله لموسى عليه السلام

(هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)

لقد حذر العبد الرباني موسى السؤال.
وجاء دور التفسير الآن..
إن كل تصرفات العبد الرباني التي أثارت موسى
وحيرته لم يكن حين فعلها تصدر عن أمره..
كان ينفذ إرادة عليا..
وكانت لهذه الإرادة العليا حكمتها الخافية
وكانت التصرفات تشي بالقسوة الظاهرة
بينما تخفي حقيقتها رحمة حانية..
وهكذا تخفي الكوارث أحيانا في الدنيا جوهر الرحمة
وترتدي النعم ثياب المصائب وتجيد التنكر
وهكذا يتناقض ظاهر الأمر وباطنه
ولا يعلم موسى
رغم علمه الهائل غير قطرة من علم العبد الرباني
ولا يعلم العبد الرباني من علم الله إلا بمقدار
ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقاره في البحر
من ماء البحر..
كشف العبد الرباني لموسى شيئين في الوقت نفسه..
كشف له أن علمه أي علم موسى محدود..
كما كشف له أن كثيرا من المصائب
التي تقع على الأرض تخفي في ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى.
إن أصحاب السفينة سيعتبرون خرق سفينتهم
مصيبة جاءتهم بينما هي نعمة تتخفى في زي المصيبة..
نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها
إلا بعد أن تنشب الحرب ويصادر الملك كل السفن
الموجودة غصبا
ثم يفلت هذه السفينة التالفة المعيبة..
وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو
فلا يموتون جوعا.
أيضا سيعتبر والد الطفل المقتول
وأمه أن كارثة قد دهمتهما لقتل وحيدهما الصغير البريء..
غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمة عظمى
فإن الله سيعطيهما بدلا منه غلاما
يرعاهما في شيخوختهما
ولا يرهقهما طغيانا وكفرا كالغلام المقتول.
وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة
وترتدي الرحمة قناع الكارثة
ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبي الله موسى عليه السلام
إلى تصرف يجري أمامه
ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف
ومغزاه ورحمة الله الكلية
التي تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.
أما الجدار الذي أتعب نفسه بإقامته
من غير أن يطلب أجرا من أهل القرية
كان يخبئ تحته كنزا لغلامين يتيمين ضعيفين
في المدينة ولو ترك الجدار ينقض
لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران
أن يدفعا عنه..
ولما كان أبوهما صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه
في طفولتهما وضعفهما
فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما ويستخرجا كنزهما
وهما قادران على حمايته
ثم ينفض الرجل يده من الأمر
فهي رحمة الله التي اقتضت هذا التصرف
وهو أمر الله لا أمره
فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة
وفيما قبلها
ووجهه إلى التصرف فيها
وفق ما أطلعه عليه من غيبه.

قال تعالى
(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا)




قارون وقوم موسى

يروي لنا القرآن قصة قارون
وهو من قوم موسىعليه السلام
لكن القرآن لا يحدد زمن القصة ولا مكانها
فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسىع ليه السلام
في مصر قبل الخروج؟
أو وقعت بعد الخروج في حياة موسى؟
أم وقعت في بني إسرائيل من بعد موسى؟
وبعيدا عن الروايات المختلفة
نورد القصة كما ذكرها القرآن الكريم.
يحدثنا الله عن كنوز قارون فيقول سبحانه وتعالى
إن مفاتيح الحجرات التي تضم الكنوز
كان يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء
ولو عرفنا عن مفاتيح الكنوز هذه الحال
فكيف كانت الكنوز ذاتها؟!
لكن قارون بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء
ولا يذكر القرآن فيم كان البغي
ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور.
فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم.
وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال
حق الفقراء في أموال الأغنياء.
وربما بغى عليهم بغير هذه الأسباب.
ويبدو أن العقلاء من قومه نصحوه بالقصد والاعتدال
وهو المنهج السليم.
فهم يحذروه من الفرح الذي يؤدي بصاحبه إلى نسيان
من هو المنعم بهذا المال
وينصحونه بالتمتع بالمال في الدنيا
من غير أن ينسى الآخرة
فعليه أن يعمل لآخرته بهذا المال
ويذكرونه بأن هذا المال هبة من الله وإحسان
فعليه أن يحسن ويتصدق من هذا المال
حتى يرد الإحسان بالإحسان
ويحذرونه من الفساد في الأرض، بالبغي
والظلم، والحسد، والبغضاء
وإنفاق المال في غير وجهه
أو إمساكه عما يجب أن يكون فيه
فالله لا يحب المفسدين.
فكان رد قارون جملة واحد تحمل شتى معاني الفساد
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)
لقد أنساه غروره مصدر هذه النعمة وحكمتها
وفتنه المال وأعماه الثراء
فلم يستمع قارون لنداء قومه
ولم يشعر بنعمة ربه.
وخرج قارون ذات يوم على قومه
بكامل زينته، فطارت قلوب بعض القوم
وتمنوا أن لديهم مثل ما أوتي قارون
وأحسوا أنه في نعمة كبيرة
فرد عليهم من سمعهم من أهل العلم والإيمان
ويلكم أيها المخدوعون
احذروا الفتنة
واتقوا الله، واعلموا أن ثواب الله خير من هذه الزينة
وما عند الله خير مما عند قارون.
وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها
وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى
تتدخل القدرة الإلهية لتضع حدا للفتنة
وترحم الناس الضعاف من إغراءها
وتحطم الغرور والكبرياء
فيجيء العقاب حاسما
(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)
هكذا في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره
وذهب ضعيفا عاجزا، لا ينصره أحد
ولا ينتصر بجاه أو مال.
وبدأ الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض
في دهشة وعجب واعتبار
فقال الذين كانوا يتمنون أن عندهم
مال قارون وسلطانه وزينته وحظه في الدنيا
حقا إن الله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء
من عباده ويوسع عليهم
أو يقبض ذلك
فالحمد لله أن منّ علينا فحفظنا من الخسف والعذاب الأليم
إنا تبنا إليك سبحانك
فلك الحمد في الأولى والآخرة.
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#54
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

يوشع بن نون عليه السلام

ورد أنه الفتى الذي صاحب موسى عليه السلام
للقاء الخضر
وهو النبي الذي أخرج الله على يديه بني إسرائي
من صحراء سيناء
وحاربوا أهل فلسطين وانتصروا عليهم
سيرته
لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى.
سوى اثنين
هما الرجلان اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل
بدخول قرية الجبارين
ويقول المفسرون
إن أحدهما يوشع بن نون
وهذا هو فتى موسى عليه السلام
في قصته مع الخضر
صار الآن نبيا من أنبياء بني إسرائيل
وقائدا لجيش يتجه نحو الأرض التي أمرهم الله بدخولها
خرج يوشع بن نون ببني إسرائيل من التيه
بعد أربعين سنة
وقصد بهم الأرض المقدسة
كانت هذه الأربعين سنة كما يقول العلماء
كفيلة بأن يموت فيها جميع من
خرج مع موسى عليه السلام من مصر
ويبقى جيل جديد تربى على أيادي
موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام
جيل يقيم الصلا ويؤتي الزكاة ويؤمن بالله ورسله
قطع بهم نهر الأردن إلى أريحا،
وكانت من أحصن المدائن سورا
وأعلاها قصورا وأكثرها أهلا
فحاصرها ستة أشهر.
صدر الأمر الإلهي لبني إسرائيل أن يدخلوا المدينة سجدا..
أي راكعين مطأطئي رءوسهم شاكرين لله عز وجل
ما من به عليهم من الفتح
أمروا أن يقولوا حال دخولهم
(حِطَّةٌ)..
بمعنى حط عنا خطايانا التي سلفت
وجنبنا الذي تقدم من آبائنا.
إلا أن بني إسرائيل خالف ما أمرت به قولا وفعلا..
فدخلوا الباب متعالين متكبرين
وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم..
فأصابهم عذاب من الله بما ظلموا.
كانت جريمة الآباء هي الذل
وأصبحت جريمة الأبناء الكبرياء والافتراء.
ولم تكن هذه الجريمة هي أول جرائم بني إسرائيل
فقد عذبوا رسلهم كثيرا بعد موسى عليه السلام
وتحولت التوراة بين أيديهم إلى قراطيس
يبدون بعضها ويخفون كثيرا.
حسبما تقتضي الأحوال وتدفع المصلحة المباشرة
وكان هذا الجحود هو المسؤول
عما أصاب بني إسرائيل من عقوبات.
عاد بنو إسرائيل إلى ظلمهم لأنفسهم..
اعتقدوا أنهم شعب الله المختار
وتصوروا انطلاقا من هذا الاعتقاد
أن من حقهم ارتكاب أي شيء وكل شيء..
وعظمت فيهم الأخطاء وتكاثرت الخطايا
وامتدت الجرائم بعد كتابهم إلى أنبيائهم
فقتلوا من قتلوا من الأنبياء.
وسلط الله عليهم بعد رحمة الأنبياء قسوة الملوك الجبارين
يظلمونهم ويسفكون دمائهم
وسلط الله أعدائهم عليهم ومكن لهم من رقابهم وأموالهم
وكان معهم تابوت الميثاق
وهو تابوت يضم بقية مما ترك موسى وهارون
ويقال
إن هذا التابوت كان يضم ما بقي من ألواح التوراة
التي أنزلت على موسى عليه السلام
ونجت من يد الزمان
وكان لهذا التابوت بركة تمتد إلى حياتهم وحروبهم
فكان وجود التابوت بينهم في الحرب
يمدهم بالسكينة والثبات
ويدفعهم إلى النصر
فلما ظلموا أنفسهم ورفعت التوراة من قلوبهم
لم يعد هناك معنى لبقاء نسختها معهم
وهكذا ضاع منهم تابوت العهد
وضاع في حرب من حروبهم التي هزموا فيها.
وساءت أحوال بني إسرائيل بسبب ذنوبهم
وتعنتهم وظلمهم لأنفسهم
ومرت سنوات وسنوات
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#55
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

هارون عليه السلام

أخو موسى عليه السلام ورفيقه في دعوة فرعون
إلى الإيمان بالله لأنه كان فصيحا ومتحدثا
استخلفه موسى عليه السلام على قومه
عندما ذهب للقاء الله فوق جبل الطور
ولكن حدثت فتنة السامري الذي حول بني إسرائيل
إلى عبادة عجل من الذهب له خوار
فدعاهم هارون عليه السلام
إلى الرجوع لعبادة الله ولكنهم استكبروا
فلما رجع موسى عليه السلام
ووجد ما آل إليه قومه عاتب هارون عليه السلام
عتاباً شديداً

سيرته

لا يذكر الكثير عن سيرة هارون عليه السلام
إلا أن المعلوم هو أن الله أيد موسى بأخيه هارون
في دعوته فلقد كان هارون عليه السلام أفصح لسانا
وورد موقف موسى عليه السلام من أخيه
حين استخلفه على بني إسرائيل وذهب للقاء ربه
فعبدت بنو إسرائيل العجل الذي صنعه السامري
القصة مذكورة بتفاصيلها في قصة موسى عليه السلام
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#56
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

داود عليه السلام

‏‏آتاه الله العلم والحكمة وسخر له الجبال والطير
يسبحن معه وألان له الحديد
كان عبدا خالصا لله شكورا يصوم يوما
ويفطر يوما يقوم نصف الليل
وينام ثلثه ويقوم سدسه وأنزل الله عليه الزبور
وقد أوتي ملكا عظيما وأمره الله أن يحكم بالعدل.

حال بنو إسرائيل قبل داود عليه السلام

قبل البدء بقصة داود عليه السلام
لنرى الأوضاع التي عاشها بنو إسرائل في تلك الفترة
لقد انفصل الحكم عن الدين
وزاد طغيان بني إسرائيل
فكانوا يقتلون الأنبياء، نبيا تلو نبي
فسلط الله عليهم ملوكا منهم ظلمة جبارين
حتى انهم أضاعوا التابوت
وكان في التابوت بقية مما ترك آل موسى وهارون عليهم السلام
فقيل أن فيها بقية من الألواح التي أنزلها الله
على موسى عليه السلام وعصاه، وأمورا آخرى.
كان بنو إسرائيل يأخذون التابوت معهم
في معاركهم لتحل عليهم السكينة
ويحققوا النصر.


اختيار طالوت ملكا

ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما..
سألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى..
قالوا: ألسنا مشردين؟
قال: بلى..
قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته
كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم
هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله
وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم
إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.
قالوا
كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة
التي يخرج منها الملوك أبناء يهوذا
كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم
إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا
ما هي آية ملكه؟
قال لهم نبيهم
سيرجع لكم التابوت تحمله الملائكة.

ووقعت هذه المعجزة..
وعادت إليهم التوراة يوما..

ثم تجهز جيش طالوت
وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش..
قال الملك طالوت لجنوده
سنصادف نهرا في الطريق
فمن شرب منه فليخرج من الجيش
ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..
وجاء النهر فشرب معظم الجنود
وخرجوا من الجيش، وكان طالوت
قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود
ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش
وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة
لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا
لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا
وكان جيش العدو كبيرا وقويا..
فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف
من جالوت وجيشه
وقالوا
كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟
قال المؤمنون من جيش طالوت
النصر ليس بالعدة والعتاد
إنما النصر من عند الله..
(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ)

وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه
وهو يطلب أحدا يبارزه..
وخاف منه جنود طالوت جميعا..
وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير
هو داود عليه السلام ..
كان داود مؤمنا بالله
وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية
في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح
ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك قد قال
من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش
ويتزوج ابنتي..
ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء..
كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار
وظالم ولا يؤمن بالله..
وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..
وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه
(وهو نبلة يستخدمها الرعاة)..
تقدم جالوت بالسلاح والدروع..
وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه
ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه
وطوح به في الهواء وأطلق الحجر.
فأصاب جالوت فقتله.
وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت
على جيش جالوت.
جمع الله الملك والنبوة لداود
بعد فترة أصبح داود عليه السلم
ملكا لبني إسرائيل
فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى
لقد أكرم الله نبيه الكريم بعدة معجزات
لقد أنزل عليه الزبور
(وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)
وآتاه جمال الصوت، فكان عندما يسبّح
تسبح الجبال والطيور معه
والناس ينظرون
وألان الله في يديه الحديد
حتى قيل أنه كان يتعامل مع الحديد
فكان يصنع منه الدروع.
كانت الدروع الحديدية التي يصنعها
صناع الدروع ثقيلة
ولا تجعل المحارب حرا يستطيع أن يتحرك
كما يشاء أو يقاتل كما يريد.
فقام داوود عليه السلام
بصناعة نوعية جديدة من الدروع
درع يتكون من حلقات حديدية
تسمح للمحارب بحرية الحركة
وتحمي جسده من السيوف والفئوس والخناجر..
أفضل من الدروع الموجودة أيامها..
وشد الله ملك داود عليه السلام
جعله الله منصورا على أعدائه دائما..
وجعل ملكه قويا عظيما يخيف الأعداء حتى بغير حرب
وزاد الله من نعمه على داود
فأعطاه الحكمة وفصل الخطاب
أعطاه الله مع النبوة والملك حكمة
وقدرة على تمييز الحق من الباطل
ومعرفة الحق ومساندته..

القضايا التي عرضت على داود

يروي لنا القرآن الكريم بعضا من القضايا
التي وردت على داود عليه السلام.
فلقد جلس داود كعادته يوما يحكم بين الناس
في مشكلاتهم..
وجاءه رجل صاحب حقل ومعه رجل آخر..
وقال له صاحب الحقل
إن غنم هذا الرجل نزلت حقلي أثناء الليل
وأكلت كل عناقيد العنب التي كانت فيه..
وقد جئت إليك لتحكم لي بالتعويض..
قال داود عليه السلام لصاحب الغنم
هل صحيح أن غنمك أكلت حقل هذا الرجل؟
قال صاحب الغنم : نعم
قال داود عليه السلام
لقد حكمت بأن تعطيه غنمك بدلا من الحقل الذي أكلته.
قال سليمان..
وكان الله قد علمه حكمة تضاف إلى ما ورث
من والده عندي حكم آخر يا أبي..
قال داود: قله يا سليمان..
قال سليمان
أحكم بأن يأخذ صاحب الغنم حقل هذا الرجل
الذي أكلته الغنم..
ويصلحه له ويزرعه حتى تنمو أشجار العنب
وأحكم لصاحب الحقل أن يأخذ الغنم
ليستفيد من صوفها ولبنها ويأكل منه
فإذا كبرت عناقيد الغنم وعاد الحقل سليما
كما كان أخذ صاحب الحقل حقله
وأعطى صاحب الغنم غنمه..
قال داود عليه السلام
هذا حكم عظيم يا سليمان..
الحمد لله الذي وهبك الحكمة..

فتنة داود عليه السلام

وكان داود رغم قربه من الله وحب الله له
يتعلم دائما من الله
وقد علمه الله يوما ألا يحكم أبدا إلا إذا استمع
لأقوال الطرفين المتخاصمين..
فيذكر لنا المولى في كتابه الكريم
قضية أخرى عرضت على داود عليه السلام.
جلس داود عليه السلام
يوما في محرابه الذي يصلي لله ويتعبد فيه
وكان إذا دخل حجرته أمر حراسه ألا يسمحوا
لأحد بالدخول عليه أو إزعاجه وهو يصلي..
ثم فوجئ يوما في محرابه بأنه أمام اثنين من الرجال..
وخاف منهما داود لأنهما دخلا
رغم أنه أمر ألا يدخل عليه أحد.
سألهما داود عليه السلام من أنتما؟
قال أحد الرجلين
لا تخف بيني وبين هذا الرجل خصومة
وقد جئناك لتحكم بيننا بالحق.
سأل داود: ما هي القضية؟
قال الرجل الأول

(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ)

وقد أخذها مني
قال أعطها لي وأخذها مني..
وقال داود بغير أن يسمع رأي الطرف الآخر
وحجته

(لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)

وإن كثيرا من الشركاء يظلم بعضهم بعضا
إلا الذين آمنوا..
وفوجئ داود عليه السلام
باختفاء الرجلين من أمامه..
اختفى الرجلان
وأدرك داود أن الرجلين
ملكان أرسلهما الله إليه ليعلماه درسا..
فلا يحكم بين المتخاصمين
من الناس إلا إذا سمع أقوالهم جميعا
فربما كان صاحب التسع والتسعين نعجة معه الحق..
وخر داود راكعا، وسجد لله، واستغفر ربه..

وفاته عليه السلام

كان داود يصوم يوما ويفطر يوما..

قال رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم

"أفضل الصيام صيام داود
كان يصوم يوما ويفطر يوما
وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتا
وكانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه
ويبكي ببكائه كل شيء
ويشفي بصوته المهموم والمحموم"..

جاء في الحديث الصحيح

أن داود عليه السلام كان شديد الغيرة على نساءه
فكانت نساءه في قصر
وحول القصر أسوار
حتى لا يقترب أحد من نساءه
وفي أحد الأيام رأى النسوة رجلا في صحن القصر
فقالوا
من هذا والله لن رآه داود ليبطشنّ به
فبلغ الخبر داود عليه السلام
فقال للرجل
من أنت؟ وكيف دخلت؟
قال: أنا من لا يقف أمامه حاجز
قال: أنت ملك الموت
فأذن له فأخذ ملك الموت روحه.
مات داود عليه السلام وعمره مئة سنة
فكان محبوبا جدا بين الناس
حتى قيل لم يمت في بني إسرائيل
بعد موسى وهارون أحد كان بنو إسرائيل
أشد جزعا عليه..
منهم على داود..
وآذت الشمس الناس فدعا سليمان الطير قال
أظلي على داود.
فأظلته حتى أظلمت عليه الأرض.
وسكنت الريح
وقال سليمان للطير
أظلي الناس من ناحية الشمس
وتنحي من ناحية الريح
وأطاعت الطير
فكان ذلك أول ما رآه الناس من ملك سليمان
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#57
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

في المشاركه القادمه ان شاء الله سوف نتحدث
عن سليمان عليه السلام
دمتم بخير
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#58
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )

سليمان عليه السلام

آتاه الله العلم والحكمة
وعلمه منطق الطير والحيوانات وسخر له الرياح والجن
وكان له قصة مع الهدهد حيث أخبره
أن هناك مملكة باليمن يعبد أهلها الشمس
من دون الله فبعث سليمان عليه السلام
إلى ملكة سبأ يطلب منها الإيمان
ولكنها أرسلت له الهدايا فطلب من الجن
أن يأتوا بعرشها فلما جاءت ووجدت عرشها آمنت بالله

(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)

ورثه في النبوة والملك..
ليس المقصود وراثته في المال
لقد آتى الله سليمان عليه السلام ملكا عظيما
لم يؤته أحدا من قبله
ولن يعطه لأحد من بعده إلى يوم القيامة.
فقد استجاب الله تعالى لدعوة سليمان

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي)

لنتحدث الآن عن بعض الأمور التي سخرها الله
لنبيه سليمان عليه السلام
لقد سخر له أمرا لم يسخره لأحد من قبله ولا بعده..
سخر الله له
"الجن"
فكان لديه عليه السلام القدرة على حبس الجن
الذين لا يطيعون أمره
وتقييدهم بالسلاسل وتعذيبهم.
ومن يعص سليمان يعذبه الله تعالى
لذلك كانوا يستجيبون لأوامره
فيبنون له القصور، والتماثيل
التي كانت مباحة في شرعهم
والأواني والقدور الضخمة جدا
فلا يمكن تحريكها من ضخامتها
وكانت تغوص له في أعماق البحار
وتستخرج اللؤلؤ والمرجان والياقوت..
وسخر الله لسليمان عليه السلام الريح
فكانت تجري بأمره.
لذلك كان يستخدمها سليمان في الحرب.
فكان لديه بساطا خشبيا ضخم جدا
وكان يأمر الجيش بأن يركب على هذا الخشب
ويأمر الريح بأن ترفع البساط وتنقلهم للمكان المطلوب
فكان يصل في سرعة خارقة.
ونختم هذه النعم بجيش سليمان عليه السلام

كان جيشه مكون من
البشر، والجن، والطيور.
فكان يعرف لغتها.

سليمان عليه السلام والخيل

بعد عرض نعم الله عليه
لنبدأ بقصته عليه السلام
وبعض أحداثها.
كان سليمان عليه السلام يحب الخيل كثيرا
خصوصا ما يسمى
(بالصافنات)
وهي من أجود أنواع الخيول وأسرعها
وفي يوم من الأيام
بدأ استعراض هذه الخيول أمام سليمان عصرا
وتذكر بعد الروايات أن عددها كان أكثر من عشرين ألف جواد
فأخذ ينظر إليها ويتأمل فيها
فطال الاستعراض
فشغله عن ورده اليومي في ذكر الله تعالى
حتى غابت الشمس
فانتبه وأنب نفسه لأن حبه لهذه الخيول
شغله عن ذكر ربه حتى غابت الشمس

(فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)

وجاءت هنا روايتان كلاهما قوي
رواية تقول أنه أخذ السيف وبدأ بضربها
على رقابها وأرجلها
حتى لا ينشغل بها عن ذكر الله
ورواية أخرى تقول أنه كان يمسح عليها
ويستغفر الله عز وجل
فكان يمسحها ليرى السقيم منها من الصحيح
لأنه كان يعدّها للجهاد في سبيل الله.

ويذكر لنا القرآن الكريم مواقف عدة

تتجلى لنا فيها حكمة سليمان عليه السلام
ومقدرته الفائقة على استنتاج الحكم الصحيح
في القضايا المعروضه عليه.
ومن هذه القصص ما حدث في زمن داود عليه السلام

قال تعالى
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ
إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)


ويذكر لنا القرآن الكريم قصة عجيبة

(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
حَـتَّى إِذا أتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا
وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ
الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)

يقول العلماء "ما أعقلها من نملة وما أفصحها"

(يَا) نادت (أَيُّهَا) نبّهت (ادْخُلُوا) أمرت، (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) نهت
(سُلَيْمَانُ) خصّت (وَجُنُودُهُ) عمّت (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)
اعتذرت

سمع سليمان عليه السلام
كلام النملة فتبسم ضاحكا من قولها..
ما الذي تتصوره هذه النملة!
رغم كل عظمته وجيشه فإنه رحيم بالنمل..
يسمع همسه وينظر دائما أمامه
ولا يمكن أبدا أن يدوسه..
وكان سليمان عليه السلام يشكر الله أن منحه هذه النعمة..
نعمة الرحمة ونعمة الحنو والشفقة والرفق.
سليمان عليه السلام وبلقيس ملكة سبأ:
جاء يوم.. وأصدر سليمان أمره لجيشه أن يستعد..
خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش عليه..
فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش
فغضب وقرر تعذيبه أو قتله
إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.
فجاء الهدهد ووقف على مسافة غير بعيدة عن سليمان
عليه السلام

(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ
وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ)

فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة
فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ باليمن
وذكر العرش هنا لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل
فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها
ذكر عرش الله سبحانه وتعالى
فتعجب سليمان من كلام الهدهد
فلم يكن شائعا أن تحكم المرأة البلاد
وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء
ويسجدون للشمس
وتعجب من عرشها العظيم
فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما

(قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)

وهذا منتهى العدل والحكمة
ثم كتب كتابا وأعطاه للهدهد وقال له

(اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)

ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد
يحث تستطيع سماع ردهم على الكتاب.
يختصر السياق القرآني في سورة النمل
ما كان من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة
وينتقل مباشرة إلى الملكة
وسط مجلس المستشارين
وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها
رسالة سليمان عليه السلام ..

قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ
إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ )

هذا هو نص خطاب الملك سليمان عليه السلام لملكة سبأ..
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#59
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )


إنه يأمر في خطابه أن يأتوه مسلمين..
هكذا مباشرة..
إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس..
ولا يناقشهم في فساد عقيدتهم..
ولا يحاول إقناعهم بشيء..
إنما يأمر فحسب..
أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟
لا عليه إذن أن يأمرهم بالتسليم..
كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة
المتعالية المهذبة في نفس الوقت..
طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة..
وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور

(قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي
مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ)

كان رد فعل الملأ وهم رؤساء قومها التحدي..
أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم
وإحساسهم بالقوة.
أدركوا أن هناك من يتحداهم
ويلوح لهم بالحرب والهزيمة ويطالبهم بقبول شروطه
قبل وقوع الحرب والهزيمة

(قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ
إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)

أراد رؤساء قومها أن يقولوا
نحن على استعداد للحرب..
ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من رؤساء قومها..
فإن رسالة سليمان عليه السلام
أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..
فكرت الملكة طويلا في رسالة سليمان..
كان اسمه مجهولا لديها
لم تسمع به من قبل
وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته
ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع فيه
غزو مملكتها وهزيمتها.
ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه
وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو..
ورجحت الحكمة في نفسها على التهور
وقررت أن تلجأ إلى اللين
وترسل إليه بهدية..
وقدرت في نفسها أنه ربما يكون طامعا
قد سمع عن ثراء المملكة
فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري السلام منه بهدية..
قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه
سيمكن رسلها الذين يحملون الهدية من دخول مملكته
وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته..
يرجعون بأخبار قومه وجيشه
وفي ضوء هذه المعلومات
سيكون تقدير موقفها الحقيقي منه ممكنا..
أخفت الملكة ما يدور في نفسها
وحدثت رؤساء قومها بأنها ترى استكشاف
نية الملك سليمان عليه السلام
عن طريق إرسال هدية إليه
انتصرت الملكة للرأي الذي يقضي بالانتظار
والترقب..
وأقنعت رؤساء قومها بنبذ فكرة الحرب مؤقتا
لأن الملوك إذا دخلوا قرية انقلبت أوضاعها وصار
رؤساءها هم أكثر من فيها تعرضا للهوان والذل..
واقتنع رؤساء قومها حين لوحت الملكة بما يتهددهم من أخطار..
وصلت هدية الملكة بلقيس إلى الملك
النبي سليمان عليه السلام ..
جاءت الأخبار لسليمان بوصول رسل بلقيس
وهم يحملون الهدية..
وأدرك سليمان عليه السلام
على الفور أن الملكة أرسلت رجالها ليعرفوا معلومات
عن قوته لتقرر موقفها بشأنه..
ونادى سليمان عليه السلام
في المملكة كلها أن يحتشد الجيش..
ودخل رسل بلقيس وسط غابة كثيفة مدججة بالسلاح..
فوجئ رسل بلقيس بأن كل غناهم وثرائهم
يبدو وسط بهاء مملكة سليمان..
وصغرت هديتهم في أعينهم.
وفوجئوا بأن في الجيش أسودا ونمورا وطيورا..
وأدركوا أنهم أمام جيش لا يقاوم..
ثم قدموا لسليمان هدية الملكة بلقيس على استحياء شديد.
وقالوا له نحن نرفض الخضوع لك
لكننا لا نريد القتال
وهذه الهدية علامة صلح بيننا ونتمنى أن تقبلها.
نظر سليمان إلى هدية الملكة وأشاح ببصره


(فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ
مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)

كشف الملك سليمان بكلماته القصيرة عن رفضه لهديتهم
وأفهمهم أنه لا يقبل شراء رضاه بالمال.
يستطيعون شراء رضاه بشيء آخر

(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)
ثم هددهم
(ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا
وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ)

وصل رسل بلقيس إلى سبأ..
وهناك هرعوا إلى الملكة وحدثوها أن بلادهم في خطر..
حدثوها عن قوة سليمان واستحالة صد جيشه..
أفهموها أنها ينبغي أن تزوره وتترضاه..
وجهزت الملكة نفسها وبدأت رحلتها نحو مملكة سليمان..
جلس سليمان في مجلس الملك وسط رؤساء قومه ووزرائه وقادة جنده وعلمائه..
كان يفكر في بلقيس..
يعرف أنها في الطريق إليه..
تسوقها الرهبة لا الرغبة..
ويدفعها الخوف لا الاقتناع..
ويقرر سليمان بينه وبين نفسه أن يبهرها بقوته
فيدفعها ذلك للدخول في الإسلام
فسأل من حوله
إن كان بإمكان احدهم ان يحضر له عرش بلقيس
قبل أن تصل الملكة لسليمان
 

البروفيسور

مشرف أقسام الفوتوشوب و الشباب
#60
رد: قصص الانبياء (أفضل القصص بتفاصيلها )


فعرش الملكة بلقيس هو أعجب ما في مملكتها..
كان مصنوعا من الذهب والجواهر الكريمة
وكانت الحراسة لا تغفل عن العرش لحظة..
فقال أحد الجن أنا أستطيع إحضار العرش
قبل أن ينتهي المجلس وكان عليه السلام
يجلس من الفجر إلى الظهر
وأنا قادر على حمله وأمين على جواهره.
لكن شخص آخر يطلق عليه القرآن الكريم

"الذي عنده علم الكتاب"

قال لسليمان أنا أستطيع إحضار العرش
في الوقت الذي تستغرقه العين في الرمشة الواحدة.
واختلف العلماء في

"الذي عنده علم الكتاب"

فمنهم من قال أنه وزيره أو أحد علماء بني إسرائيل
وكان يعرف اسم الله الأعظم الذي
إذا دعي به أجاب.
ومنهم من قال أنه جبريل عليه السلام.
لكن السياق القرآني ترك الاسم
وحقيقة الكتاب غارقين في غموض كثيف مقصود..
نحن أمام سر معجزة كبرى
وقعت من واحد كان يجلس في مجلس سليمان..
والأصل أن الله يظهر معجزاته فحسب
أما سر وقوع هذه المعجزات فلا يديره إلا الله..
وهكذا يورد السياق القرآني القصة
لإيضاح قدرة سليمان الخارقة
وهي قدرة يؤكدها وجود هذا العالم في مجلسه.
هذا هو العرش ماثل أمام سليمان..
تأمل تصرف سليمان عليه السلام
بعد هذه المعجزة..
لم يستخفه الفرح بقدرته
ولم يزهه الشعور بقوته
وإنما أرجع الفضل لمالك الملك..
وشكر الله الذي يمتحنه بهذه القدرة
تأمل سليمان عليه السلام
عرش الملكة طويلا ثم أمر بتغييره
أمر بإجراء بعض التعديلات عليه
ليمتحن بلقيس حين تأتي
ويرى هل تهتدي إلى عرشها أم تكون من الذين لا يهتدون
كما أمر سليمان عليه السلام
ببناء قصر يستقبل فيه بلقيس
واختار مكانا رائعا على البحر وأمر ببناء القصر
بحيث يقع معظمه على مياه البحر
وأمر أن تصنع أرضية القصر من زجاج شديد الصلابة
وعظيم الشفافية في نفس الوقت
لكي يسير السائر في أرض القصر
ويتأمل تحته الأسماك الملونة وهي تسبح
ويرى أعشاب البحر وهي تتحرك.
تم بناء القصر
ومن فرط نقاء الزجاج الذي صنعت منه أرض حجراته
لم يكن يبدو أن هناك زجاجا
تلاشت أرضية القصر في البحر
وصارت ستارا زجاجيا خفيا فوقه.
يتجاوز السياق القرآني استقبال سليمان لها
إلى موقفين وقعا لها بتدبيره
الأول موقفها أمام عرشها الذي سبقها بالمجيء
وقد تركته وراءها وعليه الحراس.
والثاني موقفها أمام أرضية القصر البلورية الشفافة
التي تسبح تحتها الأسماك.
لما اصطحب سليمان عليه السلام بلقيس إلى العرش
نظرت إليه فرأته كعرشها تماما..
وليس كعرشها تماما..
إذا كان عرشها فكيف سبقها في المجيء..؟
وإذا لم يكن عرشها فكيف أمكن تقليده بهذه الدقة ..؟
قال سليمان وهو يراها تتأمل العرش
(أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟)
قالت بلقيس بعد حيرة قصيرة
(كَأَنَّهُ هُوَ!)
قال سليمان
(وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ).
توحي عبارته الأخيرة إلى الملكة بلقيس
أن تقارن بين عقيدتها وعلمها
وعقيدة سليمان المسلمة وحكمته.
إن عبادتها للشمس
ومبلغ العلم الذي هم عليه
يصابان بالخسوف الكلي أمام علم سليمان وإسلامه.
لقد سبقها سليمان إلى العلم بالإسلام
بعدها سار من السهل عليه أن يسبقها في العلوم الأخرى
هذا ما توحي به كلمة سليمان لبلقيس..
أدركت بلقيس أن هذا هو عرشها
لقد سبقها إلى المجيء
وأنكرت فيه أجزاء وهي لم تزل تقطع الطريق لسليمان..
أي قدرة يملكها هذا النبي الملك سليمان؟!
انبهرت بلقيس بما شاهدته من إيمان سليمان وصلاته لله
مثلما انبهرت بما رأته من تقدمه في الصناعات والفنون والعلوم..
وأدهشها أكثر هذا الاتصال العميق بين إسلام سليمان
وعلمه وحكمته.
انتهى الأمر واهتزت داخل عقلها آلاف الأشياء..
رأت عقيدة قومها تتهاوى هنا أمام سليمان
وأدركت أن الشمس التي يعبدها قومها
ليست غير مخلوق خلقه الله تعالى وسخره لعباده
وانكسفت الشمس للمرة الأولى في قلبها
أضاء القلب نور جديد لا يغرب مثلما تغرب الشمس.
ثم قيل لبلقيس ادخلي القصر..
فلما نظرت لم تر الزجاج، ورأت المياه
وحسبت أنها ستخوض البحر
(وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا)
حتى لا يبتل رداؤها.
نبهها سليمان دون أن ينظر
ألا تخاف على ثيابها من البلل.
ليست هناك مياه
(إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ)..
إنه زجاج ناعم لا يظهر من فرط نعومته..
اختارت بلقيس هذه اللحظة لإعلان إسلامها..
اعترفت بظلمها لنفسها وأسلمت
(مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
وتبعها قومها على الإسلام.
أدركت أنها تواجه أعظم ملوك الأرض
وأحد أنبياء الله الكرام.
يسكت السياق القرآني عن قصة بلقيس بعد إسلامها..
ويقول المفسرون أنها تزوجت سليمان بعد ذلك..
ويقال أنها تزوجت أحد رجاله..
أحبته وتزوجته
وثبت أن بعض ملوك الحبشة من نسل هذا الزواج..
ونحن لا ندري حقيقة هذا كله..
لقد سكت القرآن الكريم عن ذكر هذه التفاصيل
التي لا تخدم قصه سليمان..
ولا نرى نحن داعيا للخوض فيما لا يعرف أحد
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.